من أقوال السلف في بر الوالدين
فهد بن عبد العزيز الشويرخ
تجد أهل العقوق دائمًا في حسرة، وفي ضيق، وفي ووساوس، وربما يضيقُ رزقُهم، بسبب عقوقهم، وعدم القيام ببِرِّ الوالدين.
- التصنيفات: الأدب مع الوالدين - - آفاق الشريعة -
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
فما من مسلم إلا ويرغب في محبة الله جل جلاله، وبر الوالدين من الأعمال التي يحبُّها الله عز وجل، فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألتُ النبي صلى الله عليه وسلم: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: «الصلاةُ على وقتِها»، قلت: ثم أيّ؟ قال: «بِرُّ الوالدين»، قلتُ: ثم أيّ؟ قال: «الجهادُ في سبيل الله»؛ (متفق عليه).
فهنيئًا لمن جاهد نفسه، وعصى شيطانه، فبَرَّ والديه، فقابل الإحسان بالإحسان، ونال محبة الرحمن.
للسلف أقوال في بِرِّ الوالدين، يسَّر اللهُ فجمعتُ بعضًا منها، أسأل الله أن ينفع بها الجميع.
الوالدان بابان مفتوحان من الجنة:
لما ماتت أم إياس بن معاوية بكى، فقيل: ما يبكيك؟ قال: كان لي بابان مفتوحان من الجنة فأُغلِق أحدُهما.
من المروءة البر بالوالدين:
سُئل الأحنف عن المروءة، فقال: التفقُّه في الدين، وبِرُّ الوالدينِ، والصبر على النوائب.
من حافظ على بِرِّ والديه فهو من الصدِّيقين:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: المحافظة على بِرِّ الوالدين، أمر لازم متكرر دائم، لا يصبر على مراقبة أمر الله فيه إلا الصدِّيقون.
مهما بالغ الابن في بِرِّ والديه فلن يفيَ بشكرهما:
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: ليعلم البارُّ بالوالدين أنه مهما بالغ في برهما لم يفِ بشكرهما.
من صور البِرِّ بالوالدين:
قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: بِرُّهما يكون بطاعتهما فيما يأمران به ما لم يأمرا بمحظور، وتقديم أمرهما على فعل النافلة، واجتناب ما نهيا عنه، والإنفاق عليهما، والمبالغة في خدمتهما، واستعمال الأدب والهيبة لهما، ويصبر على ما يكرهه مما يصدر عنهما.
بِرُّ الأُمِّ مُقدَّم على بِرِّ الأب:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات»، قيل: خصَّ الأمهات بالذكر؛ لأن العقوق إليهن أسرع من الآباء؛ لضعف النساء، وليُنبِّه على أن بِرَّ الأم مُقدَّمٌ على بِرِّ الأب في التلطُّف والحنو، ونحو ذلك.
تقديم خدمة الوالدة على صلاة النافلة:
♦ قال محمد بن المنكدر: بات أخي عمر يصلي، وبتُّ أغمر قدم أُمِّي، وما أحب أن ليلتي بليلته.
♦ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفيه إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع؛ لأن الاستمرار نافلة، وإجابة الأم وبِرها واجب.
عدم الرحلة في طلب العلم طاعةً للوالدة:
محمد بن بشار بن داود بن كيسان الحائك، لم يرحل بِرًّا بأُمِّه، واقتنع بحديث بلده.
سؤال الابن أباه عن رضاه عنه:
الحافظ عبدالغني بن عبدالواحد المقدسي، مرض مرضًا شديدًا، فقال له ابنه: ههنا دواء.... تشربه، قال: يا بني، ما بقي إلا الموت، فقلت: ما أنت عني راضٍ؟ قال: بلى والله، أنا راضٍ عنك وعن إخوتك.
طاعة الوالد في عدم الخروج للتجارة:
قال الحسن بن عبدالوهاب بن عبدالحكم: كنتُ قد اعتزمت على الخروج إلى سر مَنْ رأى، في أيام المتوكل، فبلغ ذلك والدي، فقال لي: يا حسن، ما هذا الذي بلغني عنك؟ قلت: يا أبتِ، ما أريد بذلك إلا التجارة، فقال لي: إنك خرجت لم أكلمك أبدًا، فلم أخرج وأطعته، فجلست فرزقني الله بعد ذلك فأكثر، وله الحمد.
الحذر من دعاء الوالدين على الولد:
الزمخشري المعتزلي، صاحب تفسير الكشاف، سُئل عن سبب قطع رجله؟ فقال: سببه دعاء الوالدة: كنت في الصغر اصطدْتُ عصفورًا، وربطته بخيط في رجله، فطار، ودخل في حرف، فجذبته، فانقطعت رجله، فتألمت أُمِّي، وقالت: قطع الله رجلك كما قطعت رجله، فلما كبرت، ورحلنا إلى بخارى، سقطتُ عن الدابَّة، وانكسرت رجلي، وعملت عملًا أوجب قطعها.
العاق لوالديه في حسرة وضيق:
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: تجد أهل العقوق دائمًا في حسرة، وفي ضيق، وفي ووساوس، وربما يضيقُ رزقُهم، بسبب عقوقهم، وعدم القيام ببِرِّ الوالدين.
من لم يبر والديه فهو لغيرهما أقل بِرًّا:
قال ابن حجر رحمه الله: من لم يبر والديه مع وفور حقهما عليه كان لغيرهما أقل بِرًّا.