علاج الهموم
قال ابن القيم رحمه الله: "من أراد انشراح الصدر، وغفران الذنب وتفريج الكرب، وذهاب الهمِّ فليُكثر من الصَّلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم".
- التصنيفات: الذكر والدعاء - تزكية النفس -
فإن الإنسان لا تخلو حياته من الهموم والغموم والأحزان التي تكدِّر عليه عيشه، وتنغِّص عليه لذته؛ كما قال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد: 4]
والهموم: ألم يعتري القلب لأمرٍ في المستقبل، والغموم: ألم يعتري القلب لأمرٍ في الحاضر، والأحزان: ألم يعتري القلب لأمرٍ في الماضي.
أولًا: لا بد أن يعلم المسلم ما يحصل له من الأجر العظيم، والثواب الجزيل، جزاء صبره واحتسابه على ما يصيبه من هموم الدنيا ومصائبها.
في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المؤمن من نَصَبٍ ولا وصبٍ ولا هَمٍّ ولا حزن ولا أذى ولا غَمٍّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطاياه»، وفي رواية لمسلم: «حتى الهم يهمه إلا كفَّر به من سيئاته»، وفي رواية: «ما يصيب المؤمن من شوكة فما فوقها، إلا رفعه الله بها درجة، أو حَطَّ عنه بها خطيئة» .
فيعلم المسلم أن ما يصيبه من هموم وغموم إنما هو تكفير لسيئاته، وتكثير لحسناته؛ قال أحد السلف: "لولا المصائب لوردنا يوم القيامة مفاليس"، وكان أحدهم يفرح بالبلاء كما يفرح أحدنا بالرخاء.
ثانيًا: ما هو علاج الهموم؟
1- كثرة الاستغفار:
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لَزِمَ الِاسْتِغْفَارَ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ مِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجًا، وَمِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًا، وَرَزَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ»؛ (رواه أبو داود وابن ماجه، وأحمد).
2- كثرة الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وسلم:
فعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه قال قُلْتُ: يَا رسول الله، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: «مَا شِئْتَ»، قُلْتُ: الرُّبُع، قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: فَالنِّصْف؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: فالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: «مَا شِئْتَ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ»، قُلْتُ: أجعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: «إذًا تُكْفى هَمَّكَ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبكَ»؛ (رواه الترمذي، وحسَّنه الألباني).
قال ابن القيم رحمه الله: "من أراد انشراح الصدر، وغفران الذنب وتفريج الكرب، وذهاب الهمِّ فليُكثر من الصَّلاة على النبيِّ صلى الله عليه وسلم".
3- كثرة الصلاة:
قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].
وعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى".
4- الدعاء:
في السنن عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِي رضي الله عنه قَالَ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ، فَقَالَ: «يَا أَبَا أُمَامَةَ، مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلاةِ»؟، قَالَ: هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «أَفَلا أُعَلِّمُكَ كَلامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ»؟، قَالَ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: «قُلْ: إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنَ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ»، قَالَ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي.
5- ومنه هذا الدعاء العظيم الذي حَثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على حفظه، وتعلُّمه، وتعليمه:
فعَنْ ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا»، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: «بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا»؛ (رواه أحمد، وابن حبان، والحاكم، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة).
6- ومنها هذا الدعاء:
ففي صحيح البخاري عن أنس رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل، فكنت أسمعه كثيرًا يقول: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ، وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» .
7- أن يجعل الآخرة همَّه:
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَمْلَهُ، وَأَتَتْهُ الدُّنْيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَنْ كَانَتِ الدُّنْيَا هَمَّهُ جَعَلَ اللَّهُ فَقْرَهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَفَرَّقَ عَلَيْهِ شَمْلَهُ، وَلَمْ يَأْتِهِ مِنَ الدُّنْيَا إِلا مَا قُدِّرَ لَهُ»؛ (رواه الترمذي).
نسأل الله العظيم أن يذهب عنا الهموم والغموم.
_______________________________________________________
الكاتب: رمضان صالح العجرمي