هل فاز أردوغان وحزبه بالانتخابات التركية قبل أن تبدأ؟
عبد المنعم منيب
يكاد يتفق جميع المراقبين والمحللين في العالم كله أن الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية التي بدأت فعاليتها هذا الشهر هي أصعب انتخابات على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم
- التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -
يكاد يتفق جميع المراقبين والمحللين في العالم كله أن الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية التي بدأت فعاليتها هذا الشهر هي أصعب انتخابات على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الحاكم منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم منذ 21 عامًا، ليس فقط بسبب توحد الأحزاب المعارضة كلها ضده واتفاقها على دعم مرشح واحد، ولكن أيضًا بسبب تضافر المشكلات الاقتصادية والإقليمية والدولية ضد الرئيس أردوغان وحزبه "حزب العدالة والتنمية"، فرغم ازدهار النمو الاقتصادي التركي ودخول تركيا لمجموعة الدول العشرين الأكبر اقتصادًا في العالم إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تدهورًا بالغًا للقوة الشرائية لليرة التركية وقيمتها أمام العملات الدولية وارتفاع نسبة التضخم بدرجة كبيرة الأمر الذي أثقل كاهل المواطنين الأتراك وجعل معيشتهم صعبة جدًا، ثم جاء زلزال جنوب تركيا (6 فبراير 2023) وما تلاه من زلازل ليضرب أجزاءً كبيرة من تركيا، وهو أمر عمق جراح الاقتصاد التركي وألقى مزيدًا من الضغوط على قطاع واسع من المواطنين الأتراك.
ويضاف إلى ذلك استمرار المشكلات الإقليمية والدولية التي تضغط على الحكومة التركية مثل مشاكل اللاجئين والإرهاب فضلاً عن عدم رضا الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين عن سياسة "تركيا/أردوغان" التي تنزع للاستقلالية في سياساتها الدولية والإقليمية بشكل لا يلبي مطامع وأماني الغرب، وكل هذا دفع الغرب للمجاهرة في تصريحات عديدة بوقوفه إلى جانب معارضي أردوغان.
كل هذه العوامل جعلت كثيرًا من المراقبين يتوقعون خسارة أردوغان وحزبه لهذه الانتخابات أو على الأقل فوز الحزب الحاكم بأكثرية في البرلمان مع خسارة أردوغان انتخابات الرئاسة لصالح مرشح الطاولة السداسية كمال كليشدار أوغلو، ولكن عندما بدأت الحملة الانتخابية وشاهد الجميع خطوات حزب العدالة والتنمية وزعيمه رجب طيب أردوغان وحلفائه من الأحزاب الأخرى بدأت التقديرات تختلف بل وتميل إلى استنتاج أن الرئيس أردوغان سيعاد انتخابه رئيسًا وأن "تحالف الجمهور" الحاكم سيحوز الأكثرية في البرلمان التركي القادم ويمكن رصد أهم هذه الخطوات على النحو التالي:
شق كتل المعارضة والتحالف مع قسم منها
تتكون المعارضة من تحالف الشعب الذي يضم "حزب الشعب الجمهوري" وهو أتاتوركي يساري و"حزب السعادة" وهو إسلامي و"حزب الجيد" وهو قومي وحزبان منشقان عن حزب العدالة والتنمية هما حزبا "المستقبل" بقيادة أحمد داود أوغلوا و"حزب الديمقراطية والتقدم" (ديفا) بزعامة علي بابا جان بالإضافة لـ"الحزب الديمقراطي"، وهؤلاء هم الأحزاب الستة المكونة للتحالف السداسي، كما أن حزب الشعوب الديمقراطية وهو كردي قد أعلن مساندته لمرشح الطاولة السداسية للرئاسة كمال كليشدار أوغلو، ويعتبر كثيرون أن حزب الشعوب هو الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني المحظور والمصنف إرهابيًا، وجاءت خطوة شق المعارضة هذه عبر عدد من الخطوات إذ نجح تحالف الجمهور الحاكم في ضم "حزب الدعوة الحرة" للتحالف وهو حزب إسلامي كردي وبذلك ضمن التحالف الذي يقوده أردوغان جانبًا من أصوات الأكراد وإنْ بنسبة أقل مما يتمتع بها حزب الشعوب المساند لكمال كليشدار.
أما تيار القوميين فهو موجود أصلاً ضمن تحالف أردوغان منذ عدة سنوات ممثلاً في حزب الحركة القومية وهو أكبر حزب للقوميين الاتراك.
أما الإسلاميون ففوق أن "حزب العدالة والتنمية" الحاكم محسوب على الإسلاميين والمحافظين إلا أن "تحالف الجمهور" الحاكم نجح في ضم "حزب الرفاه الجديد" بقيادة فاتح بن نجم الدين أربكان وهو منشق عن "حزب السعادة" منذ فترة.
كما ينتفع التحالف الحاكم من استمرار محرم إنجه وحزبه "حزب البلد" في المنافسة الانتخابية لأنه منشق عن "حزب الشعب الجمهوري" الأتاتوركي وبالتالي فهو يفتت الأصوات الأتاتوركية ويخصم من الأصوات التي كانت ستذهب إلى حزب الشعب وزعيمه كمال كليشدار.
جر معارضيه لمبارزته في القضايا المتفوق فيها
لو تركز النقاش في الفاعليات الانتخابية على القضايا الاقتصادية من قبيل ارتفاع الأسعار وارتفاع نسبة التضخم وانهيار قيمة الليرة التركية والمشكلات التي خلفها الزلزال لتسبب هذا في إحراج بالغ للتحالف الحاكم، ولكن أردوغان وحملة تحالفه الانتخابية نجحوا في جر النقاش للقضايا التي تفوق فيها أردوغان وحزبه الحاكم مثل التقدم الصناعي بشكل عام مثل السيارة الكهربائية التركية (TOGG)، وكذلك مجال الصناعات العسكرية بشكل خاص مثل الطائرات المسيرة والدبابة التركية وحاملة الطائرات التركية إلى غير ذلك من الصناعات العسكرية المختلفة التي بجانب تعزيزها للاستقلال الوطني التركي فإنها باتت تصدر للخارج وتسهم في الدخل الوطني التركي بمليارات الدولارات، بالإضافة للقضايا المعنوية التي يتفوق فيها أردوغان على معارضيه بسبب ثقة أغلبية الاتراك في أردوغان بشأنها من مثل القومية والاستقلال والاعتزاز القومي والهوية الإسلامية..إلخ.
وفي المقابل نلاحظ فشل المعارضة فى جر النقاش الانتخابي إلى القضايا التي تمثل نقاط ضعف الحزب الحاكم مثل أسعار الطعام وتدهور قيمة العملة..إلخ
نجاح حزب أردوغان وحلفائه في الحشد الجماهيري في الشوارع
حشود جماهير التحالف الحاكم في المؤتمرات الانتخابية مثلت عملية "الصدمة والرعب" المعنوية ليس لمنافسي أردوغان وخصومه السياسيين فى الداخل فقط بل أيضًا فى الخارج؛ لأنها جاءت بمثابة مفاجأة مذهلة أربكت حسابات كل من يتمنى سقوط أردوغان، ومن أدلة ذلك ما قاله نائب المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بعيد مؤتمر اسطنبول الانتخابي الذي حضره نحو مليونين من الأتراك، حيث أعلن المسئول الأمريكي قائلاً: "إننا لا ندعم أي طرف وسنتعامل مع من يختاره الشعب التركي".
تحويل الدعم الأروبوأمريكي للمعارضة إلى عامل ضعف
تمكن أردوغان - وحملته هو وتحالفه - من تحويل الدعم الأروبوأمريكي للمعارضة إلى نقطة ضعف حيث أبرز ارتباط المعارضة بأوروبا وأمريكا واتهمهم بأنهم ينفذون أجندة الغرب ويريدون إفقاد تركيا استقلالها الوطني، وساعد في ذلك الصحافة الأوروبية والأمريكية حيث أعلنت مجلات وصحف ألمانية وبريطانية وفرنسية وأمريكية مساندتها الصريحة للمعارضة التركية وتمنيها سقوط أردوغان وحزبه فاستخدم تحالف أردوغان هذا.
ولعل الصدمة والرعب التي سببها الحشد الجماهيري الأردوغاني تسبب فى هلع هذه الصحافة ودفعها لنشر هذه المواد معلنة دعمها للمعارضة ومناهضتها لأردوغان مما أعطى حملة حزب العدالة والتنمية وحلفائه مزيدًا من الأدلة على تبعية المعارضة للغرب وتفريطها في الاستقلال الوطني لتركيا إنْ هى وصلت للحكم.
تأجيج الاستقطاب السياسي بصبغته الأيديولوجية
لا شك أن أبرز قضية نجح فيها أردوغان وحلفاؤه هو تأجيج الاستقطاب السياسي فى تركيا بصبغته الأيديولوجية حول القضايا الكبرى كالاستقلال الوطني والهوية القومية التركية والإسلام والتقاليد والأسرة التقليدية فى مواجهة المثلية والانحلال، وكذلك قضية النهوض في مجال الصناعات المتقدمة خاصة العسكرية.
إن كل هذه القضايا يتفوق حزب أردوغان فيها على المعارضة ولكن الأهم من ذلك هو أن تعميم الاستقطاب بصبغته الأيديولوجية القومية هذه يرسخ جمهور كل تيار فى مواقعه الأصلية ولا شك أن جمهور أردوغان وحزبه يملك وحده عدد أصوات أعلى بكثير من جمهور معارضيه فإذا أضفنا له جمهور حلفائه فمعنى هذا تفوقًا على معارضية بحد لا بأس به من التفوق وإذا أضفنا ما قد ينجح "حزب العدالة والتنمية" من إضافته من الجمهور الجديد أو المتردد أو ممن قد يبهره الحشد الجماهيري المليوني لتحالف أردوغان فإن كل هذا يوضح مدى اقتراب تحالف أردوغان من اجتياز الانتخابات بفوز لم يكن يتوقعه أحد منذ أسبوعين.
وختاما: فأيًا كانت نتيجة الانتخابات التركية الرئاسية والبرلمانية فإن تجربة أردوغان وحزبه أصبحت علامة بارزة في عدة أمور مهمة:
أولا: في مشروعه الاقتصادي والصناعي النهضوي الذي أخرج تركيا من عداد دول العالم الثالث إلى إحدى دول مجموعة العشرين في أقل من عشرين عامًا.
ثانيًا: في إدارة التنافس الانتخابي والعمل الجماهيري المميز ليس في مواجهة الأحزاب المنافسة فقط ولكن أيضًا في مواجهة محاولات الانقلابات العسكرية الخطيرة والمدعومة دوليًا.
ثالثًا: في إدارة الملفات الدولية والإقليمية بشكل يُعظم من دور الدولة ويكسبها المزيد من الموارد السياسية والاقتصادية داخليا والتي تنعكس تاليًا بدورها إيجابا على الدولة وعلى دورها وتأثيرها الإقليمي والدولي.
وفضلاً عن هذا كله فلا شك أن الحشود المليونية التي نجح أردوغان وتحالفه في تعبئتها عبر فاعليات هذه الانتخابات ستترك بصمتها في سياسة وتاريخ تركيا والإقليم والعالم مهما كانت نتيجة الانتخابات.