هل تبقى (إسرائيل) حتى عام 2048م؟
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
مع مرور الوقت وزيادة حدة الصراع في الشرق الأوسط تقل الخيارات أمام (إسرائيل). حيث تشهد المنطقة صعود قوى جديدة راغبة في الحرب مع كيان لطالما اعتبر سبب الحالة المتردية التي يعيشها سكان الدول المجاورة لإسرائيل، نظرًا لتحول تلك الدول إلى قلاع حماية لأمن المسخ الذي يسمى (إسرائيل). لذلك فإن المحللة البريطانية (ماري ديجيفنسكي) تساءلت في مقالة نشرتها صحيفة (ذي إندبندنت) الجمعة عما: إذا كانت (إسرائيل) ستبقى موجودة في العام 2048م؟ فباعتقادها أن الخيارات تقل وإسرائيل إما أنها ستتحول إلى دولة (قلعة) أو دولة ضعيفة لدرجة يصبح معها إقامة فيدرالية مع فلسطينيين مزدهرة أمرًا ذا مصداقية.
وهذا نص المقال بحسب ما نشرته صحيفة القدس نقلًا عن صحيفة (ذي إندبندنت):
"في هذا الوقت من الأسبوع الماضي كان العالم الدبلوماسي في حالة توتر شديد، بينما كان الرئيس الفلسطيني (محمود عباس) يجري تحضيرات للإعلان في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن طلب فلسطين بها، بعد سبعة أيام من ذلك يقبع طلبه التاريخي في فراغ مبهم، بينما يحاول الأميركيون والأوروبيون استباق مواجهة سيئة المزاج في مجلس الأمن والفيتو الأميركي، الذي سيعقبها بصورة أكيدة، ويبدو أن الفكرة هي محاولة إثناء الفلسطينيين بوعد لإعادة إطلاق محادثات السلام مع (إسرائيل).
لكن سواء كان هذا التكتيك سينجح، أم لا؟ فلن يكون هناك الكثير من الشك في أنه ذات يوم عاجلًا أم آجلًا ستأتي دولة فلسطينية كاملة إلى الوجود، كانت هناك الكثير من البدايات السيئة منها انتخابات عام (2006) التي رفضها الكثيرون في الغرب بأثر رجعي حين كانت نتيجتها فوز (حماس) كأكبر حزب، لكن هذا الزخم لا يمكن إيقافه الربيع العربي، أو بالأحرى الصحوة العربية، لا يمكن إلا أن تسرِع العملية.
السؤال الأكبر: على المدى الطويل يتعلق ليس فقط بوجود الدولة الفلسطينية، أو حتى قابليتها للحياة، وهو أمر يجب أن يكون من المسلَمات. (الديموغرافية، والاقتصاد، والسياسة) كلها تشير إلى نفس الاتجاه، الأمر يتعلق بمستقبل (إسرائيل) وبقائها على المدى الطويل، باختصار: هل ستبقى (إسرائيل) كدولة يهودية لتحتفل بمئويتها عام 2048؟
دعوني أوضح الأمر: السؤال ليس ما إذا كانت (إسرائيل) يجب أن تستمر في الوجود، هذا أمر بعيد عن الشك، إنها دولة أقيمت (قانونيًا باعتراف كامل من الأمم المتحدة) وهي مستقرة، على الرغم من الانقسامات، وديمقراطية استمرت أكثر من 60 عامًا وسط جيرة عدائية بامتياز، وهي ليست وحدها بحدود لم يتم إقرارها بعد، ويعتبرها البعض غير قانونية، وحقيقة أن لها أعداء لم يعترفوا بها لا تلغي شرعيتها.
السؤال ليس ما إذا كانت (إسرائيل) يجب أن تبقى، بل ما إذا كانت تستطيع ذلك، وهنا لا بد أن يكون مجال للشك على الأقل، تحمل التطورات الأخيرة تلميحات بأن (إسرائيل) كما هي الآن، قد لا تكون سمة دائمة على المشهد الدولي، من تلك التطورات الأخيرة على حدودها، وعلى الرغم من الإنفاق الضخم على الأمن، والجهود الأخيرة المثيرة للجدل لوضع جدران مادية على طول ما تصفها (إسرائيل) على أنها حدودها مع السلطة الفلسطينية، فقد أصبحت حدودها الأخرى، أو هي توشك أن تكون مسامية، في عدة نهايات أسابيع في ايار وحزيران (مايو، ويونيو) اخترق فلسطينيون في سوريا الحدود مع (إسرائيل) لم يستخدموا قوة هائلة، كانت الأعداد كافية ضد القوات الإسرائيلية التي ترددت في قتل عشرات الشبان.
بدا أن الاختراقات كانت قد شجعتها -إن لم تكن حرضت عليها- السلطات السورية، التي أرادت إبعاد الانتباه عن المشاكل التي تواجهها، وقد توقفت منذ ذلك الحين، لكن الخطر يبقى ويمكن أن يتصاعد حين تتدهور الأمور في سوريا، وإذا في أسوأ الأحوال سقطت سوريا في حرب أهلية، فإن الفوضى يمكن أن تسبب خطرًا أكبر على (إسرائيل) لأنه لن يكون هناك أحد في دمشق ذو سلطة ليدعو الشبان الفلسطينيين المحبطين إلى العودة.
أمر مشابه ربما حتى أكثر صعوبة في السيطرة عليه حدث في الجنوب، على حدود (إسرائيل) مع مصر، سيناء أرض واسعة ومن الصعب مراقبتها، الأمن على الجانب المصري تدهور بالفعل بعد سقوط نظام مبارك، وكانت هناك هجمات على سيارات إسرائيلية في النقب، ولا بد من إضافة العوامل (الديموغرافية) إلى المشاكل الأمنية المتصاعدة، إذ يزداد عدد الشبان بسرعة في دول العالم أجمع، ومن الواضح أن الاتجاه الحالي لا يمكن تغيير مساره بسهولة، قد يكون ممكنًا أن نتصور لجوء (إسرائيل) إلى نوع من التحصينات التي يصعب اقتحامها على امتداد يماثل حدود الولايات المتحدة مع المكسيك، وهذا يتكلف مبالغ هائلة ويعني العزلة، أما الآثار على الحياة اليومية في (إسرائيل) فهي سلبية تقريبًا بالكامل.
هناك سبب آخر يدعو الإسرائيليين لتبرير شعورهم بالخشية على مستقبل حياتهم، وهو يرتبط بالمستقبل السياسي للربيع العربي، إذ كانت الخشية تعتمل في الصدور لفترة طويلة من أن أي تغيير في الدول العربية سيحمل معه الأنظمة الإسلامية إلى سدة الحكم، ومعهم أجندات مناوئة بشدة (لإسرائيل) وهو ما لا يمكن إغفاله حتى الآن، ولكن ما حدث حتى الآن قد تكون له عواقب وخيمة أشد على (إسرائيل) ليس في خسارة الدولة العبرية لشهرتها باعتبارها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة فحسب، بل وفي فقدان الزعماء العرب الذين كانوا يساندون السلام بقوة أو أنهم في سبيل فقدان السلطة، وفي تخلي الولايات المتحدة عن التدخل.
وكانت هناك أمال في أن يؤدي قيام مزيد من (الأنظمة الديمقراطية) حول (إسرائيل) إلى احتمال تعزيز مناخ التطبيع والاحترام المتبادل، لكن ذلك لم يحدث حتى الآن، أما الأثر الآخر فهو أن يكون الزعماء أكثر استجابة لمتطلبات شعوبهم، ولكن هذا قد لا يكون مفيدًا لاستقرار العلاقات العربية الإسلامية، مثلما يستشف فعلًا من الوضع مع مصر، ومع تعزيز ثقة الفلسطينيين بالنفس نتيجة الربيع العربي أيضًا، وهو أحد العوامل التي دفعت عباس إلى اتخاذ قراره بنقل قضيته إلى الأمم المتحدة الأسبوع الماضي، فإن الميزان السياسي في المنطقة بدأ يميل إلى غير ما هو عليه.
ويكمن سبب ثالث للشكوك في مستقبل (إسرائيل) داخل الدولة العبرية نفسها، فمع تهاوي روح الريادة السابقة، وحتى مع أفول (ذكرى المحرقة) -إذ جرؤ المرء على قول ذلك- فإن (إسرائيل) لن تكون كما كانت قبل (60 سنة أو 30 أو حتى 10 سنوات) ثم إن تنامي الحركة السكانية يعني أنها ستتغير باستمرار، مع تزايد عدد العرب والمتدينين اليهود، والجيل الثاني من الروس بتواتر أكثر سرعة من المجموعات الأخرى، (فإسرائيل) بعد 30 عامًا قد تكون أكثر تفسخًا وأقل إنتاجًا، وأكثر انكماشًا وأشد سطوة مما هي عليه اليوم، ولا تجد فيها الوسائل المالية والإحساس بعدم المسؤولية في الواجبات، التي دفعت الشبان إلى الدفاع عن وطنهم بقوة السلاح.
إن الاحتجاجات الجماهيرية ضد عدم المساواة وتكاليف معيشة الطبقة المتوسطة توحي أيضًا: بأن التماسك الاجتماعي الذي طفا حتى الآن قد يغوص إلى الأسفل، وفي هذه الظروف لا بد من التساؤل إلى أي مدى يمكن (لإسرائيل) أن تحافظ على الوحدة التي كانت دومًا تمثلها ضد ما تطلق عليه (التهديد الحياتي). وإسرائيل التي تحيط بها حدود مسامية، تحدها دول تعمها في آن معًا الفوضى وتأكيد الذات، ومواطنوها أقل قدرة أو رغبة في القتال: يمكن أن تواجه تساؤلات جادة بشأن قابليتها للحياة والنمو، وعندها يكون الخيار بين دولة داخل قلعة تحميها أسلحة نووية بوضوح، ودولة ضعيفة إلى حد يصبح معه الارتباط بدولة فلسطين المستقلة النامية، أو إقامة فيدرالية معها أمرًا ذا مصداقية، وسيكون هذا ما يسمى حل الدولة الواحدة بوسائل أخرى.
وعلى أي حال، فإن من لديهم خيارات أخرى -من قطاعات شابة أكثر ثقافة وأكثر مدنية بين السكان- قد يسعون لتأمين مستقبلهم في مكان آخر، مخلفين وراءهم حلم أجدادهم في الوطن لا أكثر من قشرة لما كانت عليه، وسيصبح القول: "العام القادم نلتقي في القدس" أثرًا محزنًا لمطمعٍ نبيل قضت عليه الديمغرافية القاسية، ووقائع الجغرافيا السياسية".
وبالرغم من أن تحليل الكاتبة للواقع الذي تعيشه إسرائيل كان يشوبه بعض الانحياز (لإسرائيل) فإنها لم تعرج على نقطة ذات أهمية وهي: أن الجيل الذي يقوم بالثورة العربية الجديدة التي أطلقت عليها اسم (فوضى) هو جيل تعلم جيدًا أن (إسرائيل) كيان وجد بشرعية الغاب في عهد الاستعمار البريطاني، وبسفك دماء الشعب الفلسطيني، وأن القانون الدولي الذي تحمى الكاتب به شرعية (إسرائيل) هو نفس القانون الذي شرع للجيش الإسرائيلي مجازره في قطاع (غزة، والضفة الغربية) خلال سنوات انتفاضة الأقصى، لأن هذا القانون دائمًا إذا كان مع (إسرائيل) تحميه أوروبا والولايات المتحدة وتدعمه، وإذا كان مع الفلسطينيين يبطل قراراته (الفيتو الأمريكي)!!!
فلماذا القانون الدولي لم يمنح الفلسطينيين دولتهم منذ صدور قرار التقسيم عام 1947؟ بالرغم من عمل الأمم المتحدة على دعم وجود كيان ليس له أصل في تلك البلاد، والأمر الآخر الذي يجب الإشارة إليه هو: أن الخطورة الحقيقية التي تحدق (بإسرائيل) هي أن الروح الإسلامية للثورة العربية، وجيران (إسرائيل) سيكونون حاسمين في قضية وجود هذا الكيان المسخ، لأنها قامت على جثث شعب بأكمله.