عقوبات الربا
جريمة الربا من أفجع الجرائم وأبشعها، وأخبث أنواع الظلم وأفظعها؛ حيث يستغل الإنسان أخاه الإنسان أسوأ استغلال، في الوقت الذي هو مطالب بمعونته، وتفريج كربته، وإقالة عثرته؛ ليعيش مثله عيشة كريمة.
- التصنيفات: النهي عن البدع والمنكرات - الربا والفوائد -
الحمد لله الذي رغَّب في الصدقات، وحث على الكرم والجود وبذل الهبات، وزجر عن استغلال المسلم لأخيه المسلم عند الأزمات، واستحلال ماله بالحيل الواهية؛ فقال سبحانه في آياته المحكمات: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276].
والصلاة والسلام على من جعل الربا من أكبر الكبائر، ولعن آكله وموكله وكاتبه، ومن كان على كتابته شاهد وحاضر، صلى الله عليه وعلى آله الجواد الكرام، وصحابته المتورعين عن أكل الحرام، وتابعيهم بإحسان في هذا المقام وكل مقام، ومن تبع سبيله وعلى منهجهم استقام، وأشهد أن لا إله إلا الله شهادة لم يحققها عبدُالدرهم والدينار، ولم يكملها آكل الربا المتوعَّد بالنار وبئس القرار، وأشهد أن محمدًا عبدالله ورسوله المبعوث؛ ليتمم مكارم الأخلاق، ويطهر النفوس من الجشع والطمع وردئ الأخلاق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم صلاة مستمرة دائمة إلى يوم التلاقِ؛ أما بعد عباد الله:
فأوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ * وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [البقرة: 278 - 281].
عباد الله:
جريمة الربا من أفجع الجرائم وأبشعها، وأخبث أنواع الظلم وأفظعها؛ حيث يستغل الإنسان أخاه الإنسان أسوأ استغلال، في الوقت الذي هو مطالب بمعونته، وتفريج كربته، وإقالة عثرته؛ ليعيش مثله عيشة كريمة.
إنه مثال صارخ لشريعة الغاب، الذي يأكل القوي فيها الضعيف، ويشبع ويتخم فيها الكبار من لحوم ودماء الصغار.
ولذلك حرمته الشرائع السماوية، ومَقَتَهُ عقلاء المفكرين وإن أباحته الأنظمة الأرضية؛ لذلك جاء الزجر الشديد، والوعيد الأكيد للمرابين، بل وللمتعاملين معهم من الفقراء والمحتاجين.
قال الله تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275]، وقال سبحانه: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: 276]، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 278، 279].
وقال سبحانه: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} [الروم: 39].
وقال سبحانه: {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 160، 161].
عباد الله، هذه مقتطفات من آيات الربا:
ومنها يظهر قبح هذه الجريمة والكبيرة من كبائر الذنوب التي لم يتهدد الله عز وجل ويتوعد مرتكب كبيرة كمرتكب جريمة الربا.
ومن ذلك التهديد والوعيد:
1- أن آكل الربا لا يقوم يوم القيامة إلا كما يقوم المجنون والمسوس؛ ذلك أنه جُنَّ بجمع المال، ولم يراعِ فيه حقًّا ولا حرمة، ولا حدًّا من حدود الله، فكان الجزاء من جنس العمل.
ومنه:
2- أن الله يمحق الربا؛ أي يذهب بركته حسًّا ومعنًى:
أما الحس، فإنه يذهب ويزول وإن ظهر أنه كثير؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الربا وإن كثُر، فإن عاقبته تصير إلى قلٍّ»[1]؛ (رواه الحاكم).
وأما المعنى، فقلة البركة وفقدان السعادة، وغشيان الهموم والتعاسة في المعيشة، وإن سلم من ذلك، فإن غدًا نار جهنم تُنسِيه كل ما تمتع به في الدنيا من نعيم.
ومنه:
3- إعلان الحرب من الله على الأمة التي استحلت الربا والأفراد المستحلين، وهذا الحرب ليس فقط محصورة على الزلازل والبراكين، ولا الخسف والمسخ، ولا القحط وقلة الأمطار، أو الفيضانات أو العواصف، وكل ذلك قد يكون من حرب الله، ولكنَّ هناك حربًا أخرى لا نشعر بها من الذل والهوان وتسلط الأعداء: «إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»[2]، ومنه الغلاء وارتفاع الأسعار، ومنه الوباء وانتشار الأمراض الغريبة، ومنه تفشي البغضاء والعداوة بين الناس، فهذا كله من حرب الله على العصاة من عباده، وكله موجود وللأسف، وليس هنا من يسعى لإيقاف هذا الحرب.
ومنه:
4- أنه سبب لِما جرى على بني إسرائيل من تحريم بعض الطيبات في الدنيا، والعذاب الأليم في الآخرة.
تلك بعض عقوبات الربا في القرآن.
وأما عقوبات الربا في الحديث؛ فمنها:
1. أنه من أكبر الكبائر، بل من السبع الموبقات؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اجتنبوا السبع الموبقات» ، قالوا: يا رسول الله، وما هن؟ قال: «الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات»[3].
2. أن اللعنة تشمل كل من تعامل به أو كان له علاقة بمعاملته؛ عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لعن الله الربا وآكله وموكله وكاتبه وشاهده وهم يعلمون»[4].
3. أن قليله ككثيره في المقت، بل إنه أفظع من الزنا، والوقوع على المحارم؛ روى الإمام أحمد والطبراني بسند صحيح عن عبدالله بن حنظلة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ قال: «درهم ربًا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنيةً»[5].
الحمد والثناء.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71].
عباد الله:
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الربا ثلاثة وسبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وأن أربى الربا عِرض الرجل المسلم»[6].
تعليق:
ومن تلك الأبواب:
1. القرض بالفائدة.
2. الإيداع مع أخذ الفوائد.
3. أذونات الخزانة.
4. بيع العينة.
هذه من الأبواب الظاهرة، ومن الأبواب التي تخفى على الناس بيع الذهب بالذهب، مع زيادة لأحد الطرفين، زيادة الطعام بالطعام من الجنس الواحد، الطعام نسيئة مع جنس آخر، شراء أو بيع الذهب بالريالات دينًا، تبادل العملات بغير قبض.
[1] رواه أحمد 1/ 395، برقم 3754، الحاكم في المستدرك 2/ 43، برقم 2262.
[2] رواه أبو داود 3/ 274، برقم 3462.
[3] رواه البخاري 3/ 1017، برقم 2615، مسلم 1/ 92 برقم 89.
[4] رواه البخاري برقم 1597، ومسلم برقم 1598، وزيادة "وهم يعلمون" ليست في الصحيحين.
[5] رواه أحمد 5/ 225 برقم 22007.
[6] رواه الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود "صحيح".
______________________________________________________
الكاتب: الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم