آداب زيارة المسجد النبوي

ياسر عبد التواب

  • التصنيفات: ملفات الحج وعيد الأضحي -

 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فزيارة المسجد النبوي وشد الرحال إليه أمر مستحب لا خلاف في ذلك البتة، فهو من القُربات التي انعقد الإجماع على استحبابها؛ كيف لا وهو حرم رسول الله، ودار هجرته ومهبط وحيه؟!

وفي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»؛ وفي رواية لمسلم: «إِنَّمَا يُسَافَرُ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ إِيلِيَاءَ» -ومسجد إيلياء هو: المسجد الأقصى-، وعند ابن حبان بلفظ: «إنما الرحلة إلى ثلاثة مساجد...»؛ وللشيخين من حديث أبي سعيد مرفوعًا: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى»، ورواية مسلم: «لا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى»، ورواه أحمد: «إِنَّمَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِ إِبْرَاهِيمَ، وَمَسْجِدِ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ».

قال ابن حجر -رحمه الله-: "والرحال بالمهملة جمع رحل؛ وهو للبعير كالسرج للفرس، وكنى بشد الرحال عن السفر؛ لأنه لازمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر، وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير والمشي في المعنى المذكور. ويدل عليه قوله في بعض الروايات: «إِنَّمَا يُسَافَرُ»".

قلت: ويدخل فيها وسائل المواصلات الحديثة من: سيارات، وطائرات، وغيرها... وهذه أدلة صحيحة صريحة في أن الرحال لا تُشد إلا إلى هذه المساجد التي سمَّى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا فهم الصحابة -رضي الله عنهم-، فعند مالك وأحمد والنسائي وابن حبان -بسند صحيح-: لَقِيَ أَبُو بَصْرَةَ الْغِفَارِيُّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَهُوَ جَاءٍ مِنَ الطُّورِ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ؟ قَالَ: مِنَ الطُّورِ صَلَّيْتُ فِيهِ؛ قَالَ: أَمَا لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَرْحَلَ إِلَيْهِ مَا رَحَلْتَ! إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى».

وعند ابن أبي شيبة عن قزعة قال: "سألت ابن عمر -رضي الله عنهما- آتي الطور؟ قال: دع الطور ولا تأتيها؛ وقال: لا تشدوا الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد".
ورواه عبد الرزاق عن عرفجة قال: "قلت لابن عمر -رضي الله عنهما-: إني أريد أن آتي الطور! قال: إنما تشد الرحال إلى ثلاثة مساجد: مسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد الرسول، ودع عنك الطور فلا تأته".

والمعنى -والله أعلم-: لا تشد الرحال إلى مكان للعبادة إلا ما ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم، فيخرج من ذلك سفر التجارة ونحوه مما هو مباح.

فقد تبيَّن من هذه الأحاديث أن شد الرحال إنما يكون إلى المساجد الثلاثة، وعليه فإذا أراد المسلم زيارة مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعليه أن ينوي زيارة المسجد النبوي، ويكون قصده شد الرحال إليه.

الآداب المتعلقة بزيارة مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-:

ينبغي للمسلم أن يستشعر عظمة منة الله عليه في توفيقه لزيارة المسجد النبوي، ويستحضر في قلبه شرف المدينة وأنها أفضل البقاع بعد مكة؛ وهناك آداب تتعلق بهذه العبادة نوجزها في الآتي:

1- معرفة فضل مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

هي مدينة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودار هجرته ومثواه بعد موته -صلى الله عليه وسلم-، بها قامت دولة الإسلام وانتشر منها نور الهداية إلى جميع بقاع الأرض، وهي أفضل البقاع بعد مكة عند الجمهور، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضلها ما يلي:

- من يصبر على شدتها كان النبي -صلى الله عليه وسلم- له شفيعًا أو شهيدًا: فقد روى مالك ومسلم عَنْ يُحَنَّسَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- فِي الْفِتْنَةِ فَأَتَتْهُ مَوْلاةٌ لَهُ تُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَقَالَتْ: إِنِّي أَرَدْتُ الْخُرُوجَ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ! اشْتَدَّ عَلَيْنَا الزَّمَانُ، فَقَالَ لَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: اقْعُدِي لُكَعُ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لا يَصْبِرُ عَلَى لأْوَائِهَا وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وروى أحمد ومسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ جَاءَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَيَالِيَ الْحَرَّةِ فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجَلاءِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ، وَأَخْبَرَهُ أَنْ لا صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلأْوَائِهَا، فَقَالَ لَهُ: وَيْحَكَ لا آمُرُكَ بِذَلِكَ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِهَا فَيَمُوتَ إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا».

وعند مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «لا يَصْبِرُ عَلَى لأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ مِنْ أُمَّتِي إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَوْ شَهِيدًا»، ورواه أحمد عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ -رضي الله عنها- أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «لا يَصْبِرُ عَلَى لأْوَاءِ الْمَدِينَةِ وَشِدَّتِهَا أَحَدٌ إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

- دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- للمدينة: ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ وَهِيَ وَبِيئَةٌ فَاشْتَكَى أَبُو بَكْرٍ وَاشْتَكَى بِلالٌ، فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- شَكْوَى أَصْحَابِهِ قَالَ: «اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ كَمَا حَبَّبْتَ مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَحَوِّلْ حُمَّاهَا إِلَى الْجُحْفَةِ».

- الْمَدِينَةِ تَنْفِي شِرَارَهَا: ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَدْعُو الرَّجُلُ ابْنَ عَمِّهِ وَقَرِيبَهُ: هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ، هَلُمَّ إِلَى الرَّخَاءِ؛ وَالْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لا يَخْرُجُ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أَخْلَفَ اللَّهُ فِيهَا خَيْرًا مِنْهُ، أَلا إِنَّ الْمَدِينَةَ كَالْكِيرِ تُخْرِجُ الْخَبِيثَ، لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَنْفِيَ الْمَدِينَةُ شِرَارَهَا كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ».

- صِيَانَةِ الْمَدِينَةِ مِنْ دُخُولِ الطَّاعُونِ وَالدَّجَّالِ إِلَيْهَا: ففي الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلائِكَةٌ لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ».

- مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ -عز وجل-: ففي الصحيحين عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ الْمَدِينةِ بِسُوءٍ أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ»، ولفظ البخاري: «لا يَكِيدُ أَهْلَ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ إِلا انْمَاعَ كَمَا يَنْمَاعُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ». وعند مسلم عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ أَرَادَ أَهْلَ هَذِهِ الْبَلْدَةِ بِسُوءٍ -يَعْنِي الْمَدِينَةَ- أَذَابَهُ اللَّهُ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ».

- شفاعة النبي -صلى الله عليه وسلم- لمن يموت بالمدينة: روى أحمد والترمذي وابن ماجة وابن حبان عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنه- بسند صحيح أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَمُوتَ بِالْمَدِينَةِ فَلْيَمُتْ بِهَا فَإِنِّي أَشْفَعُ لِمَنْ يَمُوتُ بِهَا»؛ ولذلك دعا عمر -رضي الله عنه- ربه أن يجعل موته بالمدينة، فروى البخاري عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه- قَالَ: "اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً فِي سَبِيلِكَ وَاجْعَلْ مَوْتِي فِي بَلَدِ رَسُولِكَ -صلى الله عليه وسلم-".

2- معرفة حرمة المدينة ورعاية ذلك:

المدينة لها حرمة كحرمة مكة، ولم يثبت لغيرهما ذلك، فقد روى مسلم عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا، لا يُقْطَعُ عِضَاهُهَا، وَلا يُصَادُ صَيْدُهَا».

وروى مسلم أيضًا عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيِ الْمَدِينَةِ أَنْ يُقْطَعَ عِضَاهُهَا أَوْ يُقْتَلَ صَيْدُهَا. وَقَالَ: الْمَدِينَةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ لا يَدَعُهَا أَحَدٌ رَغْبَةً عَنْهَا إِلا أَبْدَلَ اللَّهُ فِيهَا مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ وَلا يَثْبُتُ أَحَدٌ عَلَى لأْوَائِهَا وَجَهْدِهَا إِلا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ».

وفي الصحيحين عن عَاصِمِ الأَحْوَلُ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مِنْ كَذَا إِلَى كَذَا، لا يُقْطَعُ شَجَرُهَا، وَلا يُحْدَثُ فِيهَا حَدَثٌ، مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»، ولفظ مسلم عن عَاصِمٍ قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَحَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ مَا بَيْنَ كَذَا إِلَى كَذَا فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا -قَالَ-: ثُمَّ قَالَ لِي: هَذِهِ شَدِيدَةٌ «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا وَلا عَدْلاً».

وعند مسلم عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ أَصَابَهُمْ بِالْمَدِينَةِ جَهْدٌ وَشِدَّةٌ وَأَنَّهُ أَتَى أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَقَالَ لَهُ: إِنِّي كَثِيرُ الْعِيَالِ وَقَدْ أَصَابَتْنَا شِدَّةٌ فَأَرَدْتُ أَنْ أَنْقُلَ عِيَالِي إِلَى بَعْضِ الرِّيفِ؛ فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: لا تَفْعَلِ الْزَمِ الْمَدِينَةَ، فَإِنَّا خَرَجْنَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَظُنُّ أَنَّهُ قَالَ حَتَّى قَدِمْنَا عُسْفَانَ فَأَقَامَ بِهَا لَيَالِيَ فَقَالَ النَّاسُ: وَاللَّهِ مَا نَحْنُ هَا هُنَا فِي شَيْءٍ وَإِنَّ عِيَالَنَا لَخُلُوفٌ مَا نَأْمَنُ عَلَيْهِمْ! فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: «مَا هَذَا الَّذِي بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِكُمْ؟! وَالَّذِي أَحْلِفُ بِهِ لآمُرَنَّ بِنَاقَتِي تُرْحَلُ ثُمَّ لا أَحُلُّ لَهَا عُقْدَةً حَتَّى أَقْدَمَ الْمَدِينَةَ» وَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَجَعَلَهَا حَرَمًا وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَةَ حَرَامًا مَا بَيْنَ مَأْزِمَيْهَا: أَنْ لا يُهْرَاقَ فِيهَا دَمٌ، وَلَا يُحْمَلَ فِيهَا سِلاحٌ لِقِتَالٍ، وَلا تُخْبَطَ فِيهَا شَجَرَةٌ إِلا لِعَلْفٍ، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَعَ الْبَرَكَةِ بَرَكَتَيْنِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنَ الْمَدِينَةِ شِعْبٌ وَلا نَقْبٌ إِلا عَلَيْهِ مَلَكَانِ يَحْرُسَانِهَا حَتَّى تَقْدَمُوا إِلَيْهَا...».

وعند مسلم عَنْ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ -رضي الله عنه- قَالَ: أَهْوَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ: «إِنَّهَا حَرَمٌ آمِنٌ»، وعنده عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَإِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا» يُرِيدُ الْمَدِينَةَ.

فلابد من رعاية حرمة المدينة؛ فمن أقام بها فلا يقطع شجرها، ولا يصيد صيدها، وليحفظ حرمتها، وليحذر من إرادة إيذاء أهلها، وليصرف وقته وجوارحه في اقتناص مدة وجوده هناك فيزيد جهده واجتهاده في طاعة الله -تعالى-؛ ليحوز فضل العبادة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

3- آداب دخول المسجد:

- إذا انتهى الزائر إلى مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سن له أن يقدم رجله اليمنى وأن يقول: "أَعُوذُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ وَسُلْطَانِهِ الْقَدِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". ثم يقول: "بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك". وهذا الذكر مسنون عند دخول سائر المساجد.

- ثم ليصلِ تحية المسجد، والأفضل أن تكون في الروضة؛ لما في الصحيحين عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْمَازِنيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ»، وفيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ، وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي»؛ فإن لم يتيسر له ذلك لشدة الزحام ليكن في أي مكان من المسجد، وقد ذهب كثير من أهل العلم إلى أن حكم الزيادة تأخذ حكم الأصل، فالمسجد الآن بزياداته هو مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وله فضله وفضل العبادة فيه، والعلم عند الله -تعالى-؛ لقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: زاد عمر بن الخطاب في المسجد، أي مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: -أي عمر-: لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة كان مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ والعلم عند الله -تعالى-.

- ليحرص على أن يصلي الصلوات كلها في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لما في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»، ورواه مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ». وعند مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: إِنَّ امْرَأَةً اشْتَكَتْ شَكْوَى فَقَالَتْ: إِنْ شَفَانِي اللَّهُ لأَخْرُجَنَّ فَلأُصَلِّيَنَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَبَرَأَتْ ثُمَّ تَجَهَّزَتْ تُرِيدُ الْخُرُوجَ، فَجَاءَتْ مَيْمُونَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- تُسَلِّمُ عَلَيْهَا فَأَخْبَرَتْهَا ذَلِكَ، فَقَالَتِ: اجْلِسِي فَكُلِي مَا صَنَعْتِ، وَصَلِّي فِي مَسْجِدِ الرَّسُولِ -صلى الله عليه وسلم- فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: «صَلاةٌ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلا مَسْجِدَ الْكَعْبَةِ».

ورواه أحمد عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ»، ورواه أيضًا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ مِنَ الْمَسَاجِدِ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلاةٍ فِي هَذَا»، ورواه أحمد وابن ماجة عَنْ جَابِرِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ، وَصَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ».

- ويلزمه أن يتأدب في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا يرفع صوته إلا بقدر ما يسمع نفسه أو يسمع من أراد أن يخاطبه، ففي صحيح البخاري عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ فَحَصَبَنِي رَجُلٌ فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ؛ فَجِئْتُهُ بِهِمَا قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا؟ أَوْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا؟ قَالا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ، قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لأَوْجَعْتُكُمَا! تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-.

- فإذا أراد أن يخرج من المسجد استحب له أن يزور قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويسلم عليه وعلى صاحبيه، فيأتي القبر الشريف مستقبلاً له ومستدبرًا القبلة؛ فيسلم على النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم يتنحى نحو ذراع من الجهة اليمنى فيسلم على أبي بكر -رضي الله عنه-، ثم يتنحى يمينا نحو ذراع أيضًا فيسلم على عمر -رضي الله عنه-، فقد روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة عن نافع -رحمه الله- قال: كان ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا قدم من سفر أتى قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "السلام عليك يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، السلام عليك يا أبا بكر؛ السلام عليك يا أبتاه".

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "وإذا قال في سلامه: السلام عليك يا رسول الله، يا نبي الله، يا خيرة الله من خلقه، يا أكرم الخلق على ربه، يا إمام المتقين؛ فهذا كله من صفاته بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-؛ وكذلك إذا صلى عليه مع السلام عليه فهذا مما أمر الله به".

- وليس من السنة أن يمس الجدار ويقبله؛ قال ابن الصلاح -رحمه الله-: "وليس من السنة أن يمس الجدار ويقبله؛ بل الوقوف من بعد أقرب إلى الاحترام" اهـ.

وقال الإمام النووي -رحمه الله-: "ويكره مسحه باليد وتقبيله، بل الأدب أن يبعد عنه كما يبعد منه لو حضر في حياته -صلى الله عليه وسلم-، هذا هو الصواب وهو الذي قاله العلماء وأطبقوا عليه، وينبغي ألا يغتر بكثير من العوام في مخالفتهم ذلك".

- لا تقف واضعًا يدك اليمنى على اليسرى عند القبر كهيئة المصلي، فهي هيئة ذل وخضوع لا تكون إلا لله -عز وجل-.

- لا ينبغي إطالة الوقوف عند قبره -صلى الله عليه وسلم- حتى تدع مجالاً لإخوانك المسلمين.

- ينبغي الإكثار من الصلاة والسلام على الرسول -صلى الله عليه وسلم-.

- فإذا أردت الدعاء فتوجه إلى القبلة وادع؛ فعند ابن أبي شيبة عن علي بن حسين -بسند حسن- أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيدخل فيها فيدعو، فدعاه فقال: ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا، وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم»، ورواه أبو يعلى بقصته بلفظ: «لا تتخذوا قبري عيدًا ولا بيوتكم قبورًا، فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم»، وهذا يقتضي أنه لا مزية للسلام عليه عند بيته كما لا مزية للصلاة عليه عند بيته، وحديث الصلاة مشهور في سنن أبي داود وغيره عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا، وَلا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا، وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ» (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

قال ابن تيمية -رحمه الله-: "يشير بذلك -صلى الله عليه وسلم- إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدًا؛ والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تعرض عليه كثيرة".

- وقد ورد في فضل صلاة أربعين صلاة في مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما قد رويَ في مسند الإمام أحمد عن أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ صَلَّى فِي مَسْجِدِي أَرْبَعِينَ صَلاةً لا يَفُوتُهُ صَلاةٌ كُتِبَتْ لَهُ بَرَاءَةٌ مِنْ النَّارِ وَنَجَاةٌ مِنْ الْعَذَابِ وَبَرِئَ مِنْ النِّفَاقِ».

آداب أخرى لمن أقام بالمدينة:

- يستحب زيارة قبور البقيع، وقبر عثمان -رضي الله عنه-، وشهداء أحد، وقبر حمزة -رضي الله عنه-؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يزورهم ويدعو لهم.

- يستحب زيارة مسجد قباء متطهرًا ويصلي فيه؛ ففي الصحيحين عَنْ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهمَا - قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَأْتِي مَسْجِدَ قُبَاءٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا فَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ".

وعن سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ تَطَهَّرَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ أَتَى مَسْجِدَ قُبَاءَ فَصَلَّى فِيهِ صَلاةً كَانَ لَهُ كَأَجْرِ عُمْرَةٍ» (رواه أحمد والنسائي وابن ماجة واللفظ له، وصححه الألباني). ولا ينافي هذا خبر: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ»؛ لأن بين قباء والمدينة ثلاثة أميال، وما قرب من المصر ليس في الذهاب إليه شد رحل.

هل لزيارة المسجد النبوي وزيارة القبر تعلق بمناسك الحج والعمرة؟

زيارة المسجد النبوي مستحبة في أي وقت، ومشروعة قبل الحج وبعده ولا تعلق لها بمناسك الحج والعمرة؛ فهي عبادة مستقلة، خلاف ما يعتقد كثير من العامة من أنه لابد منها في الحج والعمرة، بل ويعتقد بعضهم أنه إذا لم يزر مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو قبره فهو لم يحج ولم يعتمر وهذا باطل، فليست الزيارة ركنًا ولا شرطًا في الحج أو العمرة، ولكن إذا وصل الحاج إلى تلك البقاع الطاهرة مع مشقة الطريق وإنفاق الأموال، فقد يصعب عليه أن يجعل لزيارة المسجد سفراً مستقلاً، فيستحب له أن يزور مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن يعلم أن الزيارة لا تعلق لها بمناسك الحج والعمرة، ويلتزم ما ذكرنا من آداب لذلك.

أحاديث لم تصح:

وإنما نذكرها هنا لبيان ضعفها وأنه لا يجوز الاحتجاج بها؛ ولأنها قد شاعت بين كثير من الناس ممن لا علم له بضعفها.

-"من زار قبري وجبت له شفاعتي" رواه الدارقطني وابن عدي. ولا يصح، فهو من رواية موسى بن هلال العبدي، وهو مجهول كما قال أبو حاتم عن عبد الله بن عمر المكبر وهو ضعيف، ولذا ضعفه الأئمة كابن خزيمة والعقيلي والنووي وابن تيمية وغيرهم، وقال ابن عبد الهادي -رحمه الله-: "ضعيف منكر ساقط الإسناد، ولا يجوز الاحتجاج بمثله عند أحد من أئمة الحديث وحفاظ الأثر.

-"من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني" قال ابن حجر -رحمه الله-: "رواه الخطيب في الرواة عن مالك في ترجمة النعمان بن شبل وقال: إنه تفرد به عن مالك عن نافع عن بن عمر بلفظ: "من حج ولم يزرني فقد جفاني"، وذكره ابن عدي وابن حبان في ترجمة النعمان والنعمان ضعيف جدًا، وقال الدارقطني: الطعن في هذا الحديث على ابنه لا على النعمان" اهـ، ورواه البزار من حديث زيد بن أسلم عن ابن عمر وفي إسناده عبد الله بن إبراهيم الغفاري وهو ضعيف، ورواه البيهقي من حديث أبي داود الطيالسي عن سوار بن ميمون عن رجل من آل عمر عن عمر، قال البيهقي: "في إسناده مجهول".

وذكره ابن طاهر في تذكرة الموضوعات وابن الجوزي في الموضوعات، وقال ابن تيمية: "فهذا لم يروه أحد من أهل العلم بالحديث، بل هو موضوع على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ومعناه مخالف للإجماع، فإن جفاء الرسول -صلى الله عليه وسلم- من الكبائر، بل هو كفر ونفاق، بل يجب أن يكون أحب إلينا من أهلينا وأموالنا كما قال -صلى الله عليه وسلم-: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ» (متفق عليه).

-"من زارني وزار أبي إبراهيم في عام واحد ضمنت له الجنة" قال النووي -رحمه الله-: "هذا باطل ليس هو مرويًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يُعرف في كتاب صحيح ولا ضعيف، بل وضعه بعض الفجرة". وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "هذا كذب موضوع ولم يروه أحد من أهل العلم بالحديث".

-"من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي" رواه الطبراني والدارقطني وابن عدي، قال البيهقي: "تفرد به حفص -يعني ابن سليمان- وهو ضعيف" اهـ، قلت: وفيه ليث بن أبي سليم وهو متروك، فالحديث ضعيف جدًا.