الإنسان الفاضل بين العطاء والجفاء
الإنسانُ الفاضلُ هو كلُّ من اتصَف بالخُلق الرفيع، والأدب الجمِّ، والصدرِ الواسع، يُساءُ إليه فيَغفرُ، يُبتلى فيَصبرُ، يُهجى فيستر، يُعطي مَن حرَمَه، ويصلُ مَن قطَعه، ويعفو عمن ظلَمه.
- التصنيفات: تزكية النفس - محاسن الأخلاق -
تقدَّم شابٌّ لخِطبة فتاةٍ رغبةً في الزواج منها، بعد أن سمع عن متانة دينِها وحسنِ خلقِها، فيمَّمَ أهلُه الكرام وجوهَهم شطرَ بيتِها، وما هي إلا أيامٌ قليلةٌ حتى انطلق والدُها يبحثُ عن أصل هذا الشابِّ وفصلِه، وكان تركيزُه على قضيتين أساسيتين؛ هما: الدينُ والخُلقُ، ودليله ما رواه الترمذيُّ وحسَّنه الألباني، عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( «إِذَا خَطَبَ إليكم من ترضَونَ دِينَهُ وخُلُقَه، فزوِّجُوه؛ إلَّا تفعلُوا، تكنْ فتنةٌ في الأرض، وفسادٌ عريضٌ» )).
وبعد مرورِ زمنٍ من التحرِّيات، وانقضاءِ مدةٍ من التحقيقات، تبيَّن للأب أن الخاطبَ النبيلَ هو رجلٌ والرجالُ قليل، فهو عملةٌ نادرة حقًّا، إيمانًا وخُلقًا؛ فقد اجتمعت كلمةُ الواصفين له ممن اتَّجَروا معه، وسافَروا برفقته، على أنه: "إنسان فاضل".
فيا تُرى من هو الإنسانُ الفاضلُ؟ وما هي أهمُّ سماته الشخصيةِ والسلوكية؟
الإنسانُ الفاضلُ هو القدوةُ في الأقوال والأفعالِ والأحوال، فلا ينبغي أن يكونَ فاضلًا في نفسه، سيئَ التعاملِ مع غيره، ولا يصلُحُ أن يكونَ متفضلًا على غيره، وقد فرَّط في حق ربِّه تبارك وتعالى.
إخواني الأعزاء:
إن الإنسانَ الفاضلَ هو مؤمنٌ صادقٌ في علاقته بربِّه، ومع نفسه، وتجاهَ غيره.
ألم تَمدح خديجةُ بنتُ خويلدٍ رضي الله عنها زوجَها محمدًا صلى الله عليه وسلم بذِكر إنجازاتِه المجتمعية، وتَعدادِ فضائلِه الخُلقية؛ فقالت: "كلا، أبشِرْ، فوالله لا يُخزيكَ اللهُ أبدًا؛ إنك لَتصلُ الرَّحمَ، وتصدُقُ الحديثَ، وتَحمِلُ الكلَّ، وتَقْري الضَّيفَ، وتعينُ على نوائبِ الحقِّ".
فمحمدٌ صلى الله عليه وسلم هو قدوةُ الفضلاء، ونموذجُ النبلاء.
فوالله لن يخزيَه اللهُ أبدًا!
أتدرون لمَ لا يُخزيه اللهُ؟!
لأنه إنسانٌ فاضلٌ قد تفضَّل على خلق الله، فلن يضيعَه الله!
أليس هو من واظبَ على جملةٍ من العبادات الاجتماعيةِ؛ من صلةٍ للرحم، وصدقِ الحديث، وحملِ الكَلِّ، وإكرامٍ للضيف، وإعانةٍ على نوائبِ الدهرِ وصروفه!
وقد صدق من قال:
وإذا سَخَوْتَ بلَغتَ بالجود المدى ♦♦♦ وفعلتَ ما لا تفعلُ الأنواءُ
إن الإنسانَ الفاضلَ هو طاهرُ النيات، مرضيُّ السجايا، كثيرُ العطايا، ليس من طبعِه اللومُ ولا كثرةُ الشكايا.
ألم يشهدِ اللهُ تعالى لنبيِّه الكريمِ بسموِّ خُلقه؛ فقال سبحانه وتعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]؟
ألم تُجب عائشةُ رضي الله عنها عن خُلُق النبي عليه الصلاة والسلام - كما جاء في صحيح مسلم - بقولها: " كان خلقه القرآن"؟
الإنسانُ الفاضلُ هو كلُّ من اتصَف بالخُلق الرفيع، والأدب الجمِّ، والصدرِ الواسع، يُساءُ إليه فيَغفرُ، يُبتلى فيَصبرُ، يُهجى فيستر، يُعطي مَن حرَمَه، ويصلُ مَن قطَعه، ويعفو عمن ظلَمه.
الإنسانُ الفاضل هو بشرٌ فريد من نوعه، اسمُه نادرٌ، راحتُه دومًا في جبرِ الخواطر، ونشرِ الخيرِ وزفِّ البشائر، قد ميَّزتْه أمهاتُ الفضائل، فهو حكيمٌ في نشر الرسائل، وشجاعٌ جَسورٌ كالفارس الباسلِ، وعفيفٌ عاقلٌ زِينتُه التغافلُ، وعادلٌ في قسمة المسائل.
الفضيلةُ اختيارٌ، وليست إجبارًا؛ يقول الداعيةُ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه "خُلق المسلم": "الإكراهُ على الفضيلة لا يصنعُ الإنسانَ الفاضلَ، كما أن الإكراهَ على الإيمان لا يصنعُ الإنسانَ المؤمن؛ فالحريةُ النفسيةُ والعقليةُ: أساسُ المسؤولية، والإسلامُ يقدِّر هذه الحقيقةَ ويحترمُها وهو يبني صرح الأخلاقِ".
يحيا الإنسانُ الفاضل ليحقِّقَ غايته المرسومةَ، ويعيشُ وَفق رؤيةٍ واضحة معلومة، فحياتُه كلُّها بذلٌ وإنفاق، وتبسُّمٌ وإشراق، وحبٌّ وأشواق!
يا أيها الإنسانُ الفاضل:
ألست أنت بديعَ المنظر، نقيَّ المخبَر، تأمرُ بالمعروف وتنهى عن المنكر؟!
ألَا فصُنِ العقيدةَ السمْحة من الشِّرك والأوهام، وحافِظ على الصلوات المكتوباتِ مع الإمام، وأكثِرْ في الليل من القيام، وفي النهار لا تنسَ الصيام.
يا صاحب الفضيلة:
عُدِ المرْضى وخفِّف عنهم الآلامَ، واتْبَع الجنائزَ وازهد في دنيا الحطام، زُر الإخوةَ وكن ذا مروءةٍ وإيمان، انشر الحبَّ والتسامحَ في الأكوان، وكن سليمَ الصدر ذا بشاشةٍ، ولا تتطلعْ إلى مَحْمدة أو رياسة.
يا أفضل إنسان:
شارك إخوانَك، ساعد خِلَّانك، وقُم بدورِك في التربية والبناء، والتشييدِ والنماء، تكن من أهل الصلاح، وروادِ الإصلاح!
وصلِّ اللهمَّ وسلِّم على النبي الأمي، الطاهر الزكي، وعلى آله وصحبه أجمعين.
__________________________________________________________
الكاتب: عبدالغني حوبة