أثر الزكاة في العلاقات الإنسانية
الإسلام بتشريعه الخالد يسعى لإيجاد مجتمع متكافل يعطف فيه الغنيُّ على الفقير، ويحترم الغنيُّ الفقيرَ، وتُبنى فيه العلاقات الإنسانية على أساس المودَّة والرحمة، لا وجود فيه للأمراض الفتَّاكة؛ كالحسد والبغض والكراهية...
- التصنيفات: فقه الزكاة - - آفاق الشريعة -
فُرِضَت الزكاة في الإسلام لسداد ثغرات المجتمع، ولتحصينه من العيلة والضياع، والمنتظر من حصيلتها أن تستر العوار، وأن تصون الوجوه من ذُلِّ الفقر، فالإسلام بتشريعه الخالد يسعى لإيجاد مجتمع متكافل يعطف فيه الغنيُّ على الفقير، ويحترم الغنيُّ الفقيرَ، وتُبنى فيه العلاقات الإنسانية على أساس المودَّة والرحمة، لا وجود فيه للأمراض الفتَّاكة؛ كالحسد والبغض والكراهية؛ لأن كل واحد فيه أدَّى ما يجب عليه عن طواعية ورِضا نفس.
وحينما يُزكِّي المسلم بماله بسخاء وصِدْق ينطلق في ذلك من حُبٍّ لله أقوى من حُبِّه للمال، كما ينطلق في ذلك من تفكيره في الفقراء والمساكين وفي الضعفاء واليتامى وأبناء السبيل، وكل ذلك يجعله يشعر بشعور غيره، ويهتم بالمشاركة الوجدانية بعبد الله، فخيرُ الناس أنفعُهم للناس.
العلاقات الإنسانية السويَّة:
وتزيد الزكاة من العلاقات الإنسانية السويَّة، فهي من العوامل القويَّة في ترابُط المجتمع، وإرساء علاقة الوُدِّ والصفاء والحُبِّ والإخاء بين أفراد المجتمع، حيث تعمل على تصفية النفوس وتطهيرها وزَرْع المحبَّة بين الأفراد وغرس روح المودَّة بينهم؛ يقول تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 103].
تطهير لنفوس الأغنياء من الشُّحِّ والحرص:
فالزكاةُ تطهيرٌ لنفوس الأغنياء من الشُّحِّ والحرص والبُخْل والطَّمَع والأنانية، وهذه كلها أوصاف ذميمة مَنِ اتَّصَف بها لا يُرجَى من ورائه خير، ولا يُنتظَر منه بِرٌّ، أمَّا المزكُّون فهم المفلحون الذين صانوا أنفسهم من تلك الصفات القبيحة {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16].
تطهير لنفوس الفقراء من الحِقْد والكراهية والبُغْض:
وهي تطهير لنفوس الفقراء من الحقد والكراهية والبُغْض، فالزكاة على هذا تنقية لسريرة كلا الفريقين، وغايتها تكوين مجتمع مُتآلِف مُتحابٍّ، يعرف الغني فيه واجبَه نحو ربِّه، فيُطيعه فيما أمر، ويعرف واجبه نحو أخيه الفقير، فيُسارع إليه بالبذل والعطاء؛ وقايةً له من عاديات الزمن، وقسوة الفقر والحرمان، ويُحِسُّ الفقير أن هناك من إخوانه الأغنياء مَنْ يسأل عنه، ويقف إلى جانبه، ويرفع من معنوياته، وهكذا يلتقي الفريقانِ على الوُدِّ والصفاء.
القضاء على الفوارق بين الناس:
وتقضي الزكاة على الفوارق التي تملأ المجتمع حقدًا وكراهيةً، وتُتسبَّب في قطع وشائج القرب بين أبنائه، يُحِسُّ بها الفقير أن الغِنى والتمتُّع ليس حكْرًا على لفيف من الناس وغيرهم يعيش في عناء البؤس والحرمان؛ بل ينتهي كل ذلك، وتلتقي الأحاسيس المؤمنة، وقد نسيت تلك المظاهر الدنيوية، وتعانقت بالحُبِّ والإخلاص، وبهذه الفريضة تزول من بين الأغنياء والفقراء أسباب الفرقة، وينشأ التكافل الاجتماعي بين الأفراد بحيث لا يعيش مُتمتِّعًا بنشوةِ غناه، غارقًا في كل الملذَّات المحببة لديه، والفقير يظلُّ محرومًا، وإنَّما يكفل الغني لأخيه الفقير حياةً طيبةً سعيدةً يرى فيها لذة العيش ونشوة الحياة.
خاتمة:
حقًّا إن الزكاة لها الأثر الاجتماعي الذي يُنمِّي من العلاقات الإنسانية السويَّة بين الأغنياء والفقراء؛ حيث تسود بينهم المحبَّة والعطف والرحمة والمودَّة، فهي تهدف فيما تهدف إليه إلى توفر الصحة النفسية للإنسان، وترفع من معنوياته، وتحارب فيه أية بادرة من بوادر الانعزالية أو الشعور بالوحدة؛ إذ إن الإنسان وهو يخرج بنفسه طواعية واختيارًا بعض ما له يؤدي به الزكاة المفروضة عليه يشعر أنه يسهم في بناء المجتمع، ويعمل على إسعاد أفراده، إنه ضمن عوامل استقرار المجتمع، وإن هذا المجتمع يستفيد من وجوده، كما أن الإنسان في هذا المجتمع المترابط المتحابِّ يطمئِنُّ بالوجوه الباسمة الراضية من حوله فلا فقير يحقد عليه، ولا محتاج لعَوْن في المجتمع يشعر بأن أفراد المجتمع قد تخلَّوا عنه.
_____________________________________________________________
الكاتب: محمد عباس محمد عرابي