رمي الجمرات وذبح الأضحيات

رميُ الجمرات هو جزء من الحج عند المسلمين يُقام سنويًّا في مكة المكرمة، يقوم الحجاج المسلمون برمي الحصى على ثلاث جمرات، في مدينة مِنًى شرق مكة المكرمة.

  • التصنيفات: فقه الحج والعمرة -

أيها المسلمون، خطُّ سَيرِ الحاج وضعه الشرع، وقاد نُسُكَه الصادقُ الأمين صلى الله عليه وسلم: «خُذُوا عني مناسككم»؛ حيث يرتاح الحُجَّاج المسافرون في مِنًى، فهي محطة تفصل بين مكان العهد مع الله عز وجل في عرفات، وبين بقية أنحاء الدنيا التي سيُنفَّذ فيها ذلك العهد الوثيق.

 

بعد أن كانوا في عرفةَ في الصباح، قضَوا يومهم في الرجاء والدعاء، في الحمد والثناء، في الذكر والشكر، ثم نزلوا إلى مزدلفة في المساء، ومن مزدلفة يجمع المؤمنون الحصياتِ التي سيرجُمون بها اللعينَ إبليسَ، الوسواس الخنَّاس، زعيم الطواغيت وربَّهم المزيف الأكبر، ومؤسِّس الخراب، ومنبت الشحناء والبغضاء، فالمؤمنون بعد أن عاهدوا الله سبحانه، وأعطَوه الميثاق الغليظ بأن يعبدوه وحده لا شريك له، يتوجهون لتأكيد عهده وميثاقه الغليظ الذي أبرمه معهم، يتوجهون للبراءة من الشيطان الرجيم، والعدو الذميم، الذي يفتن الناس، يحرفهم عن طريق الحق والخير، ويجرفهم إلى طريق الغواية والضلال، من بوابة مِنًى ما بين مكان العهد المبرَم مع الله عز وجل، وبين أمكنة تنفيذه، يلِجُ المؤمنون مؤكِّدين طاعتهم لله عز وجل، القاهر الحق، ومتهيِّئين لبراءتهم من الشيطان اللعين زعيم الباطل، وذلك بجمع الحصيات التي سيرجمونه بها.

 

عباد الله: رميُ الجمرات هو جزء من الحج عند المسلمين يُقام سنويًّا في مكة المكرمة، يقوم الحجاج المسلمون برمي الحصى على ثلاث جمرات، في مدينة مِنًى شرق مكة المكرمة، وهي واحدة من سلسلة أعمال الحج التي يجب القيام بها في الحج، وهو تجديد رمزيٌّ لحج إبراهيم؛ حيث تُرجَم ثلاثة أعمدة تمثل إغراءً بعصيان الله، والحفاظ على النبي إسماعيل عليه السلام.

 

وفي عيد الأضحى - اليوم العاشر من شهر ذي الحجة - يجب على الحجاج ضرب واحدة من ثلاث جمرات - جمرة العقبة أو الجمرة الكبرى - بسبع حصيات، وبعد الانتهاء من الرجم في يوم العيد، يجب على كل حاج أن يقص شعره أو يحلقه، وكأنه وُلِدَ من جديد، بل بالفعل وُلِد من جديد؛ حيث لا ذنوب، ولا شحناء، ولا بغضاء، على الفطرة مثل يوم الميلاد الفعلي، وفي كل يوم من اليومين التاليين، يجب على الحاج أن يضرب كل جدار من الجدران الثلاثة بسبع حصيات، متجهة من الشرق إلى الغرب، ومن ثَمَّ فهناك حاجة إلى ما لا يقل عن تسع وأربعين حصاة للرمي، وأكثر إذا فُقِدت بعض الرميات، يظل بعض الحجاج في مِنًى لمدة يوم إضافي، وفي هذه الحالة يجب عليهم رمي كل حجر سبع مرات؛ يقول الحاج عند الرمي: "اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، بسم الله، والله أكبر، رجمًا للشيطان ورضًا للرحمن، اللهم اجعله حجًّا مبرورًا، وسعيًا مشكورًا، وذنبًا مغفورًا، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرة وأصيلًا، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد لا شريك له".

 

أيها المسلمون: ثم يوم النحر إراقة للدم في سبيل الله سبحانه وحده؛ حيث يتوجه بعد ذلك الحجاج المؤمنون إلى المنحر، ليُريقوا أغلى شيء في الحياة الدنيا، ليريقوا الدم لله عز وجل؛ رمزًا لأن الدماء أرخص من المبادئ والعقيدة، فدون إسلامنا ومنهجنا، دماؤنا وأرواحنا، رخيصة في سبيل الحيِّ القيوم جل جلاله، وفي سبيل تحقيق منهجه العظيم في الأرض كلها.

 

عباد الله: إن من شعائر ديننا الحنيف شعيرةَ الأضحيَّة؛ قال الله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36].

 

والأضحية: اسم لما يُذبَح من الإبل والبقر والغنم يوم النحر، وأيام التشريق؛ تقربًا إلى الله تعالى، وإحياءً لسُنَّة خليل الله ونبيه إبراهيم عليه السلام، وتذكيرًا بذلك الحدث العظيم؛ وهي من أعظم شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين؛ قال الله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2]، وقال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ} [الأنعام: 162، 163].

 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمِل ابن آدم من عمَلٍ يوم النحر أحبَّ إلى الله من إهراق الدم، وإنه لَيُؤتَى يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم لَيقعُ من الله بمكان قبل أن يقع بالأرض، فطِيبوا بها نفسًا»؛  (رواه الترمذي، وابن ماجه).

 

ثم يتوجهون إلى مكة يطوفون ويسعَون من جديد، لتجديد العهد، وتأكيده مع الله عز وجل، بأننا على درب الحق سائرون، وإلى تحقيقه ساعون، وفي سبيلك يا رب الأرباب مستمرون، وعلى هَدْيِك ماضون.

 

ثم العودة إلى مِنًى للاستعداد لدخول أروقة الدنيا، ودار الامتحان الكبير؛ وذلك للإقامة فيها يومين أو ثلاثة من أيام العيد، وتلك فترة أكل وشرب؛ كما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيها يتحلل المؤمنون من ثياب الحج الخاصة، ويرتدون ثيابهم العادية التي سيعيشون بها في دنياهم، وفيها يأكلون من لحوم ضحاياهم التي أراقوا دماءها لله عز وجل، وفيها يتعارفون، ويستعدون لدخول أبواب الدنيا المختلفة، برفض مناهج الشيطان وتلامذته من الطواغيت المتسلِّطين والأرباب المزيَّفين، وذلك برجم زعيم الباطل إبليس اللعين؛ سبعًا، سبعًا، في كل يوم عند العقبات الثلاث، يرجمونه وهم يصرخون: باسم الله، والله أكبر.

 

فيؤكدون بذلك أن: باسم الله نرميك، ولن نعمل بما توحيه إلينا، أو توسوس به أيها الباطل اللعين، والله أكبر منك، ومن كيدك أيها المزيف الرجيم.

 

بعد ذلك يغادرون إلى مكةَ ليطوفوا بها طواف الوداع، مؤكدين عهد الله للعمل الدائب في سبيله، مودعين بيته الحرام ورمز توحيده، متوجهين من جديد إلى بلادهم وديارهم المتناثرة في كل أرجاء المعمورة؛ حماةً لدينه، ودعاةً لمنهجه، وجنودًا لإعلاء كلمته في كل بلد وركن من بلاد الأرض وأركانها.

 

وبذلك تمت حِجَّة الإسلام، وحُفِظ أجر الأنام، وهكذا دارت الأيام، فعاشوا جميعًا في أمن ومحبة وسلام.

 

عادوا بعد أن تزوَّدوا بالإيمان والتقوى:  {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197]، عادوا يجابهون الباطل، ويُؤازِرون الحق، وينشرون الخير، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، ويؤمنون بالله، وذلك مناط خيرية الأمة، كيف؟ {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّ} هِ ﴾ [آل عمران: 110].

 

أيها المسلمون: إن ذلك هو شأن الإيمان إذا تعمَّقت جذوره في القلب، وقوِيَ سلطانه على النفس، إنه يمد صاحبه بيقين لا يهون، وهمة لا تنثني، وأمل لا يخبو، ودافع لا يتوقف، وعزم لا يخور، هو يملك الدنيا ولكنها لا تملكه، ويجمع المال ولكنه لا يستعبده، وتحيط به النعمة، ولكنها لا تبطره، وينزل به البلاء، ولكنه لا يقهره، لا تزيده الشدائد إلا عزيمةً مع عزيمته، وقوة إلى قوته، كالذهب الأصيل، لا تزيده النار إلا نقاءً وصفاءً.

 

اللهم ارزقنا حجًّا مبرورًا، وذنبًا مغفورًا، وسعيًا مشكورًا.

________________________________________________________________
الكاتب: خميس النقيب