هل كان علي الوردي يفكر فيما يقول؟!

محمد جلال القصاص

سمّى أشهر كتبه بهذا الاسم "مهزلة العقل البشري"!!
ورفض أن يتسلم جائزة الدولة التقديرية قائلًا: لا فضل لي في شيء وإنما البيئة هي التي أعطتني!!

  • التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -

 

في كتابه "مهزلة العقل البشري" نظّر الدكتور علي الوردي لفكرةٍ اشتهر بها، وهي أن الإنسان مُجبر على أفعاله. والجبر عنده من البيئة التي يعيش فيها الإنسان. يقول: يتشكل عقل الإنسان من خلال الشائع في بيئته. فلا عقل لإنسان وإنما تبعيه مطلقة لما هو شائع. هكذا يتكلم، ولذا سمّى أشهر كتبه بهذا الاسم "مهزلة العقل البشري"!!
ورفض أن يتسلم جائزة الدولة التقديرية قائلًا: لا فضل لي في شيء وإنما البيئة هي التي أعطتني!!

 والسؤال: هل كان علي الوردي وحده في البيئة التي نشأ فيها؟
 ألم يكن معه آخرون في ذات الزمان والمكان.. كأخوتِه وأبناء عمومته، وجيرانه، وأقرانه؟ فلماذا لم يكونوا مثله إذًا؟

أليس يخرج من البيت الوحد.. من أبناء ذات الأب وذات الأم من يؤمن ومن يكفر؟!

ألم يكن علي الوردي يفكر فيما يقول؟
أم كان لا يريد أن يفكر فيما يقول!!

حين تضع السيرة الذاتية للدكتور علي الوردي وما نُشر له من كتبٍ ومقالات ولقاءات تلفزيونية بين يديك وتعيد النظر فيها مرة بعد مرة، وتحاول أن تفهم السياق الذي أفرزه،  والمآلات التي ترتبت على دعم الناشرون لبعض ما كتب. تجد أن علي الوردي وقع على مقولة غربية حديثه وهي "حتمية البيئة" أو أن الإنسان ابن بيئته، أو "قوانين الاجتماع الإنساني" بتعبير ابن خلدون الذي عمل عليه في الماجستير والدكتوراة. فظن أن البيئة الجديدة (الليبرالية الأمريكية التي علمته في الماجستير والدكتوراة) ستجتاح العالم، وتعيد تشكيله من جديد.. وأن هذا حتم لازم!

مدحه أستاذة الأمريكي. فأذاب بالمدح مناعته الفكرية، ومن ثم تبني قولهم وجاء إلينا داعيًا لهم ومبشرًا بدينهم!! والناس خلف أهوائهم لا قناعاتهم. فالهوى (النفس وما تحب) يستدعي من الأدلة ما يوافقه، وقلّ أنت تجد منصفًا يتعاطى مع الدليل بتجرد.

ولتعرف أن قوةَ علي الوردي جاءت من الآلة التي دعمته. وأن هذه الآلة اختارت بعض ما كتب الوردي لا كل ما كتب. بمعنى أنها انتقت ما يوافق هواها هي وقامت بنشره. فالفاعل الحقيقي هو صاحب الفكرة... الفاعل الحقيقي هو صاحب الأدوات... الفاعل الحقيقي دعم فكرته من خلال شخص علي الوردي، ولتعرف أن علي الوردي لو فكر فيما قال لسكت وما تكلم!!

 لتعرف هذا دعني أعرض عليك المثال الأول الذي استحضره دليلًا على الفكرة الغربية التي تبناها، وهي ظاهرة شيوع الانحراف الجنسي (الشذوذ) في العالم [ينظر: مهزلة العقل البشري ص11-12]. يقول ظهر بعوامل اجتماعية بحتة تتمحور حول غياب المرأة عن الرجل، كما في حالة البحارة الذين يبتعدون عن نسائهم شهورًا، والجنود، والرهبان، والأماكن التي ينتشر فيها الحجاب إن أدى إلى فصل تام بين الرجال والنساء.
ولو فكر قليلًا ما تكلم بهذا، بل ولقال: "سبحانك هذا بهتان عظيم".
ودعنا نتأمل النموذج القرآني لهذه الظاهرة الاجتماعية وهم قوم لوط؛ ونتأمل، كذلك، الواقع الذي نعيشه وعاشه علي الوردي نفسه، لتعلم أنه لم يكن يفكر جيدًا فيما يقول:

ظهر الشذوذ في قوم لوط، عليه السلام، مع أن الرجال لم يفارقوا النساء.
 واستُحدثت الظاهرة فيهم ولم تكن فيمن قبلهم 
{﴿وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَد مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢٨﴾}   [سورة العنكبوت:الآية 28] . بمعنى أنها لم تكن بأسباب وراثية (جينية).
وقد أورد الإمام السيوطي في تفسيره (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) ج3، ص496. أن الفاحشة ظهرت في قوم لوط من شخص إبليس نفسه حين تمثل لهم غلامًا حسن المنظر ومكنهم من نفسه. تمامًا كما ظهرت عبادة الأصنام في قوم نوح من الشيطان حين تمثل لهم غلامًا وصور لهم الصالحين ثم نحتهم لهم وأغراهم بعبادتهم، وتمامًا كما ظهر الفاحشة في الجيل الأول من أبناء آدام، وعشرات الأمثلة. فالشيطان حاضر وهو داعية الكفر والفسوق والعصيان، بل هو (الشيطان) من الأسباب المباشرة لظهور الكفر والفسوق بين الناس.

والمثال الثاني الذي غفل عنه علي الوردي هو المجتمعات الغربية التي عاش فيها ردحًا من الزمن، فقد انتشرت الفاحشة فيهم مع أن الرجال لا يفارقون النساء، بل يخالطون النساء متى شاءوا.

والسؤال: أكان يتدبر في آيات الذكر الحكيم؟
أكان يتدبر في الواقع الذي يعيشه؟!

 

د. محمد جلال القصاص