لن يكون سلوكي خنجرا في صدر الإسلام

هبة حلمي الجابري

من تخلى عن أخلاق الإسلام وعاش أسيرًا لأهوائه تابعًا لرغباته لا رادع له من دين ولا خلق لم يخسر آخرته فقط بل عُجّلت له العقوبة في الدنيا، فما عرف للسعادة طريقًا ولا وجد لراحة البال سبيلَا...

  • التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات - - آفاق الشريعة -

في عالمٍ بِتنا نبحث فيه بين المسلمين عن أخلاقٍ ضاعت، فضاعت معها هويتنا، أخلاقٍ جاء الإسلام ليتممها فسُدْنا العالم لمَّا بها تمسكنا، وتخلفنا عن ركب الأمم لمَّا عنها تخلينا.

 

دخل الناس في دين الله أفواجًا لِمَا لمسوا من سماحة تعاليمه وطيب أخلاق أبنائه، وطُعن الإسلام بيد أبنائه لمّا تخلوا عن تعاليمه وأخلاقه وشوهوا صورته بأفعالهم فانصرف عنه من لا يعرف حقيقته. هل ترضى أيها المسلم أن تكون خنجرًا في صدر الإسلام بسلوكك وأفعالك؟!

 

لقد جاء الإسلام فكان دستور حياة، ليس توجيهًا للعبادة فقط بل ليرسم منهجًا كاملًا دقيقًا للحياة بكل تفاصيلها من أكل وشرب ونوم وبيع وشراء ومعاملاتٍ، وأكد في أحاديث كثيرة على أهمية الأخلاق في دين الإسلام وأنه ليس دين عبادات فقط، وأن المنازل العليا وصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة إنما تنال بحسن الخلق؛ فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» رواه مالك في الموطأ، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بأحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة»؟ فأعادها ثلاثاً أو مرتين. قالوا: نعم يا رسول الله. قال: «أحسنكم خلقاً» (رواه أحمد)، وفي صحيح البخاري عن معاوية رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن من خيركم أحسنكم خلقاً».

 

بل الأخطر من ذلك أن عبادة المسلم وطاعته من صيام وصلاة قد يضيع ثوابها كله ويدخل صاحبها النار رغم كثرة عبادته، ولن تكون عباداتك - من صلاة وصيام وزكاة وصدقة وغيرها – محققة لغرضها حتى تجد آثارها على أفعالك وسلوكك ومعاملاتك وأخلاقك، وإن لم تنعكس فلا بد من خلل يحتاج إلى وقفة وإصلاح؛ ففي الحديث الذي رواه مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما المفلس»؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال: «إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أُخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار».

 

وفي الحديث الذي رواه أبو هريرة؛ قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل، وتصدق، وتؤذي جيرانها بلسانها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا خير فيها، هي من أهل النار». قالوا: وفلانة تصلي المكتوبة، وتصدق بأتوار الأقط، ولا تؤذي أحداً. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هي من أهل الجنة» (رواه البخاري في الأدب المفرد، وابن حبان، والحاكم، وأحمد).

والحكمة في هذا ظاهرة؛ إذ لو كانت هذه المرأة مصلية صائمة حقاً؛ لامتنعت عما يدنس النفس أقبح تدنيس، وهو إيذاء الجار.

 

من تخلى عن أخلاق الإسلام وعاش أسيرًا لأهوائه تابعًا لرغباته لا رادع له من دين ولا خلق لم يخسر آخرته فقط بل عُجّلت له العقوبة في الدنيا، فما عرف للسعادة طريقًا ولا وجد لراحة البال سبيلَا؛ لأنه لم يلتزم بالدستور الذي وضعه له الدين وتكفل لمن تمسك به بالسعادة.

 

هي وقفة مع النفس لا بد أن يقفها كل مسلم ليختار إما أن يمضي في طريقه ضائعًا تائهًا متخبطًا حزينًا رافضًا للجلوس بجوار النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة متحملًا وزر تشويه صورة الإسلام لدى العالم، أو يعود لرشده نافضًا غبار الغفلة عن حياته متبعًا لدرب نبيه وصولًا للسعادة الأبدية متمثلًا لحياة الصحابة فيفوز في الدارين.

 

إنها فرصة لنبدأ من جديد، نتعرف على سلوك المسلم في بيته وفي وظيفته وفي طلبه للعلم وفي تعامله مع أهله وجيرانه، نرسم بأيدينا صورة حقيقية لأمة الإسلام لا يثنينا عن عزمنا تردي البيئة ولا قلة الصحبة، نبدأ بأنفسنا ونقوم بدورنا في إصلاح هذه الأمة وعودتها إلى الصراط المستقيم.