لا يصلح للناس إلا ما شرعه رب الناس

تيقَّن تمامًا أنه لا يصلح للناس إلا ما شرعه رب الناس؛ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14]

  • التصنيفات: الفقه وأصوله - - آفاق الشريعة -

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ....} [النساء: 11].

 

تأمَّل ذلك التشريع العجيب، وتلك القسمة الدقيقة لهذه الفروض، حتى ذكر الله تعالى الثمن، والسدس، والربع، والثلث، والنصف، والثلثين، وحتى تولى الله تعالى تلك القسمة بنفسه، ولم يرضَ أن يقسِّمها ملكٌ مقربٌ، ولا نبي مرسل!

 

وتأمل ذلك التفاوت بين تلك الأنصباء، حتى جعل للبت النصف، ولكل واحد من الأبوين السدس، مع وجود الفرع الوارث، وجعل للزوجة الثمن مع وجود الولد، والربع إن لم يكن للزوج ولدٌ، وجعل للزوج الربعَ مع وجود الولد، والنصفَ إن لم يكن للزوجة ولد!

 

وتأمل لِمَ جعل الله تعالى للإخوة لأم الثلث مع عدم الفرع الوارث، وعدم وجود الأصل الوارث، ولِمَ جعل الله تعالى نصيبهم الثلث ولم يجعله النصف أو الثلثين؟

 

وتأمل لِمَ جعل للأم السُّدس مع وجود الولد، ومع وجود جمع من الأخوة والأخوات، وجعل لها الثلث مع عدم الولد، وعدم وجود الإخوة ولم يجعل لها أكثر من ذلك أو أقل؟!

 

وتأمل التفاوت بين نصيب الأم والزوجة، لِمَ كان نصيب هذه السدس ونصيب هذا الثمن في أدنى الحالتين؟ وجعل للأم الثلث وللزوجة الربع في أعلى الحالتين؟

 

ومهما بحثت وأعمَلت فكرَك، وحلَّقت في سماء الآيات بعقلك، فلن تهدي إلى العلة التي من أجلها كان هذا التفاوت.

 

وقد كفانا الله تعالى عناء البحث، وإجهاد الفكر، ومشقة التنقيب عن تلك العلة، فقال: {آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا} [النساء: 11].

 

أقول هذا ردًّا على بعض السفهاء الذين ظنوا أنهم يستدركون على الشرع، وأنهم - زعموا - يصوِّبون ما فيه من أخطاء، وأنه يشتمل على ظلم في قسمة المواريث، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا، وتذكَّر دائمًا قول الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].

 

وتيقَّن تمامًا أنه لا يصلح للناس إلا ما شرعه رب الناس؛ {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [الملك: 14].