75 عامًا على النكبة الفلسطينية.. الجرح الذي لا يندمل!

في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية، تحوم في الذاكرة مجددًا ذكرى المأساة التي عاشها الشعب الفلسطيني ولا يزال يعيشها حتى الآن، إنها مأساة مستمرة لأجيال وُلِدَت ونشأت وعاشت تحت وطأة الاحتلال

  • التصنيفات: أحداث عالمية وقضايا سياسية -

في هذا المقال نستذكر المأساة التي ما تزال أساسًا مركزيًّا للهوية الجمعية الفلسطينية ونلقي نظرة سريعة على كفاح الأجيال الفلسطينية وما تبع ذلك من تطورات، وتأثير حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة على الوضع الراهن.

 

تاريخ المأساة:

في عام 1948، شهدت فلسطين والمنطقة العربية حدثًا تاريخيًا مؤلمًا استمر أثره حتى يومنا هذا، حيث جرى الإعلان عن قيام ما يُعرف بـ "إسرائيل" على أراضي فلسطينية، تلا ذلك حربٌ بين القوات الصهيونية والجيوش العربية، تمكنت خلالها القوات الصهيونية من السيطرة على معظم الأراضي الفلسطينية مما أدى إلى تشتت الفلسطينيين وتعرضوا لتهجير جماعي واضطهاد من قبل القوات الصهيونية التي كانت تسعى إلى إنشاء "دولة إسرائيل"، تسبب هذا الحدث في استشهاد وتشريد الآلاف من الفلسطينيين، ولم يتمكن الكثير منهم العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم مرة أخرى، ولا زالوا يعانون من عواقب هذا الحدث المشؤوم المعروف باسم "النكبة الفلسطينية" حتى يومنا هذا، ويعيشون في ظروف صعبة في المخيمات والمناطق المحتلة، تم إقامة العديد من المخيمات للاجئين الفلسطينيين في الأردن ولبنان وسوريا وفلسطين المحتلة، ويعيش الآن ملايين الفلسطينيين في ظروف صعبة، وتشير الإحصائيات إلى أن النكبة تسببت في:

* فقدان ما يقارب 80% من الأراضي الفلسطينية وتشريد نحو مليون فلسطيني من ديارهم، فيما تجاوز عدد اللاجئين 5 ملايين شخص، يعيشون في ظل نقص الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية والتعليمية.

* نزوح أكثر من 750 ألف فلسطيني خارج حدود فلسطين التاريخية، وتدمير ما يصل إلى 531 قرية فلسطينية.

* مقتل آلاف الفلسطينيين بما في ذلك النساء والأطفال، تجزئة الأراضي الفلسطينية وظهور قضية اللاجئين الفلسطينيين، وفقدان الوحدة بين الفلسطينيين في الداخل وفي الشتات، صعوبة عودة اللاجئين إلى ديارهم وضعف أمل العودة.

 

تأتي ذكرى النكبة فيما لا تزال دولة الاحتلال تتهرب من مسؤولياتها عن العنف والمجازر التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين منذ النكبة، إذ ترفض التحقيقات الدولية المستقلة في الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها ضد الفلسطينيين

* كوارث إنسانية في مخيمات اللاجئين الفلسطينية التي أنشئت في دول الجوار نتيجة لظروف معيشية قاسية، ومعاناتهم من مستويات عالية من الفقر والبطالة.

تعتبر النكبة نقطة تحول كبرى في تاريخ الشعب الفلسطيني وتشكل إحدى أهم أسباب عدم الاستقرار في الشرق الأوسط حتى اليوم، كما أنها تعدّ من أسوأ الكوارث الإنسانية التي شهدها العالم العربي في القرن العشرين، إذ تمثل ببساطة فقدان شعب لوطنه وأرضه وممتلكاته، بل وتشريده إلى مناطق أخرى بين نازح أو لاجئ، يعاني الشعب الفلسطيني من الانتهاكات المستمرة لحقوقهم الإنسانية والسياسية، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والحصار الذي يفرض على قطاع غزة، كما يعاني الفلسطينيون أيضًا من تمييز عنصري وانتهاكات حقوق الإنسان والممارسات القمعية، ويواجهون صعوبات في الحصول على الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والرعاية الصحية، يُضاف إلى ذلك معاناتهم من تزييف الوعي حول حقوقهم ومطالبهم العادلة وحقهم الرئيسي في استعادة أراضيهم وإقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

 

مأساة مستمرة تحت حكومة نتنياهو:

شهدت الأجيال الفلسطينية المتعاقبة سياسات قاسية وعدوانية من الحكومات "الإسرائيلية" من أجل إضعاف مقاومتهم وفرض السيطرة عليهم، وقد تمثل ذلك بشكل ملحوظ في:

* الاستيطان المرتفع في الضفة الغربية: ازداد عدد المستوطنات والمستوطنين بشكل كبير خلال العقد الماضي، مما يضيق بشكل متزايد من حرية تنقل الفلسطينيين، فيما تُنهَب منازلهم وأراضيهم.

* بناء الجدار الفاصل: استمر بناء جدار الفصل العنصري خلال العقد الماضي، مما يقطع الوصول إلى العديد من الخدمات الحيوية ويعزل المناطق الفلسطينية عن بعضها، كما أنه اقتطع مساحات شاسعة من أراضي الفلسطينيين.

* الحصار على قطاع غزة: استمر الحصار القاسي الذي يفرضه الكيان الإسرائيلي على غزة لسنوات مما أدى لتدهور كبير في أوضاع المعيشة في القطاع، والذي بات بمثابة أكبر سجن كبير على كوكب الأرض.

* الاعتقالات والعنف المفرط: ارتفع عدد اعتقالات الأطفال والشباب الفلسطينيين وحالات العنف ضدهم إلى أعلى مستوياته خلال السنوات الأخيرة.

* عدم الاستقرار والحرمان من الحقوق الأساسية وتقييد الحريات: حيث تتعرض أجيال من الفلسطينيين للمضايقات والرقابة المشددة وإلغاء التراخيص بدرجة أكبر، ويُحرمون من حقوق أساسية مثل الحق في العمل والتعليم والرعاية الصحية والحرية الدينية وحرية التنقل، ويعيش معظم الفلسطينيين في ظروف اقتصادية صعبة، حيث يواجهون نقصًا في الفرص الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة.

منذ تولي بنيامين نتنياهو مجددًا منصبه كرئيس لأكثر الحكومات المتطرفة في تاريخ الكيان الصهيوني، شهدت السياسة الإسرائيلية تحولًا نحو التطرف والتوسع في الاستيطان والاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية، إذ تعتبر حكومة نتنياهو الأخيرة هي الأسوأ من ناحية انتهاكات حقوق الإنسان وتجاوز القوانين الدولية، وقد أدت تبعات السياسات التي تنتهجها حكومته في تفاقم الوضع الإنساني في الأراضي الفلسطينية المحتلة ولا سيما في قطاع غزة، إضافة إلى ما تعانيه الضفة الغربية من توسع المستوطنات الإسرائيلية وتفشي العنف ضد الفلسطينيين، يُضاف إلى ذلك التوجه المطرد للحكومة الإسرائيلية الحالية نحو بناء المزيد من المستوطنات على الأراضي الفلسطينية، مما تتسبب في تقليص المساحة المتاحة للفلسطينيين وتشويه الخريطة الجغرافية للأراضي المحتلة، ناهيك عما يعانيه الفلسطينيون أيضًا من صعوبات متعلقة بالحصول على تصاريح للبناء والتنمية الاقتصادية وتزايد معدلات الفقر والبطالة بينهم.

 

أجيال تحت وطأة الاحتلال:

تمر الأجيال الفلسطينية بتجارب صعبة تحت وطأة الاحتلال، حيث نشأت أجيال كاملة من الأطفال والشباب الفلسطينيين في ظل احتلال مستمر وظروفٍ قاسية، يعاني هؤلاء من فقدان حقوقهم الأساسية، مثل الحرية والأمان والتعليم والرعاية الصحية، وعلى الرغم من تلك الظروف القاسية لا زالوا متمسكين بحقهم في تقرير المصير والعودة إلى أراضيهم، ولا زالوا صامدين في مقاومتهم ويناضلون من أجل العدالة واستعادة حقوقهم المسلوبة، وإقامة دولتهم الفلسطينية المستقلة، وتختلف التقديرات حول عدد الأجيال الفلسطينية التي عاشت في ظل الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين، ولكن من الممكن القول إنه حتى الآن عاشت 5 أجيال على الأقل تحت الاحتلال، وهم:

* الجيل الأول: وُلِدَ قبل إعلان قيام ما يعرف بـ "إسرائيل" في عام 1948، وتعرض لتهجير ونزوح جماعي خلال النكبة.

* الجيل الثاني: وُلِدَ بعد عام 1948 وعاش طفولته وصباه خلال العقود الأولى من الاحتلال، وشهد هذا الجيل تغيرات كبيرة في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في البلاد.

* الجيل الثالث: وُلِدَ في السبعينات والثمانينات وعاش فترة حرب عام 1967، والتي شهدت توسعًا للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، بما في ذلك القدس الشرقية والضفة الغربية وقطاع غزة.

* الجيل الرابع: وُلِدَ في التسعينات وما بعدها وعاش أيضا تحت احتلال "إسرائيل" منذ ولادته.

* الجيل الخامس: الأجيال الأصغر سنًا اليوم، وقد تعرض هذا الجيل وما قبله لظروف صعبة وتحديات كبيرة بسبب الاحتلال الإسرائيلي والصراع المستمر.

 

يتمسك الشعب الفلسطيني بهويته الوطنية وانتماءهم إلى أرضه، ويرفض التطبيع مع الاحتلال ويعارض أي محاولة لتهويد الأرض الفلسطينية، ويجمعهم النضال والمقاومة ضد الاحتلال والسعي إلى تحقيق الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال

 

لا عـدالة .. لا سـلام:

في الذكرى الخامسة والسبعين للنكبة الفلسطينية، يجب على العالم ألا ينسى مأساة الشعب الفلسطيني وأن يعمل بجدية لإنهاء الاحتلال وتحقيق العدالة وضمان وقف الاستيطان ووقف المجازر التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، فمنذ حدوث النكبة ارتكب الكيان الصهيوني العديد من المجازر والانتهاكات الجسيمة بحق الفلسطينيين، والتي من الصعب تحديد عددها بدقة لكثرتها، لكن هناك تقارير متعددة أشارت إلى أن العدد لا يقل عن 70 مجزرة؛ أبرزها: مجزرة دير ياسين، التي وقعت في 9 أبريل 1948، وقتل فيها أكثر من 100 فلسطيني، بينهم العديد من النساء والأطفال، ومجزرة شاتيلا وصبرا التي وقعت في سبتمبر 1982، وأودت بحياة أكثر من 800 فلسطيني، ومجزرة خان يونس التي وقعت في 5 نوفمبر 1956، وقتل فيها العشرات من الفلسطينيين، ومجزرة الأقصى التي وقعت في 8 أكتوبر 1990، وقتل فيها العشرات من المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى الشريف، ولطالما تهربت إسرائيل من تحمل المسؤولية عن هذه المجازر، ودأبت على اعتبارها أعمال فردية أو نتيجة للصراع الدائر في المنطقة، رغم كونها تعدّ جزءًا من الحملة الإسرائيلية المستمرة لطرد الفلسطينيين وتهجيرهم من أراضيهم.

وتأتي ذكرى النكبة فيما لا تزال دولة الاحتلال تتهرب من مسؤولياتها عن العنف والمجازر التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين منذ النكبة، إذ ترفض التحقيقات الدولية المستقلة في الانتهاكات الحقوقية التي ترتكبها ضد الفلسطينيين، والتي تتضمن المجازر والعنف والتعذيب والاعتقال التعسفي والتهجير القسري، كما ترفض الاعتراف بحق الفلسطينيين في العودة إلى منازلهم وأراضيهم التي تم تهجيرهم منها، وتتهرب من تنفيذ قرارات الأمم المتحدة والمحكمة الدولية بشأن التمييز والعنصرية التي يتعرض لها الفلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتي تتضمن سياسات الاستيطان والحصار والفصل العنصري، صحيح أن إسرائيل اعترفت بشكل جزئي بما حدث للفلسطينيين في النكبة، لكنها ظلت تبرر ذلك بأنه كان دفاعًا عن النفس، وهناك العديد من التصريحات التي أدلى بها قادة الكيان الصهيوني تتعلق بالنكبة الفلسطينية، بعضها يُعتبر اعترافًا منهم بما حدث للفلسطينيين، منها ما قاله دافيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لإسرائيل، الذي قال: "لقد طردناهم"، مشيرًا إلى نزوح الفلسطينيين نتيجة الهجمات الصهيونية ضدهم، أما أرئيل شارون فقال إن "الطريقة التي تم بها طرد سكان القرى الفلسطينية كانت مخطئة"، وقال بنيامين نتنياهو: "ينبغي أن نعترف بأن هناك أخطاء ارتكبناها خلال حرب الاستقلال"، مشيرًا إلى ترحيل اللاجئين الفلسطينيين، وقال إسحاق رابين: "لم يكن لدينا خيار سوى الدفاع عن أنفسنا، لقد قمنا بترحيلهم مع كثيرٍ من الألم".

 

نظـرة صهيونية فاسدة:

ينظر الصهاينة بشكل عام إلى النكبة الفلسطينية على أنها أمر ضروري لتأسيس ما يُعرف بـ "دولة إسرائيل"، ويبررونها بأن النكبة كانت نتيجة حتمية لحرب 1948 بين العرب واليهود في أرض فلسطين، كما يرى الصهاينة أن هجرة الفلسطينيين كانت بسبب هروبهم من أرض القتال، وليس بسبب طرد متعمد، ويصفون تبعات النكبة بأنها "ثمن لا بد منه لتأسيس دولة يهودية في فلسطين"، ويشير الإسرائيليون في كثير من أدبياتهم السياسية إلى أن فقدان الفلسطينيين لأراضيهم كان بسبب رفض دول الجار للمشاركة في التقسيم، كما يرفضون أن يطلق عليها اسم النكبة ويفضلون تسميتها "حرب الاستقلال"، ويجادل الصهاينة بأن تلك الحرب المزعومة قد أعطت اليهود الحق التاريخي في فلسطين وسمحت بإعادة ازدهار تراثهم الحضاري، وبالتالي يرى الصهاينة أن ما حدث للفلسطينيين يجب أن ينظر إليه من منظور إنشاء إسرائيل وتحقيق طموح يهودي قديم، بينما ينظر الفلسطينيون إلى النكبة على أنها انتهاك لحقوقهم، وتشريد قسري وطرد متعمد لهم من أرضهم، فالنكبة من وجهة نظرهم كانت مخططًا صهيونيًا مقصودًا وليست مجرد نتيجة للحرب، وأنهم ـ أي الفلسطينيين ـ قد دفعوا الثمن على حساب تحقيق أحلام يهودية.

 

هــناك أمــل:

أثرت النكبة على الثقافة والهوية الفلسطينية، حيث تعرضت للتشتيت والتهجير وفقدان الأرض والهوية، ولكن ـ رغم كل ما حدث ـ استطاع الشعب الفلسطيني الحفاظ على ثقافته وتاريخه وتراثه، والحفاظ على الروابط الثقافية بين اللاجئين الفلسطينيين في مختلف أنحاء العالم، ورغم أن تبعات النكبة على المدى الطويل قد أدت إلى انقسام الحركة الوطنية الفلسطينية وظهور تيارات مختلفة فيها وتزايد الانقسام بين الفصائل الفلسطينية وعدم التوافق على الاستراتيجية والأهداف مما أدى إلى تعطيل جهود التوحيد الفلسطيني، إلا أنه لا يزال هناك ما يجمّع الفلسطينيين ويوحدهم، إذ يتمسك الشعب الفلسطيني بهويته الوطنية وانتماءهم إلى أرضه، ويرفض التطبيع مع الاحتلال ويعارض أي محاولة لتهويد الأرض الفلسطينية، ويجمعهم النضال والمقاومة ضد الاحتلال والسعي إلى تحقيق الحرية والاستقلال وإنهاء الاحتلال، فهم يعتبرون أن قضيتهم هي قضية نضال إنساني يجب على العالم الوقوف إلى جانبهم فيها من أجل تحقيق السلام والعدالة.

تأتي ذكرى النكبة الفلسطينية هذا العام في ظل استمرار المعاناة والصراع، ويراهن البعض على أن الأجيال القادمة لن تعرف سوى الحرب والاحتلال، لكن رغم ذلك يظل الأمل قائمًا في قلوب الفلسطينيين وفي ثقافتهم وكفاحهم اليومي، يعيشون بأمل أن يحين اليوم الذي ينعمون فيه بالعودة إلى أراضيهم ويتمتعون بحقوقهم كبشر.

__________________________________________________________
الكاتب:  أحمد مصطفى الغر