كيف عالج الإسلام جريمة القتل

إن قتل أي إنسان بغير حق جريمة عظيمة، وأن قتل المسلم من أكبر الكبائر المهلكة، وتعظيم حرمة المسلم عند الله، وأن أول ما يُقضَى فيه بين الناس يوم القيامة هي الدماء لعِظَمِ الذنب فيها.

  • التصنيفات: - آفاق الشريعة - مجتمع وإصلاح -

أيها الأحباب العقلاء الشرفاء، اعلموا أن أمة الإسلام أمة صَفَاء ونقاء في العقيدة والعبادات والمعاملات، وقد أمر الإسلام وشريعته بالأُلفة والمحبة والاجتماع، ونهى عما يُوغِر الصدر، ويتسبب في التفرق والشحناء، والكراهية والحقد، وغير ذلك من الأمور التي تُفْسِد القلب، فتتسبب في فساد الإنسان ومجتمعه وبيئته التي يعيش فيها، وانتشار الفوضى والعياذ بالله تعالى، وسنتكلم معكم بإذن الله في مقالة قادمة عن جريمة القتل في الإسلام، وماذا قال الله ورسوله صلى الله عليه وسلم عن القتل والقاتل، وهنا نتكلم باختصار عن علاج الإسلام وشريعته لهذه المصيبة والجريمة الشنعاء القذرة، مهما كان الفاعل ومنصبه، ومهما كانت الأسباب، ما لم يكن هناك سبب شرعي من القرآن أو السنة الشريفة يبيح دم أي إنسان؛ لأن الأصل أن دم الإنسان معصوم لا يجوز سفكه وإسالته، وكل من قتل، أو وافق على القتل، أو فرِح بالقتل، أو أذِن فيه، فهو مجرم قاتل ومشارك فيه، ولينتظر عقوبته في الدنيا والآخرة من الله؛ لأنه ظالم أو شريك للظالم، إذا رضِيَ بظلمه لغيره.

 

وعيد للقاتل عمدًا:

فالله تعالى يقول محذرًا من القتل العمد: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، ذكر هنا وعيد القاتل عمدًا، وعيدًا ترجف له القلوب، وتنصدع له الأفئدة، وتنزعج منه أولو العقول، فلم يَرِدْ في أنواع الكبائر أعظم من هذا الوعيد، بل ولا مثله؛ ألَا وهو الإخبار بأن جزاءه جهنم؛ أي: فهذا الذنب العظيم قد انتهض وحده أن يجازى صاحبه بجهنم، بما فيها من العذاب العظيم، والخزي المهين، وسخط الجبار، وفوات الفوز والفلاح، وحصول الخيبة والخسار، فعياذًا بالله من كل سبب يُبْعِد عن رحمته.

 

وهذا الوعيد له حكم أمثاله من نصوص الوعيد، على بعض الكبائر والمعاصي، من العقوبة في النار، أو حرمان الجنة.

 

جزاؤه جهنم إذا لم يغفر الله له؛ ورُوِيَ عن الحبر الكبير عبدالله بن عباس رضي الله عنه أنه قال: "ليس لقاتلِ مؤمنٍ توبةٌ"، واحتج بهذه الآية: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]؛ فقد تراكمت عليه العقوبات؛ ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الرجل في فسحة من دينه، ما لم يسفك دمًا حرامًا».

 

فهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه رغم عدله الواسع المنتشر، وسيرته الحسنة، فإنه كُلِّف - عندما كان أميرًا على المدينة من قِبل بني أمية - أن يضرب خبيب بن عبدالله بن الزبير، فضربه وتركه في برد المدينة القارس الشديد، وكان خبيب رجلًا صالحًا حتى مات خبيب في البرد، فكان عمر كلما تذكره، بعد أن وَلِيَ الخلافة يبكي ويقول: من لي بخبيب؟! من لي بخبيب؟! من لي بخبيب؟! ويتأسف غاية الأسف على الذي صنعه بخبيب.

 

فالآية فيها تقييدات، فمن يقتل مؤمنًا متعمدًا فجزاؤه جهنم إذا لم يَتُبِ الله عليه، ويقول بعض أهل العلم: إذا لم يكن متأولًا، وهذا التأول يكون مقبولًا، أو تكون له وجهة شرعية مثلًا.

 

{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ} [النساء: 93]، فاجتمع عليه الغضب واللعن.

 

صفة القتل الذي يكون صاحبه متعمدًا:

صفة القتل الذي يستحق صاحبه أن يسمى متعمدًا هو: كل من ضرب إنسانًا بشيء الأغلب منه أنه يُتْلِفه ويُمِيته، فلم يتوقف عن ضربه حتى أتلف نفسه به، فمات المضروب؛ فهذا قاتل متعمد.

 

فالمتعمد للقتل: هو من ضرب إنسانًا بحديدة؛ كالسيف والخنجر، وسنان الرمح، ونحو ذلك من المشحوذ المسنون، المعد للقطع، أو بما يعلم أن فيه الموت من حجارة ثقيلة، أو بعصًا تتسبب في الموت، أو بغير ذلك، ونحوها، وظل يضربه حتى مات، وهو قاصد ضربه؛ فهذا قاتل متعمد، وقال بعض العلماء: أيضًا من أطلق الرصاص على شخص، ومن شنق شخصًا، ومن تعمد إلقاء شخص في الماء، ومن تعمَّد حبس شخص ومنعه من الطعام والشراب حتى مات، أو سقاه سُمًّا، أو صنع له سحرًا ليؤذيه، أو رماه بحجر كبير، ونحو ذلك من الصور المستحدثة؛ كالقتل في غرفة الغاز، والقتل بالكهرباء، ويدخل فيها أيضًا حوادث التفجير، ونحو ذلك، فكل هذا يدخل في صورة القتل المتعمد؛ فيكون فاعله قاتلًا متعمدًا؛ يدخل في عقوبة الآية القرآنية التي قال الله فيها: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93]، والله أعلم.

 

كان يتمنى أنه لم يُولَد:

أسامة بن زيد رضي الله عنه كان يتمنى أنه لم يُولَد إلا بعد هذه الغزوة؛ لأنه قتل نفسًا مؤمنة بغير حق؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد عندما قتل رجلًا في معركة: «لِمَ قتلته» ؟ قال: يا رسول الله، أوجَعَ في المسلمين، وقتل فلانًا وفلانًا، وسمَّى له نفرًا، وإني حملت عليه، فلما رأى السيف، قال: لا إله إلا الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أقتلته» ؟ قال: نعم، قال: «فكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة» ؟ قال: يا رسول الله، استغفر لي، قال: «وكيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة» ؟ قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة).

 

فقتْلُ النفس المؤمنة جُرم كبير، وقد جاءت فيه نصوص الوعيد المتكاثرة غاية الكثرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

الإسلام يمنع كل سبب يؤدي إلى القتل:

الإسلام أغلق كل الأسباب الموصلة إلى قتل المسلم بغير حق، وهذه بعض أحاديث حبيبنا وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يحل لمسلم أن يروِّع مسلمًا»؛ [صحيح الجامع (7658)].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يمشين أو لا يشير أحدكم إلى أخيه بالسلاح؛ فإنه لا يدري أحدكم لعل الشيطان ينزع في يده، فيقع في حفرة من نار»؛ (البخاري (7072)، ومسلم (2617).

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أشار على أخيه بحديدة، لعنته الملائكة، وإن كان أخاه لأبيه وأمه»؛ (مسلم (2616).

 

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه نهى عن أن يُتعاطَى السيف مسلولً» ا)؛ (صحيح الجامع (6819).

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حمل علينا السلاح، فليس منا» [البخاري (7071)، ومسلم (163 - 100)].

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح، فهما على جرف جهنم، فإذا قتل أحدهما صاحبه، دخلا جميعًا»؛ (مسلم (2888).

 

لفظ البخاري: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما؛ فالقاتل والمقتول في النار، قلت: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصًا على قتل صاحبه»؛ (البخاري (31).

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مَرَّ أحدكم في مسجدنا، أو في سوقنا، ومعه نبل، فليُمْسِك على نصالها، أو قال: فليقبض بكفه أن تصيب أحدًا من المسلمين»؛ (البخاري (7075)، ومسلم (2615).

 

وعن جابر رضي الله عنه: ((أن رجلًا مَرَّ في المسجد بأسْهُمٍ قد أبدى نصولها، فأُمِرَ أن يأخذ بنصولها؛ لا يخدش مسلمًا)؛ (البخاري (7074)، ومسلم (2614).

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل ذنب عسى الله أن يغفره، إلا الرجل يموت كافرًا، أو الرجل يقتل مؤمنًا متعمدًا»؛ (حديث صحيح: صحيح الجامع (4524).

 

وعن أبي بكرة، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إ «ن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألَا فليبلغ الشاهد الغائب...»؛ (البخاري (67)، ومسلم (1679).

 

وعن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((قال رجل: أوصني يا رسول الله، قال: «لا تغضب» ، قال الرجل: ففكرت حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فإذا الغضب يجمع الشر كله)؛ (رواه أحمد في مسنده (23171)، وغيره بإسناده صحيح، وأصل الحديث في البخاري (6116).

 

قال أبو حاتم رضي الله عنه: "قوله صلى الله عليه وسلم: «لا تغضب» أراد به ألَّا تعمل عملًا بعد الغضب مما نهيتك عنه، لا أنه نهاه عن الغضب؛ إذ الغضب شيء جِبْلَةٌ في الإنسان، ومحال أن يُنهى المرء عن جبلته التي خُلِق عليها، بل وقع النهي في هذا الخبر عما يتولد من الغضب مما ذكرناه"؛ (صحيح ابن حبان (12/ 504).

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الظلم ظلمات يوم القيامة، وإياكم والفحشَ؛ فإن الله لا يحب الفحش، ولا التفحُّش، وإياكم والشحَّ؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ أمرهم بالقطيعة، فقطعوا، وأمرهم بالبخل، فبخِلوا، وأمرهم بالفجور، ففجروا»؛ (صحيح، الصحيحة (858).

 

وفي رواية قال: «واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم؛ حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم»؛ (مسلم (2578).

 

وقال الحسن: "... والله ما وُعِظت أمة بمثل ما وُعِظت هذه الأمة، وما لقِيَتْ أمة من الشح ما لقيت هذه الأمة، حتى إن أحدهم ليكسر عظم أخيه عظمًا عظمًا، هاتِ درهمًا، هاتِ درهمًا، وهذا عاضٌّ عليه، وهذا مُلِحٌّ عليه"؛ (الزهد والرقائق، لابن المبارك، (230).

 

الحساب على الدماء أولًا يوم القيامة:

عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أول ما يُقْضَى بين الناس يوم القيامة في الدماء»؛ [البخاري (6533)، ومسلم (1678)، واللفظ له].

 

ففي الحديث دليل على عِظَمِ شأن دم الإنسان؛ فإنه لا يُقدَّم في القضاء إلا الأهم.

 

القِصاص يوم القيامة حتى بيـن الحيوانات:

يوم القيامة سيُقتَصُّ من الحيوانات غير الْمُكلَّفة؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى شاتين تنتطحان فقال لأبي ذر: «يا أبا ذر، أتدري لماذا تنتطحان» ؟ قال: لا أدري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الله يدري وسيقضي بينهما» (رواه أحمد في مسنده (21438 - قال الشيخ الألباني في الصحيحة 4/ 117، وهذا إسناد صحيح).

 

وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لَتُؤدَّنَّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة، حتى تُقاد الشاة الجَلْحاء من الشاة القرناء»؛ (مسلم (2582).

 

وعن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله سيقتص للشاة الجلحاء - [يعني: التي ليس لها قرون] - من الشاة القرناء، ثم يقول للبهائم: كوني ترابًا؛ هنالك: {وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا} [النبأ: 40]؛ (وهذا الحديث رُويَ مرفوعًا، ورُوي موقوفًا؛ انظر: السلسلة الصحيحة للألباني، (رقم: 1966).

قلت: فالقصاص سيكون بين الوحوش.

 

وليعلم الذين يعيثون في الأرض فسادًا، ويسومون أهل الإسلام سوء العذاب، أن المؤمن الموحِّد لله سبحانه أفضل وأشرف عند الله من الكعبة؛ فقد جاء عن ابن عباس أنه كان يطوف بالكعبة ويقول: "أنتِ الكعبة شرَّفكِ الله وعظَّمكِ، وحرَّمكِ، وعظمة دم المرء المسلم عند الله أشرف منكِ وأعظم منكِ"، وليس في الكتاب ولا في السنة أمرٌ بقتال الطائفة الباغية ابتداءً؛ فإن الله تعالى قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9]، ولم يقل: فاقتلوا أحدهما، أو ما إلى ذلك، وإنما قال: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9]، فليس في القرآن تشريع لقتال الطائفة الباغية ابتداءً، وإنما يُشرَع قتالها إذا نكثت بعد الصلح، والأصل حرمة الدماء وحرمة القتال بين المسلمين.

 

حكم الإكراه على القتل:

أما الإكراه على القتل، فلو أُكْرِهَ إنسان على أن يقتل آخرَ، وإلا أُخِذ ماله، فقتله مكرهًا، فبإجماع المسلمين أنه لا يُعذَر، وإذا كان الإكراه بالضرب فقتل، فبإجماع المسلمين أنه لا يُعذَر، فالعاقل يتحمل المسؤولية؛ لأن له أهلية السؤال والمسألة، ومن العلماء من يقول: الْمُكْرَه والْمُكْرِه كلاهما يقتل؛ لأنهما اشتركا في القتل، فيجب القصاص عليهما؛ لأنهما بمنزلة الشريكين في الجريمة.

 

قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله: "انعقد الإجماع على أن المكره على القتل مأمور باجتناب القتل، والدفع عن نفسه، وأنه يأثم إن قتل من أُكْرِهَ على قتله"؛ (فتح الباري شرح صحيح البخاري، لابن حجر، (12/ 312).

 

وقال الإمام القرطبي رحمه الله: "أجمع العلماء على أن من أُكْرِهَ على قتل غيره أنه لا يجوز له الإقدام على قتله، ولا انتهاك حرمته بجلد أو غيره، ويصبر على البلاء الذي نزل به، ولا يحل له أن يفديَ نفسه بغيره، ويسأل الله العافية في الدنيا والآخرة"؛ (تفسير القرطبي (10/ 183).

 

فالإكراه على القتل المحرَّم لا يبيحه الإسلام، ويجب القصاص في الأظهر، بل يأثم بالاتفاق إذا قتل ولا يُعذَر فيه بالإكراه؛ لأن قتل المسلم مما لا يُستباح، ولا يجوز لا لضرورة ولا بالإكراه؛ (انظر: روضة الطالبين للنووي (9/ 142).

 

فالحذر الحذر من قتـل إنسان أو تعذيبه بأي نوع من أنواع العذاب بغير حق.

 

وهذا الكلام المهم للعلماء يبين خطورة وفساد قول بعض الناس: أنا عبدُالمأمور، وأنا أنفذ الأوامر فقط، أو هذا منهجنا وطريق جماعتنا، فانتبه يا عاقل، فلن ينفعك أحد عند الله تعالى عندما تُعرَض على النار، والعياذ بالله.

 

النفوس التي يحرم قتلها:

والنفوس المحرمة أربعة أنفس؛ هي: نفس المؤمن، والذِّمِّي، والمعاهَد، والمستأمَن (وهو طالب الأمان).

 

فالمؤمن لإيمانه، والذمي لذمته، والمعاهد لعهده، والمستأمن لتأمينه؛ فهذه الأنفس الأربع قتلها حرام، وأعظمها النفس المؤمنة.

 

ماذا نستفيد مما قرأناه؟

• أن قتل أي إنسان بغير حق جريمة عظيمة، وأن قتل المسلم من أكبر الكبائر المهلكة، وتعظيم حرمة المسلم عند الله، وأن أول ما يُقضَى فيه بين الناس يوم القيامة هي الدماء لعِظَمِ الذنب فيها.

 

• أن من دفع أموالًا لمن يقتل، ومن أخذ المال ليقتل، ومن حرَّض على القتل ولو بنصف كلمة، أو بإعطاء أي سلاح للقاتل، ومن أعطى أوامر بالقتل، ومن قتل غيره تحت التهديد، كل هؤلاء قتلة، كلهم شركاء في القتل وكلهم مجرمون.

 

أن من أسباب انتشار القتل والجرأة على سفك الدماء:

ضعف الإيمان بالله واليوم الآخر، وعدم الخوف من الله سبحانه وعقابه، وقسوة القلب، والجهل بعواقب الأمور وما أعده الله لكل قاتل أو متسبب في القتل بكل أنواعه، والبدعة في أمور الدين، والاستجابة لشياطين الإنس والجن ممن يحرضون على السخرية والكراهية، والقتل والفوضى في الإعلام، والكبر والغرور، والغضب، والنميمة، والتنافس على الدنيا، وحب الشهرة والرياسة، وكثرة المزاح وتشويه صورة وسمعة الآخرين، والحسد والحرص على الدنيا، والتهاون في سفك الدماء، وكذا عدم وجود قوانين وعقوبات رادعة لكل فاسد؛ لذلك اهتمت الشريعة الإسلامية بهذا الجانب من التشريع لحفظ المجتمع من الفوضى والفساد، وكذا خلع الأئمة والحكام وخصوصًا الإمام العادل الذي يجب على الأمة مناصرته؛ لأن في خلعه مفاسد عظيمة؛ منها: تفريق كلمة وجماعة المسلمين، وسفك الدماء بالتقاتل، وتسلط العدو وفرحه بما يحدث للمسلمين، وهناك أسباب أخرى غير هذه.

 

علاج جريمة القتل وانقسام المجتمعات:

وعلاج هذه الجريمة العظيمة أيها الأحباب العقلاء الشرفاء، أن يعلم المسلم أنه مطالَب بتزكية نفسه، والبعد عن الغل والحقد والحسد، ومما يعينك على سلامة الصدر الإخلاص، والدعاء، ورضا العبد عن ربه وامتلاء قلبه به، وقراءة القرآن وتدبره، وتذكُّر الحساب والعقاب، والصدقة، وإفشاء السلام، وترك كثرة السؤال، وتتبع أحوال الناس، وترك البدع وهجرها وأصحابها، ومحبة الخير للمسلمين، وعدم السماع للغيبة والنميمة حتى يبقى قلب الإنسان سليمًا، نسأل الله أن يجعل قلوبنا سليمة لا تحمل حقدًا ولا غلًّا على المسلمين، اللهم آمين.

 

والله أعلم.

 

أسأل الله أن يجعله لوجهه خالصًا، وينفع به كاتبه وقارئه، إنه سميع الدعاء وأهل الرجاء، وهو حسبنا ونعم الوكيل، وصلى الله علي سيدنا محمد وعلى جميع آله وصحبه وسلم.