العيد موسم لأعمال البر
إن العيد مناسبة مباركة، ينبغي على كل مسلم أن يَستفيد منها ليرفع رصيده من الحسنات؛ وذلك بمزيدٍ من أعمال البر والقربات لله تعالى، التي يمكن أن نُجملها فيما يلي:
- التصنيفات: تزكية النفس - مجتمع وإصلاح -
إن العيد مناسبة مباركة، ينبغي على كل مسلم أن يَستفيد منها ليرفع رصيده من الحسنات؛ وذلك بمزيدٍ من أعمال البر والقربات لله تعالى، التي يمكن أن نُجملها فيما يلي:
1 - بر الوالدين وصلة الأرحام:
إن بر الوالدين وصلة الأرحام من أفضل أعمال البر في أيام العيدين.
قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا * رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا * وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} [الإسراء: 23 - 27].
وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
روى الشيخان عن عبدالله بن مسعود قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: «الصلاة على وقتها» قال: ثم أيٌّ؟ قال: «بر الوالدين» قال: ثم أيٌّ؟ قال: «الجهاد في سبيل الله»؛ قال: حدثني بهن، ولو استزدتُه لزادني؛ (البخاري حديث 527/ مسلم حديث 85).
وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفَه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليَصِل رحمه»؛ (البخاري حديث 6138).
وروى الشيخان عن أنس بن مالكٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَن أحب أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصل رحمه»؛ (البخاري حديث 5986/ مسلم حديث 2557).
2 - زيارة الجيران والأصدقاء:
إن زيارة الجيران والأصدقاء - دون اختلاطٍ بين الرجال والنساء - من مكارم الأخلاق التي حثَّنا عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم؛ فهي تؤلِّف بين القلوب وتنشر المحبة والمودة بين الجيران والأصدقاء؛ قال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} [النساء: 36].
روى الشيخان عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما زال يوصيني جبريل بالجار حتى ظننت أنه سيورثه»؛ (البخاري حديث 6014/ مسلم حديث 2624).
ومن السنة صلةُ الجيران والأصدقاء بالهدايا؛ فإن ذلك له تأثيرٌ كبير في كسب محبة الناس.
روى مسلمٌ عن أبي ذرٍ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذرٍّ، إذا طبَختَ مرقةً فأكثِر ماءها وتعاهَدْ جيرانَك»؛ (مسلم جـ4 حديث 142).
3 - مواساة الأيتام والفقراء:
ما أجمل أن نُشارك الأيتام والفقراء بهجة العيد! إن اليتيم الذي فقَدَ أباه يَشعر بذلك يوم العيد؛ فهو يَنتظر مَن يعطف عليه ويبتسم في وجهه، ويمسح على رأسه ويُعطيه هدية، ولو كان غنيًّا؛ كما كان يَفعل معه أبوه! إن صلة الفقراء بالزيارة والصدقات من الأموال ولحوم الأضاحي، يجعلهم يشعرون بالعزة والكرامة، وأن المجتمع المسلم مجتمع مترابط، تَسودُه الرحمة والمحبة في كل مكان وزمان.
قال تعالى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8].
وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ} [البقرة: 220].
روى الشيخان عن النعمان بن بشيرٍ يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتَوادِّهم وتعاطفهم كمثل الجسد؛ إذا اشتكى عضوٌ تَداعى له سائر جسده بالسهر والحمى»؛ (البخاري حديث 6011/ مسلم حديث 2586).
وروى الشيخان عن سهل بن سعدٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا» وقال بإصبعَيه السبابة والوسطى؛ (البخاري حديث 6005/ مسلم حديث 2983).
وروى الشيخان عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار». (البخاري حديث 5353/ مسلم حديث 2982).
4 - الصلح بين الناس:
إن العيد مناسبة طيبة لكي يصطلح المسلم مع من خاصمه حتى ولو كان الحق معه، إنما يفعل ذلك قربة لله تعالى في هذه المواسم المباركة، ويمكن للمسلم أيضًا أن يَنتهز هذه الفرصة ليصلح بين المتخاصمين حتى تعود المودَّة بين المسلمين في أيام العيد.
قال تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].
وقال تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128].
روى أبو داود عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأفضلَ مِن درجة الصيام والصلاة والصدقة»؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «إصلاح ذات البين، وفساد ذات البين الحالقة»؛ (حديث صحيح)، (صحيح أبي داود للألباني حديث 4111).
إن خير الناس هو الذي يبدأ بالصلح مع إخوانه؛ روى الشيخان عن أبي أيوب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لمسلمٍ أن يهجر أخاه فوق ثلاثٍ، يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام»؛ (البخاري حديث 6077/ مسلم حديث 2559).
روى مسلمٌ عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبدٍ لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال أَنظِروا هذين حتى يَصطلحا، أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا»؛ (مسلم حديث 2565).
أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى، وصفاته العلى أن يَجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
_______________________________________________________
الكاتب: الشيخ صلاح نجيب الدق