{وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها}
الحقيقة التي تملأ جنبات الكون، وتسدُّ عينَ الشمس، وبالرغم من ذلك يجحدها الإنسان ويقابلها بالنكران، أن نِعَم الله عز وجل على الإنسان لا تُعَدُّ ولا تُحصى...
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
الحقيقة التي تملأ جنبات الكون، وتسدُّ عينَ الشمس، وبالرغم من ذلك يجحدها الإنسان ويقابلها بالنكران، أن نِعَم الله عز وجل على الإنسان لا تُعَدُّ ولا تُحصى، وأن عباقرة الإنسانية وأذكياء العالم يُقِرُّون بهذه الحقيقة، وواقع البشرية يثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن القرآن الكريم وَحْيٌ من السماء، وأنه كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وهذه واحدة يتحدَّى بها الله عز وجل الإنسانية، هل لكم من سبيل إلى عَدِّ نِعَم الله عليكم؟ إن كنتم تستطيعون فافعلوها، واثبتوا لنا كذب القرآن، وزُور الإسلام.
فالله تبارك وتعالى يلفت قلوبنا إلى هذه الحقيقة المبثوثة في أرجاء الكون، التي لا تخطئها عين، فيقول تبارك وتعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18].
فبالرغم من أن الكون كله من الذرة إلى المجرَّة يُقِرُّ ويعترف بأن نِعَم الله لا تُعَدُّ ولا تُحصى، فإن الإنسان وحده يقابل هذه الحقيقة الثابتة بالجحود والكفران، إن الإنسان لظلوم كفَّار كما وصفه الحق تبارك وتعالى في كثير من آيات القرآن الكريم، فقال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} [عبس: 17]، فما أشَدَّ كفرَ الإنسان بنِعَم الرحمن، وآيات القرآن، التي تعُمُّ العمران، وتصُمُّ الآذان! ويقول ربنا في كتابه الحكيم: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ} [العاديات: 6]؛ أي: كافر جحود، وليس هذا فحسب؛ بل {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ} [العاديات: 7]، {إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72].
نِعَم الحق سبحانه وتعالى لا نهايةَ لها، ولا حَدَّ لها، في الماضي والحاضر والمستقبل؛ بل في كل زمان تفوق العَدَّ وتربو على الحَصْر، وكذلك هي على كل إنسان على حدة لا منتهى لها.
فنِعَم الله تبارك وتعالى التي لا طاقة للبشرية بعَدِّها، ولا قِبَل للإنسانية بحصرها ليست على مجموع البشرية، ولا على الوجود كله؛ بل نِعَم الله على كل إنسان على حدة، لا منتهى لها ولا حَدَّ لها، ولا حَصْرَ لها.
والأعجب من العجب أن الإنسان يُقابِل هذه النِّعَم بالجحود والكفر والظلم، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18]، فخير الله إلى العباد نازل، وعطاء الربِّ تبارك وتعالى للإنسانية متواصل، وفي المقابل شَرُّ العباد إلى الله صاعد، وظُلْمُهم لأنفسهم ولغيرهم لا ينتهي.
ومع ذلك نِعَم الله سبحانه وتعالى لا تتوقَّف، ومغفرتُه ورحمتُه وسِعَت كل شيء.
فشَرُّ العباد إلى الله صاعد، وخير الحق إلى العباد نازل، قال تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ} [النحل: 18].
أي كرم هذا؟! وأي عطاء أوسع من هذا؟! وأي تحبُّب وتودُّد للعباد أكثر من هذا؟! فنِعَم الله وعطاياه للعباد لا تنتهي، ويقابلها الإنسان بالكفر والجحود والإنكار، ويقابل اللهُ سبحانه وتعالى الكفرَ والفسوقَ والعصيانَ بالمغفرة والرحمة وفتح باب التوبة للعباد في كل أوانٍ ومكانٍ.
يا رب، فيضُ جودِك أخجلَنا، وواسِع كرمك أشعرنا بتقصيرنا، وقابلنا نِعَمك بالإنكار والجحود، وقابلت كفرنا بالمغفرة والرحمة.
فلنُسارِع بالعودة إلى الطريق المستقيم، ونُبادِر بالتوبة، ومحاسبة أنفسنا، وتزكية قلوبنا وتطهير نفوسنا، وتخليص نيَّاتنا.
__________________________________________________
الكاتب: أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي