رسالة إلى كل زوجة
هبة حلمي الجابري
أختي الحبيبة، إنَّ الحياة الزوجية ليست معركةً بين الزوج وزوجته، ولو اعتبرناها معركة فكلاهما خسران، الحياة الزوجية شراكة وحب ومودَّة، وسكن وتضحية...
- التصنيفات: قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -
إلى ريحانة البيت، إلى كل من تريد أن تدخل الجنة من أي باب شاءت، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا صلَّت المرأةُ خمسَها، وصامت شهرها، وحَصَّنت فرجَها، وأطاعت زَوجها، قيل لها: ادخُلي الجنَّة من أيِّ أبواب الجنَّة شئتِ»؛ (صحيح الترغيب).
إلى كل من أرادت أن تعرف جنتها ونارها؛ فعن الحُصين بن مِحصن: "أن عمَّةً له أَتَت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة، ففَرَغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أذاتُ زوجٍ أنتِ» ؟، قالت: "نعم"، قال: «كيف أنتِ له» ؟، قالت: "ما آلُوه -أي: لا أُقصِّر في حقِّه- إلَّا ما عَجَزتُ عنه"، قال: «فانظُري أين أنتِ منه؛ فإنَّما هو جنَّتُك ونارُك»؛ (صحيح الترغيب).
أختي الحبيبة، إنَّ الحياة الزوجية ليست معركةً بين الزوج وزوجته، ولو اعتبرناها معركة فكلاهما خسران، الحياة الزوجية شراكة وحب ومودَّة، وسكن وتضحية، وسعي كل طرف لراحة الطرف الآخر، وقبل أن أطالب بحقوقي يجب أن أقوم بواجباتي.
إن كثيرًا من المشاكل الزوجية يكون بسبب التحفُّز الدائم حتى لا تكون حياتكِ كحياة سي السيد وأمينة، فاطردي هذا الشبح من حياتكِ لتكوني سعيدةً، واجعلي أساس حياتكِ الحب وليس النِّدِّيَّة؛ فإن المحب لمن يحب مطيع، وإن عصى الله فيكِ فأطيعي الله فيه.
أختي الحبيبة، قالت زوجة لزوجها في بداية زواجهما"No Orders"؛ أي: لا أوامر، فضحك وقال: "فكيف أطلب منكِ شيئًا؟!" قالت: "تطلب ما تريد بدون توجيه أوامر!"
هذه الزوجة فهمت معنى الطاعة على أنها مجرد مجموعة أوامر، ولكن لم تفهم الطاعة من الناحية الشرعية؛ فالطاعة هي التزام الأوامر واجتناب النواهي استجابةً لأمر الله، فطاعة المرأة لزوجها هي أمر شرعي محض، وهي طاعة لله أولًا ثم طاعة لزوجها المخلوق ابتغاء رضا الله سبحانه وتعالى، وطاعة الله هي حقيقة الإيمان التي عندها يظهر من بكى ممَّن تباكى.
وطاعتك لزوجك ليست انتقاصًا من قدرك أو إهدارًا لكرامتك؛ بل هي ضرورة لتسير سفينة الحياة، فلا بُدَّ للسفينة من قائد واحد وإلا غرقت؛ يقول تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91].
وطاعة الزوجة لزوجها هي أنجح الطرق لسعادة الزوجة نفسها ولخيرها واستقرارها، وأمره لها بطاعة زوجها؛ لأنه يعرف خلقه وما يصلحهم، وهو تكريم لها؛ لأنه سيحسن معاملتها كلما ازدادت له طاعة، وأكثر المشاكل بين الأزواج إنما هي بسبب العناد وعدم الطاعة؛ مما يُولِّد الكره بينهما والتنافر، أما الزوجة التي تتقي الله وتتبع أوامره تعرف أن هذا خيرٌ لها، وأنها بطاعتها لزوجها ستمتلك قلبه؛ فيزداد عشقًا وتقديرًا وإكرامًا لها، وهذا طبعًا ما لم يأمر بمعصية، فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أو يأمرها بما هو فوق طاقتها أو فيه ضرر لها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضَرَر ولا ضِرار»؛ (رواه ابن ماجه).
أختي الحبيبة، تأمَّلي قول الله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34]، قال ابن عباس: "قانتات"؛ أي: مطيعات لأزواجهنَّ.
وتأملي يا أختي أن الله قال: {قَانِتَاتٌ} ولم يقل: "طائعات"؛ وذلك لأن القنوت هو شِدَّة الطاعة التي ليس معها معصية، وهي طاعة فيها معنى السكون والاستقرار للأمر، وليست هي طاعة القهر، فإن المقهور لا يُقال إنه (قانت) لمن قهره!
مما يدلُّ على أنه ينبغي على الزوجة أن تطيع زوجها وهي راضية بأمره، وعلى الزوج أن يأمرها بما يكون عونًا له على أن تقبل أمره بسكون وحب واستقرار، فكما أنها مأمورة بطاعة الزوج، فهو كذلك مأمور بحسن المعاشرة والإحسان إليها وعدم تكليفها بما لا تطيق.
أختي الحبيبة، لأهل زوجك حقوق، وأعظمها حق والديه ثم إخوته فأعينيه على بِرِّهم، وذكِّريه إذا نسي، ونبِّهيه إذا غفل، واعلمي أن من لم يحسن لأهله الذين تربَّى وعاش معهم فلا خير فيه لك أو لأولادك، كما أنك بحسن عشرتك لهم تجعلينه يحسن معاشرة أهلك أيضًا، فكيف تطالبينه ببِرِّ أهلك وأنتِ لم تفعلي ذلك؟ وهل ترضين أن يبعدك عن أهلك أو يعاملهم بغير معروف؟
أختي الحبيبة، كوني الواحة التي يستظلُّ بها زوجُك بعد عناء يوم شاق في العمل، واهتمِّي بإحساس زوجك وحالته المزاجية ومشاعره، فلا تضعي نفسك دائمًا في حالة التسخُّط والتشكي، ولا ترهقي أعصاب زوجك بالحديث عن الأزمات والضغوط بمجرد دخوله للمنزل؛ بل امنحيه الفرصة ليحصل على الراحة وهدوء الأعصاب، وتخيلي لو أن زوجك دائمًا يرجع إلى المنزل فيجد مكانًا نظيفًا مرتبًا، وزوجة يفوح منها أجمل العطور، ترتدي ملابس نظيفة جذَّابة، قد أعدَّت عشاءً راقيًا، فكيف ستكون ردة فعل زوجك؟ وكم سيكون سعيدًا بهذا الاهتمام؟
أختي الحبيبة، أنفقي أموال زوجك بحكمة، وتذكَّري أن الحفاظ على مال زوجك يعطيه اليقين في أنك تقدرين جهده، وتحرصين على راحته، ولا تستخفِّين بمدى ما يبذل ويقدم من عطاء من صحته ووقته من أجل رفاهية الأسرة، ولا تُكلِّفيه فوق طاقته، فالمال ليس سببًا للسعادة، وليس النجاح في الدور والقصور والسير أمام الخدم والحشم، إنما النجاح في الحياة الهادئة السليمة من القَلَق البعيدة من الطمع، الحياة المبنية على أساس طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أختي الحبيبة، إيَّاكِ والجحود وكفران العشير، قال صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُ النَّارَ فَإِذَا أكْثَرُ أهْلِهَا النِّسَاءُ، يَكْفُرْنَ»، قيلَ: أيَكْفُرْنَ باللَّهِ؟ قالَ: «يَكْفُرْنَ العَشِيرَ، ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ، لو أحْسَنْتَ إلى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شيئًا، قالَتْ: ما رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ»؛ (رواه البخاري).
أعيدي شريط الذكريات، وتذكَّري المواقف التي أنكرتِ فيها إحسان زوجكِ، وإياكِ أن تجعلي الغضب يُنسيكِ لمساته الكريمة ومواقفه الجميلة معكِ حتى لا تدخلي في هذا الوعيد، وعوِّدي نفسك على الإحسان لزوجك مهما بدر منه، وربِّي نفسك على عدم الجحود، سواء كان ذلك لله عز وجل أو للزوج أو للمخلوقين، واشكري زوجك على أفعاله الحسنة، وذكِّرِيه بما فات من معروفه الذي قدَّمه لكِ، واعلمي أن تقصيره في حقك ليس مبررًا للتقصير في حقِّه فكل محاسب أمام الله على فعله.
أختي الحبيبة، كوني كتومةً، ولا تفشي لزوجك سِرًّا، حديثك مع زوجك لا يتعدَّى جدران غرفتك، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَومَ القِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إلى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا»؛ (رواه مسلم).
أختي الحبيبة، إذا وقع خلاف -وهذا أمر حتمي- فاحرصي على عدم النقاش وهو غاضب، وغُضِّي الطرف عن الهفوة والزلَّة والخطأ غير المقصود، وتذكَّري أن هدف الشيطان هو تفكيك الأسرة فلا تسمحي له بذلك، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى المَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فِي النَّاسِ فَأَقْرَبُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدَهُمْ فَيَقُولُ: مَا زِلْتُ بِفُلانٍ حَتَّى تَرَكْتُهُ وَهُوَ يَقُولُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُول إِبْلِيسُ: لا وَاللَّهِ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، وَيَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَـيْنَهُ وَبَـيْنَ أَهْلِهِ، قَالَ: فَيُقَرِّبُهُ وَيُدْنِيهِ (ويلتزمه) وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ»؛ (رواه مسلم).