نداء إلى أهل ليبيا بعد مقتل القذافي وسقوط نظامه
ملفات متنوعة
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
الحمد لله معز المؤمنين، وناصر أوليائه المتقين، ومذل الطغاة ومهلك المستكبرين، الحمد لله الذي قال في كتابه الكريم {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}[القصص:5]. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّـهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7]. والصلاة والسلام على قائد الغر المحجلين، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين
أما بعد:
فنحمد الله تعالى على ما منّ به من هلاك عدو الله القذافي وانتهاء القتال، وزوال حكم الظلم والعدوان، {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 45]. ونسأل الله تعالى أن يعامله بما يستحق، ونبارك للأمة الإسلامية عامة وإخواننا في ليبيا خاصة على هذا الانتصار العظيم، و إن هذا الانجاز العظيم بعد الجهاد الطويل والصبر النادر والتضحيات الضخمة ليعطي الأمل والتفاؤل بانتصار بقية الشعوب التي تجاهد لرفع الظلم، فلا يأس ولا قنوط من رحمة الله {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ}[الشعراء:227].
وهذه النهاية المفرحة -كنهاية من سبقه من الظالمين- هي رسالة لكل حاكم ظالم باغ، و إنذار لكل من لا يطبق دين الله، وإن هذه الأخبار المفرحة تزيدنا تفاؤلا بنصر الله مهما طال الزمن ومهما عظمت المصائب و تكالبت المحن {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّـهِ حَقٌّ ۖ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ}[الروم:60]. وتزيدنا يقيننا بأن {الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} [هود:49]. وهي رسالة للمتشائمين واليائسين ، فأين الظالمون الذين كانوا قبل عدة أشهر يسومون شعوبهم سوء العذاب .. {هلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا}[مريم: 98].
إن رابطة علماء المسلمين مع هذه الأحداث ومع ما يتوقع من مستقبلٍ للأوضاع والأحوال في ليبيا ومن منطلق الواجب الشرعي بالنصح للمسلمين تتوجه إلى أهل ليبيا -قادة ومسؤولين، ومقاتلين، وعامة- داعية لهم أن يراعوا أمورًا ومسائل شرعية مهمة وهي:
أولًا: إن المحافظة على النصر -الذي تحقق بفضل الله تعالى- واجب محتم، وهذا لا يكون إلا بالتواضع لله تعالى، وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًَا مطأطئًا رأسه تواضعًا لله تعالى، ومن ثم فإننا نوصي إخواننا بحمد الله والثناء عليه وشكره على ما أنعم به مع التوبة إلى الله، وكثرة الاستغفار، ومراقبة الله في السر والعلن {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللَّـهِ} [النحل: 53]. {وَإِن تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]. {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم:7].
ثانيًا : الحرص على الوحدة واجتماع الكلمة، وخاصة بين القبائل، والمناطق والمدن، والقرى، والحذر من الاختلاف والفرقة والعصبيات الجاهلية، التي يدعو إليه الشيطان، فإنها تؤدي إلى الخسارة والبوار، وقطف الأعداء لثمرة الجهاد، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103]. وقال: {وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ ۚ إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَْ وَاصْبِرُوا} [الأنفال: 46]. وقال صلى الله عليه وسلم لماّ بعث مُعاذًا وأبا موسى إلى اليمن: « » (متفق عليه).
ثالثًا: الحذر من إعطاء الفرصة للأعداء، الذين يطمعون في السيطرة على البلاد، والتحكم في نظامها، والاستئثار بخيراتها، وأهم من ذلك صدهم للمسلمين عن دينهم الذي هو مصدر عزتهم وقوتهم سعادتهم في الدنيا والآخرة.
رابعًا: من أعظم ما يحقق الاجتماع والاستقرار ويدرأ الفرقة، صرف النظر عن الدماء التي أريقت بين القبائل في هذه الحرب، وعن مطالبة أحد لأحد بشيء منها، وذلك بالعفو المتبادل بين القبائل وأهل القرى والمدن، وعلى أهل ليبيا أن يقتدوا في ذلك بمواقف الصحابة -رضي الله عنهم- حين جرت الفتنة فيعفو إلاّ عمن ثبت إجرامه من بقايا رؤوس الحكومة السابقة ، فللأمة محاكمة هؤلاء ومحاسبتهم ومعاقبتهم كل بما يستحقه، ومما يحقق الاستقرار أيضًا دعوة المسؤولين في ليبيا الناس للعودة إلى القرى التي فرّ عنها أهلها، والتعاون على البناء والإصلاح حتى تستقر الأحوال وتهدأ النفوس.
خامسًا: وبعدما تقدم نوصي حكومة ليبيا القادمة وعموم الشعب الليبي بالتمسك بكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والتعاون على ما يحقق الانتماء للإسلام، ومن أهم ما يُنَبَّه إليه في هذا المقام؛ محافظة المرأة المسلمة على آدابها الإسلامية، في خلقها ولباسها، والحذر من الانسياق مع الدعوات التغريبية، التي تستهدف إخراج المرأة المسلمة عن حدوها الشرعية، والزج بها في تقليد المرأة الغربية.
كما نوصي في هذا المقام عموم المسلمين أن يسندوا إخوانهم في ليبيا، ويمدوهم بكل ما يمكن مما يعينهم في أمر دينهم ودنياهم، ولا سيما في ظروفهم الحاضرة، وأن يكونوا لهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (متفق عليه). وقال صلى الله عليه وسلم: « » (رواه البخاري ومسلم).
نسأل الله تعالى الهداية والتوفيق للجميع، وأن يجنب جميع بلاد المسلمين الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يول عليهم من يقيم فيهم دين الله، ويحكم فيهم شرعه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رابطة علماء المسلمين
23/11/1432هـ
الموقعون على البيان:
1. الأمين الحاج محمد أحمد (السودان) رئيس الرابطة.
2. د.عبد الرحمن بن صالح المحمود (السعودية) نائب رئيس الرابطة.
3. محمد سيديا النووي (موريتانيا) نائب رئيس الرابطة.
4. د. ناصر بن سليمان العمر(السعودية) أمين عام الرابطة.
5. د.عبد العزيز بن عبد المحسن التركي (السعودية) مساعد أمين الرابطة.
6. د. عبد المحسن زبن المطيري (الكويت) مساعد أمين الرابطة.
7. د. ناصر بن يحيى الحنيني (السعودية) عضو الهيئة العليا للرابطة.
8. عبد الوهاب الحميقاني (اليمن) عضو الهيئة العليا للرابطة.
9. عبد الله الأثري (تركيا) عضو الهيئة العليا للرابطة.
10. عدنان أمامة (لبنان) عضو الهيئة العليا للرابطة.
11. د. شوفكت كوسوفا (كوسوفا) عضو الهيئة العليا للرابطة.
12. محمد عبد الكريم (السودان) عضو الهيئة العليا للرابطة.
13. عادل الحمد (البحرين) عضو الهيئة العليا للرابطة.