(2) الجندر وما وراءه،، تلك الحكاية المشؤومة
مصطلح الجندر يحمل بين طياته مضامين خطرة، تنسف المعتقدات والقيم الدينية، وتدمر الأسرة والمجتمع، وإن كانت تلك الجهود تسير ببطء وتدرج لعدم لفت الانتباه، وإثارة ردود فعل مضادة؛ إلا أن هدفها النهائي هو اجتثاث الهوية العربية الإسلامية.
- التصنيفات: قضايا المرأة المسلمة - قضايا إسلامية معاصرة -
تناولنا في الجزء الأول معنى مصطلح الجندر، وتعرفنا إلى كيفية ظهوره، وحقيقته، وحتى نفهم الموضوع كاملا فإنه لابد من معرفة آثار ذلك المصطلح، وكيف نصد شر ذلك الأمر عنا وعن أمتنا.
أثر مصطلح الجندر على الأسرة والمجتمع؟
بداية يجب أن نعرف أن مفهوم الأسرة الفطرية السوية: هي التي تتكون من زوجين (رجل وامرأة) برابطة شرعية وقانونية، وتتكون كذلك من الأبناء.
أما بحسب مفهوم الجندر: فبما أنهم يرون أنه من الطبيعي أن يوجد رجل متأنث أو يتوهم أنه امرأة، وبالتالي فأنه يحق له الزواج من رجل، أو امرأة ذكورية ترى نفسها ذكرا، وبالتالي فإنه يحق لها الزواج من امرأة، فبذلك يكون مفهوم الأسرة لدى المفهوم الجندري: أن تتكون من شخصين (رجلين) أو (امرأتين)، وأن تتكون من أبناء بطريق غير شرعي أو غير قانوني، كأبناء الزنى، وأبناء بالتبني، أو غير ذلك، فأي أسرة هذه التي ستنشأ من هذا الأساس الفاسد؟ وأي قيم وأخلاق ستورث؟
ويحسب ما ذكر في كتاب (الأسرة وتحديات المستقبل)، والذي يعتبر من مطبوعات هيئة الأمم المتحدة، حيث ذكر فيه: "بأنه يمكن تصنيف الأسرة إلى 12 شكلا ونمطا"!!
وهو البند الخامس عشر الذي ذكر في مؤتمر بكين، وفي ذلك مصادمة واستهانة متعمدة بالفطرة، وطبيعة الخلق، ولناموس الكون، وكذلك مصادمة وهدم للأسرة في حقيقتها واستقرارها بناء على إرادة الله في إقامة الأسرة التي هي نواة المجتمع. قال تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} [الروم:21]، وقوله تعالى: {يا أيها أناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات:13].
فما نشاهده الآن من ظهور لنماذج شاذة، ومن يقال لهم: (المثليين، أو مجتمع ميم، أو أحرار الجنس) بجميع أطيافهم، في المجتمعات العربية والإسلامية ما هو إلا نتيجة تلك الاتفاقية البائسة، والتي من ضمن بنودها: أن أي دولة تمنع الشذوذ الجنسي فهي دولة ضد الإنسانية!!
ولتسويق المصطلح (الجندر)، وفرضه في المجتمعات كافة، دعا مؤتمر لاهاي عام 1999م إلى إنشاء جهاز خاص في كل مدرسة في دول العالم؛ لتحطيم الصورة التقليدية والسلبية للهوية الجندرية، ولتعليم الناشئة ـ خاصة المراهقين والشباب ـ حقوقهم الجنسية والإنجابية، كما دعا المؤتمر الحكومات إلى سن قوانين جديدة تتناسب مع حقوق المراهقين والشباب للاستمتاع بحقوقهم الجنسية دون التفرقة بين ذكر أو أنثى...!!
كما يسعى إلى إلغاء دور الأب، ورفض الأسرة والزواج، وملكية المرأة لجسدها، وهي دعوة صريحة للإباحية، ورفض الإنجاب، وإباحة الإجهاض، والشذوذ الجنسي.
ومما مر بنا يتضح لنا أن أمة الإسلام مستهدفة، وخاصة الأسرة والمرأة، عن طريق بث السموم الغربية لجعلها شعوبا مستعبدة، ضائعة، مفككة، تسير خلف تحقيق الشهوات والنزوات والمتع، مثلها مثل الإنسان الأوروبي، الذي غايته الاستمتاع غير المحدود استجابة للغريزة، وإجابة للذة، وتجنب الألم بالحمل والوضع والولادة.
وهكذا نجد أن مصطلح "الجندر" ارتبط منذ نشأته بحركات تحرير المرأة، ومن ثمَّ فهو مصطلح خاص بالمرأة أكثر من الرجل، وهدفه الإناث أكثر من الذكور، وغايته القصوى تحقيق ما يسمونه بـ"النزعة الأنثوية" في مواجهة "المجتمع الذكوري".. وهذا التنميط الاجتماعي الجديد، مرتبط بالعولمة الاجتماعية التي تريد إرساء قيم ومفاهيم اجتماعية جديدة في سياق عولمة المجتمعات البشرية، ونسف ما تعارفت عليه الإنسانية طوال آلاف السنين من مفاهيم وقيم أكدتها الأديان، ورسختها الطبيعة البشرية، والفطر السوية.
وما نراه في معظم الدول العربية الآن من انجرار نحو العولمة الاجتماعية ينذر بأوخم العواقب على المدى المتوسط والمدى البعيد؛ حيث تبذل جهود حثيثة لتغيير البيئة الاجتماعية الراسخة في المجتمعات العربية والإسلامية ومنظوماتها القيمية المستمدة من الإسلام والمستقرة منذ قرون.
وهذه نتيجة طبيعية للعولمة وللعلمانية التي لا يراد بها فقط فصل الدين عن الدولة، وإنما فصل الدين عن الأخلاق، إلى فصل الدين عن العلاقات بين الجنسين، إلى فصل الدين عن الاقتصاد، إلى فصل الدين عن الأسرة، وبالتالي موت الأسرة، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
فمما سبق نلاحظ أن مصطلح الجندر يحمل بين طياته مضامين خطرة، تنسف المعتقدات الدينية، والقيم الأخلاقية، وتدمر الأسرة والمجتمع، وتخالف الدستور الإسلامي، وإن كانت تلك الجهود تسير ببطء وتدرج لعدم لفت الانتباه، وإثارة ردود فعل مضادة؛ إلا أن هدفها النهائي هو اجتثاث الهوية العربية الإسلامية، والسعي إلى مسخ هذه الشعوب، وذوبانها في العولمة الاجتماعية والثقافية التي تجري على قدم وساق.
وليس من المستغرب بعد ذلك في ظل كل هذه الحروب المستعرة على الأسرة المسلمة أن تتفاقم المشاكل الاجتماعية والأسرية: كالعنوسة، والطلاق، والإجهاض، وكل مظاهر التفسخ الخلقي والتفكك الأسري، والعنف المجتمعي، والعنف الأسري بكل أشكاله، فهذه الظواهر إفراز طبيعي لثقافة الجندر والعولمة الاجتماعية.
الواجب علينا تجاه هذا الأمر
وعليه فإنه يجب علينا:
- التوعية بخطر هذا المفهوم.
- والتنبه للمؤامرات الخبيثة، والتحذير منها على صعيد الخطب، والمجالس، والمدارس، ومواقع التواصل عن طريق: النصح، والتبيين، وفضح المخططات.
- التحصن بالعلم الشرعي؛ فالإنسان إذا كان محصنا تكسرت السهام على الحصون.
- التقرب من أبنائنا، وفتح مجال الحوار بأسلوب طيب وهادئ، ومناقشة القضايا التي تطرأ على الساحة كل بحسب عمره وما يناسبه من أسلوب، فالحرب شرسة.
- الاستعانة بالله، والاعتصام به بأن يحفظنا ويحفظ أبناءنا وأبناء المسلمين، وأن يردنا إليه ردا جميلا.
- الإكثار من الدعاء وقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك"، وقول: "اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه".