هَمَسات .. في كلمات ... (21)

سالم محمد

من أكثر ما يزعج كهنة العلمانية والذين في قلوبهم مرض حلقات تعليم القرآن الكريم، لذا فإنها ممنوعة في بعض مجتمعات المسلمين التي للعلمانية فيها يد طولى

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

لا زلنا بفضل الله وتوفيقه في سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) وقد وصلت هذه الباقات إلى الباقة الحادية والعشرين:

الديمقراطية تشبه السائل الذي يأخذ شكله من الوعاء الذي توضع فيه، ويختلط بالمادة الموجودة فيها، فهي تسمح لك بأي جريمة أو ظلم أو شرك أو خرافة، بما في ذلك الزنا ولو بالمحارم كالأم والبنت والأخت، وأيضا الخيانة الزوجية وسبّ الأنبياء، بل والتطاول على الخالق جل وعلا، وحتى إنكار وجوده أصلا، كل ذلك ممكن وديمقراطي؛ أهم شيء يمر عبر صندوق الاقتراع، أو عبر التصويت في البرلمان، ولك أن تتخيل أن أكابر مجرمي الأرض اليوم وفي القرن الماضي ارتكبوا أفظع الجرائم، ونهبوا خيرات الشعوب وامتصوا دمائها، وساموا أهلها سوء العذاب، حتى أنهم أرغموا أهل بعض البلاد على ترك لغتهم الأم واعتبار تعلمها جريمة، كل ذلك وغيره كثير جاء عن طريق أنظمة ديمقراطية تمثل إرادة الشعب كما يزعمون، بل إن النازية وصلت إلى الحكم بطريقة ديمقراطية، ثم ارتكبت عظائم الأمور ووصلوا إلى درجة مقززة من العنصرية وإبادة الأعراق التي يعتقدون أنها أدنى منهم، وتبنوا خرافة دارون ونظرية التطور، وصدق الل {ه (فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)} .

---------------

للعقل في الإسلام منزلة عظيمة، ومن نظر في القرآن وجد التنبيه لذلك بكثرة كـ قوله تعالى: (أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ)، (أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ) وغيرها كثير، وأعظم ما جاء في القرآن تعظيم الله وتوحيده والتحذير من الشرك به سبحانه، ومن الحجج المقررة لهذان الأصلان التلازم العقلي، فمن أقرَّ بأنْ لا خالق إلا الله، عليه أن يقر بأنه لا يستحق العبادة سواه، ومن أقر بأن الله مالك الملك؛ فليزمه الإقرار بأن له الحُكْم وحده، فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، والذين يقدمون مخلوق على الخالق سبحانه سواء في العبادة أو الطاعة أو الحكْم، هؤلاء من أسفه الناس عقولًا، وأضلهم تفكيرًا، وقد داسوا على عقولهم بأقدامهم، فالواجب على الناس جميعًا تعظيم الخالق الحكيم العليم، خالق الإنسان، وعقله وتفكيره، ولا يُقدَّم مخلوق على الخالق مهما كان، وتحت أي مبرر، سواء أكان المخلوق  شعبًا، أو وطنًا أو برلمانًا، أو صندوق اقتراع، أو قانون دولي، أو معاهدات ظالمة.

---------------

من أكثر ما يزعج كهنة العلمانية والذين في قلوبهم مرض حلقات تعليم القرآن الكريم، لذا فإنها ممنوعة في بعض مجتمعات المسلمين التي للعلمانية فيها يد طُولى، ويزيد الاشمئزاز إذا كان روَّاد هذه الحِلَق المباركة من صغار السن، ولذا فإن هذه الفئة الضالة المضلة كثيرا ما تربط كذبا وزورا بين تعلُّم القرآن والتطرف والعنف وما يسمونه (الإرهاب)، فيقولون تصريحا أو تلميحا أن هذه المحاضن القرآنية تفرِّخ للإرهاب والتطرف حسب ما يزعمون، فينادون بإغلاقها أو تحجيمها، ويتباكون على الصغار والشباب الذين يرتادون هذه الرياض المباركة، ويقسُون ويسخرون من الآباء الذين يدفعون بفلذات أكبادهم إلى تلك المنابع الخيِّرة،  وميزة هذه الفئة الشريرة التناقض، فأينما وجدوا فالتناقض حاضر وبقوة، وتجدهم مثلا يعمَون أو يتعامون عن مظاهر زرع العنف الموجودة في ألعاب الصغار، أو ما يقدم للشباب من أفلام تشرح الجريمة وتجعل المجرمين واللصوص أبطالا يدوِّخون الشرطة والجيش المدجج بالسلاح، وفي بعض الألعاب يكون البطل فيها مجرم وحرامي، ويقتُل ويدمر ويأخذ سيارات الناس بالقوة بعد أن يرديهم أرضًا، أو يقتلهم، والطفل يمثِّل ذلك المجرم ويحصد النقاط والتقدم في اللعبة كلما ازداد تدميرا وقتلا وسرقة للآخرين، وصدق الله حين وصف أمثال هؤلاء بقوله {(وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ  *  أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ)}

---------------

في زماننا هذا تكثر الأحداث، حتى ما يكاد المتابع يدركها، ومن فترة لأخرى تظهر نازلة، وتستمر ثم تظهر أخرى، تجعل الناس ينسون أو يتناسون الحادثة السابقة، وهكذا دواليك، فالأحداث والمتغيرات التي تكون في عشر سنين ربما يحتاج في الماضي إلى عشرات السنين، وما يستفظعه الناس من جرائم في الماضي، أضحت في هذا الزمان روتين يومي، لا تكاد تخلو منه الأخبار، بل العجيب عدم سماع مثل تلك الجرائم، صحيح أن العالم أصبح كالمائدة يمد إليها الآكل يده إلى أي جهة منها، ولكن الفتن في ازدياد، والجرائم في ارتفاع ومن أعظم أسباب ذلك تنحية شرع الله من أن يحكم في الناس، بل إن كثيرًا من الدول تفتخر بكونها دولة غير دينية، أو تضع الدين مادة شكلية في الدستور أما الواقع فعبادة للأهواء وبيع الدنيا بالآخرة (بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) فعلى سبيل المثال زعم كهنة العلمانية أن فتح باب العلاقة بين الشباب والبنات يحل مشكلة الاغتصاب كون كل ممنوع مرغوب، ولكن الواقع جاء بعكس ذلك تمامًا، فما ازداد التحرش بل والاغتصاب إلا شيوعًا، واصبح كثير من النساء في هذه المجتمعات الآسنة تحاول التأقلم مع التحرش يوميا كأنه قهوة الصباح، وتعتبر نفسها محظوظة إذا لم تتعرض للاغتصاب، لأن حالات الاغتصاب عددها هائل وتزداد من عام لآخر، مع وجود الحكومات القوية التي تنفق المليارات على الأمن وتزرع ملايين الكاميرات في كثير من الأماكن، وتستخدم أحدث التقنية لمحاربة الجريمة، ولكنهم ينفخون في قِرْبة مثقوبة، فالتحرش يزيد ولم يترك مكان عندهم إلا دخله حتى في المدارس، وبين المحارم.

---------------

أهل الباطل لا يكلون ولا يملون من نشر باطلهم ومحاربة الحق وأهله، وذلك على مستوى الشهوات، والشبهات والثاني هو الأخطر، لكن مما يقصم ظهور تلك الشبهات التي يثيرونها أن نقول لهم أن الله قال عن الوحي { (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ)} كما أن من صفات هذا الوحي أنه (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) فما تنقمونه على الشريعة في أي قضية هل تستطيعون أن تثبتوا أن حكمكم الوضعي أفضل مما جاء عن الله ولو في مسألة واحدة، ووالله وبالله وتالله لو اجتمع أهل المناهج الوضعية المخالفة للوحي الرباني أن يأتوا بقضية واحدة فقط تفوَّق فيها الوضع البشري على الوحي الإلهي لعجزوا {(وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا)} فالحمد لله على أن جعل الباطل لجلج والحق أبلج، وجعل جزاء المتبعين للحق { (فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)} ، وجعل الدنيا دار بلاء والآخرة دار جزاء.

-----------------------------------------------

والحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وإلى اللقاء في الحلقة الثانية والعشرين بمشيئة الله.