قدر القرآن الكريم أنه ( شجرة مثمرة)
محمد سيد حسين عبد الواحد
من أحب أن يتعرف على نشأة الخلق، وعلى تاريخ الأمم من قبلنا أسماء وصفاتا ومواقف وأحداثا من يود أن يتعظ ويعتبر ويستفيد من تجارب الناس من قبلنا، يجد ضالته في القرآن الكريم
- التصنيفات: التفسير -
أيها الإخوة الكرام: من قبل ألف وأربعمائة وخمس وأربعين سنة، والقرآن الكريم، كتاب رب العالمين، نزل على خاتم الأنبياء والمرسلين أودع الله تعالى فيه الهداية،وفيه الرحمة، وفيه الشفاء، وفيه الهدى، وفيه النور ﴿ {وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } ﴾
كل طالب حاجة: يجد ضالته وحاجته في القرآن الكريم..
من أحب أن يتعرف على ربه، على خالقه، على رازقه ففي القرآن الكريم تعريف واضح العنوان بالخالق العظيم سبحانه وتعالى { ﴿ وَجَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَآءَ ٱلْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ ۖ وَخَرَقُوا۟ لَهُۥ بَنِينَ وَبَنَٰتٍۭ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾﴿ بَدِيعُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۖ أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُۥ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُۥ صَٰحِبَةٌ ۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَىْءٍ ۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَىْءٍ عَلِيمٌ ﴾﴿ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبُّكُمْ ۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ خَٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍ فَٱعْبُدُوهُ ۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ وَكِيلٌ ﴾}
من أحب أن يتعرف على نشأة الخلق، وعلى تاريخ الأمم من قبلنا أسماء وصفاتا ومواقف وأحداثا من يود أن يتعظ ويعتبر ويستفيد من تجارب الناس من قبلنا، يجد ضالته في القرآن الكريم {﴿ وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةً وَٰحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴾ ﴿ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ ٱلْجِنَّةِ وَٱلنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴾﴿ وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنۢبَآءِ ٱلرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِۦ فُؤَادَكَ ۚ وَجَآءَكَ فِى هَٰذِهِ ٱلْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ ﴾}
المهموم يجد أسباب تفريج الهم في القرآن الكريم { ﴿ وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًا ﴾﴿ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمْرِهِۦ ۚ قَدْ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَىْءٍ قَدْرًا ﴾ }
المغموم يجد المتنفس لغمه، ويجد نجاته في القرآن الكريم {﴿ وَذَا ٱلنُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَٰضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِى ٱلظُّلُمَٰتِ أَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنتَ سُبْحَٰنَكَ إِنِّى كُنتُ مِنَ ٱلظَّٰلِمِينَ ﴾ ﴿ فَٱسْتَجَبْنَا لَهُۥ وَنَجَّيْنَٰهُ مِنَ ٱلْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُۨجِى ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾}
المذنب يجد أمله،ورجاءه، وطوق نجاته في القرآن الكريم {﴿ قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا۟ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾}
المريض يجد دواءه وشفاءه في القرآن الكريم {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدْ جَآءَتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَآءٌ لِّمَا فِى ٱلصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾ }
وفي القرآن الكريم الجواب الشافي عن سؤال الفقراء لماذا هم فقراء وغيرهم أغنياء؟ وفيه الجواب الكافي عن سؤال الضعفاء لماذا هم ضعفاء وغيرهم أقوياء {﴿ وَقَالُوا۟ لَوْلَا نُزِّلَ هَٰذَا ٱلْقُرْءَانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ﴾﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ۚ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَٰتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ۗ وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ ﴾}
في القرآن الكريم بيان الحق من الباطل، فيه بيان الحلال من الحرام { ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَٰبَ تِبْيَٰنًا لِّكُلِّ شَىْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ ﴾ }
القران الكريم: هو كما وصفه النبي عليه الصلاة والسلام فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ هُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ هُوَ الَّذِي مَنْ تَرَكَهُ مِنْ جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ وَمَنْ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسِنَةُ وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ وَلَا يَخْلَقُ عَنْ كَثْرَةِ الرَّدِّ وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْتَهِ الْجِنُّ إِذْ سَمِعَتْهُ أَنْ قَالُوا { { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا }} هُوَ الَّذِي مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ
قال عامر بن عبد قيس : أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن فما أبالي ما أصبح عليه وأمسي..
أما الأولى فقوله تعالى { (مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم)}
وأما الثانية فقوله تعالى : {(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) }
وأما الثالثة فقوله تعالى : {( سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا )}
وأما الرابعة فقوله تعالى : {( وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا)}
وعلى الرغم من كل هذا
إلا أن القرآن الكريم من يوم أن نزل وإلى آخر الزمان سيبقى وهو يتعرض لأشرس وأعنف الهجمات،ذلك أن القذف بالحجارة هو قد كل ( شجرة مثمرة) قال الله تعالى {﴿ يُرِيدُونَ أَن يُطْفِـُٔوا۟ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفْوَٰهِهِمْ وَيَأْبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوْ كَرِهَ ٱلْكَٰفِرُونَ ﴾ }
لم يسلم كتاب الله تعالى يوما واحدا، من سفيه حاقد يقول فيه ما ليس فيه، لم يسلم يوما واحدا من جاهل كاره يصفه بما ليس فيه { ﴿ وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُوٓا۟ إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ إِفْكٌ ٱفْتَرَىٰهُ وَأَعَانَهُۥ عَلَيْهِ قَوْمٌ ءَاخَرُونَ ۖ فَقَدْ جَآءُو ظُلْمًا وَزُورًا ﴾ ﴿ وَقَالُوٓا۟ أَسَٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ٱكْتَتَبَهَا فَهِىَ تُمْلَىٰ عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ ﴿ قُلْ أَنزَلَهُ ٱلَّذِى يَعْلَمُ ٱلسِّرَّ فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾}
لم تمر ساعة من الساعات ولا لحظة من اللحظات إلا ومرضى القلوب وسفهاء العقول في الشرق والغرب يعلنون معاداته ويمزقون أوراقه، ويقطعون أوصاله، ويحرقون صفحاته.. ﴿وَٱللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰٓ أَمْرِهِۦ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾
رأينا مَن يشككُ في القرآنِ، أو يطعنُ في بعضِ آياتِه؛ أو يحمّلُها ما لا تحتملُ مِن أفكارٍ ومعتقداتٍ وأباطيل؛ ولقد سخرَ اللهُ عزّ وجلّ رجالًا في هذه الأمةِ في كلِّ مكانٍ وزمانٍ للدفاعِ عن كتابِه مِن تحريفِ الغالين وانتحالِ المبطلين؛ وهذا ما أخبرَ به الصادقُ المصدوقُ ﷺ ؛ قَالَ: ««يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ؛ يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلين»»
تظاهر أولئك الذين لا يؤمنون بالله ربا ولا بالإسلام دينا ولا بمحمد رسولا تظاهروا بالقدرة على معارضة القرآنالكريم، وعلى الإتيان بمثله، فعجزوا وفشلوا في أن يأتوا بسورة من مثله فشلا ذريعا، فقالوا فيه قولا سيئا {﴿ وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ ءَايَٰتُنَا قَالُوا۟ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَآءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَٰذَآ ۙ إِنْ هَٰذَآ إِلَّآ أَسَٰطِيرُ ٱلْأَوَّلِينَ ﴾}
ذكر كثير من المفسرين أن القائل لهذا القول: النضر بن الحارث فإنه كان قد ذهب إلى بلاد فارس والروم فأحضر منها قصصا عن الملوك والأمراء..
ولما قدم مكة ووجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلو القرآن قال للمشركين: لو شئت لقلت مثل هذا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من مجلس، جاء بعده النضر بن الحارث فجلس فيه وحدث المشركين بأخبار ملوك الفرس والروم.. ثم يقول: أينا أحسن قصصا؟ أنا أو محمد؟
وقفت قريش أمام صدق القرآن الكريم عاجزين، دهشوا من فصاحته وبيانه وبلاغته، أخذوا من هيبته وحكمته ودقته، ورأوا أنفسهم أقزاما أمام هذا الكمال العظيم ، لكن لحاجة في نفوسهم عارضوه وكذبوه وقالوا فيه ما ليس فيه..
جاءَ أبو جهل يستمعُ قراءةَ النبيِّ ﷺ مِن الليلِ، هو وأبو سفيانَ صَخْرُ بنُ حَرْبٍ، والأخْنَسُ بنُ شِريْقٍ، ولا يشعرُ واحدٌ منهم بالآخرِ. فاستمعُوها إلى الصباحِ، فلمّا هَجَمَ الصبحُ تَفرَّقُوا، فجمعتهُم الطريقُ، فقالَ كلٌّ منهم للآخر: ما جاءَ بك؟
فذكرَ له ما جاءَ له ثم تعاهدوا ألّا يعودُوا، لما يخافون مِن علمِ شبابِ قريشٍ بهم، لِئَلّا يفتتنُوا بمجيئِهم..
فلمّا كانت الليلةُ الثانيةُ جاءَ كلٌّ منهم ظَنًّا أنّ صاحبيهِ لا يجيئان، لما تقدمَ مِن العهودِ، فلمَّا أجمعُوا جمعتهُم الطريقُ، فتلاومُوا، ثم تعاهدُوا ألّا يعودُوا. فلمّا كانت الليلةُ الثالثةُ جاؤوا أيضًا، فلمّا أصبحوا تعاهدوا ألّا يعودوا لمثلِهَا ثم تفرقوا، فلمّا أصبحَ الأخنسُ بنُ شَرِيقٍ أخذَ عصاهُ، ثم خرجَ حتى أتَى أبا سفيانَ بنَ حربِ في بيتِه، فقال: أخبرنِي يا أبا حَنْظَلةَ عن رأيكَ فيمَا سمعتَ مِن مُحمدٍ؟ قال: يا أبا ثعلبةَ، واللهِ لقد سمعتُ أشياءَ أعرفُهَا وأعرفُ ما يُرادُ بها، وسمعتُ أشياءَ ما عرفتُ معناهَا ولا ما يرادُ بها..
قال الأخنسُ: وأنا والذي حلفتَ به. ثم خرجَ مِن عندِه حتى أتَى أبا جهلٍ، فدخلَ عليه في بيتِه فقالَ: يا أبا الحكم، ما رأيُكَ فيما سمعتَ مِن مُحمدٍ؟ قال: ماذا سمعت؟ تنازعنَا نحن وبنو عبدِ منافٍ الشرفَ: أطعمُوا فأطعمنَا، وحملُوا فحملنَا، وأعطُوا فأعطينَا، حتى إذا تَجاثينَا على الرُّكَبِ، وكنا كَفَرَسي رِهَانٍ، قالوا: منّا نبيٌّ يأتيهِ الوحيُ مِن السماءِ! فمتى ندركُ هذه؟ واللهِ لا نؤمنُ به أبدًا ولا نصدقهُ..
فخلَا الأخنسُ بأبي جهلٍ فقال: يا أبا الحكم، أخبرنِي عن مُحمدٍ: أصادقٌ هو أم كاذبٌ؟ فإنّه ليسَ هاهنا مِن قريشٍ غيرِي وغيرُكَ يسمعُ كلامَنَا. فقالَ أبو جهلٍ: ويحكَ! واللهِ إنّ مُحمدًا لصادقٌ، وما كذبَ مُحمدٌ قط، ولكن إذا ذهبتْ بنو قُصيّ باللواءِ والسقايةِ والحجابِ والنبوةِ، فماذا يكونُ لسائرِ قريشٍ؟
فذلك قولهُ: {{ قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ }}
في سورة المدثر آيات يتوعد الله فيها صنديدا من صناديد قريش وهو الوليد بن المغيرة، توعده الله تعالى بقوله {﴿ ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴾ } وكان الوليد يقول عن نفسه أنا الوحيد بن الوحيد وكان الوليد يلقب فى قومه بالوحيد . . لتفرده بمزايا ليست فى غيره - فتهكم الله - تعالى - به وبلقبه ، وصرف هذا اللقب من المدح إلى الذم ..
{﴿ وَجَعَلْتُ لَهُۥ مَالًا مَّمْدُودًا ﴾} وكان الله تعالى قد وسع عليه فكان الوليد أحد أغنى أغنياء مكة { ﴿ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴾ } وكان له من البنين ثلاثة عشر رجلا كلهم يشهدون مجالس قريش {﴿ وَمَهَّدتُّ لَهُۥ تَمْهِيدًا ﴾} بسط الله له.ويسر له أسباب الرياسة والزعامة بين الناس {﴿ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴾} كان يطمع في النبوة بدلا من محمد صلى الله وسلّم على نبينا محمد، وقيل كان بخيلا حريصا،وقيل كان شرها لا يقنع {﴿ كَلَّآ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِءَايَٰتِنَا عَنِيدًا ﴾} قال مقاتل : مازال الوليد بعد نزول هذه الآية فى نقص من ماله وولده حتى هلك ..
{﴿ سَأُرْهِقُهُۥ صَعُودًا ﴾} قال النبي عليه الصلاة والسلام : " ال(صعود) جبل من نار يصعد الوليد بن المغيرة فيه سبعين خريفا ثم يهوى فيه كذلك أبدا " .
السؤال يقول: لماذا كل هذا؟؟
والجواب في هذا الموقف ومن بعده هذه الآيات عن ابن عباس قال دخل الوليد بن المغيرة على أبي بكر بن أبي قحافة فسأله عن القرآن فلما أخبره خرج الوليد على قريش فقال يا عجبا لما يقول ابن أبي كبشة ( يقصد رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم) قال فوالله ما هو أي ( القرآن) فوالله ما هو بشعر ولا بسحر ولا بهذي من الجنون وإن قوله هذا الذي سمعته لمن كلام الله...
فلما سمع بذلك النفر من قريش ائتمروا وقالوا والله لئن صبأ الوليد لتصبو قريش، فلما سمع بذلك أبو جهل بن هشام قال أنا والله أكفيكم شأنه..
فانطلق حتى دخل عليه بيته فقال للوليد ألم تر إلى قومك قد جمعوا لك الصدقة..
فقال ولم؟ ألست أكثرهم مالا وولدا؟
فقال أبو جهل يتحدثون أنك إنما تدخل على أبي بكر بن أبي قحافة لتصيب من طعامه فقال الوليد أقد تحدث به عشيرتي؟! فلا والله لا أقرب أبا بكر ولا عمر ولا ابن أبي كبشة وما قول محمد يقصد (القرآن) وما قول محمد إلا سحر يؤثر..
فلما قال ما قال: أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هذه الآيات { ﴿ ذَرْنِى وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا ﴾﴿ وَجَعَلْتُ لَهُۥ مَالًا مَّمْدُودًا ﴾﴿ وَبَنِينَ شُهُودًا ﴾﴿ وَمَهَّدتُّ لَهُۥ تَمْهِيدًا ﴾﴿ ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ ﴾﴿ كَلَّآ ۖ إِنَّهُۥ كَانَ لِءَايَٰتِنَا عَنِيدًا ﴾ ﴿ سَأُرْهِقُهُۥ صَعُودًا ﴾﴿ إِنَّهُۥ فَكَّرَ وَقَدَّرَ ﴾﴿ فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾﴿ ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ ﴾﴿ ثُمَّ نَظَرَ ﴾﴿ ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ ﴾﴿ ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ ﴾﴿ فَقَالَ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ ﴾﴿ إِنْ هَٰذَآ إِلَّا قَوْلُ ٱلْبَشَرِ ﴾﴿ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ ﴾﴿ وَمَآ أَدْرَىٰكَ مَا سَقَرُ ﴾﴿ لَا تُبْقِى وَلَا تَذَرُ ﴾﴿ لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ ﴾﴿ عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ ﴾}
قلت: وهذه سنة الله تعالى في شأن كل من عادى القرآن الكريم فكذب بآياته، أو سخر بسوره ، أو مزق أوراقه، أو فرق أوصاله..
أن يشتت الله شمله، وأن يمزق الله ملكه، ويجعل عاقبته عاقبة سوء في الدنيا قبل الآخرة..
قال الله تعالى {﴿ وَكَذَٰلِكَ نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنۢ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ۚ وَلَعَذَابُ ٱلْءَاخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰٓ ﴾}
نسال الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظ القرآن الكريم، وأهل القرآن الكريم، وأن يكتب الخير والهداية للناس أجمعين إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..
الخطبة الثانية
بقى لنا في ختام الحديث ان نقول: يومنا هذا هو اليوم العاشر من شهر المحرم
يوم عاشوراء:
ورد فى الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون عاشوراء فلما سألهم عنه قالوا يوم صالح وإن موسى صامه شكراً لله تعالى إذ هو اليوم الذي نجا فيه موسى وبنو اسرائيل من فرعون، وغرق فيه فرعون وجنده فى اليم
فصامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر المسلمين بصيامه وقال نحن أحق بموسى منهم ).
قال ابن عباس ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم فضله على غيره إلا يوم عاشوراء
وقالت أم المؤمنين حفصة أربع لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن صيام يوم عاشوراء وصيام عشر ذى الحجة وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وصلاة ركعتي الضحى .
قال الإمام ابن حجر لما فتحت مكة واشتهر أمر الإسلام، أحب عليه الصلاة والسلام مخالفة أهل الكتاب قال بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِع قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أما ثواب صيام عاشوراء فقال فيه النبى صلى الله عليه وسلم صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله"
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور أبصارنا وذهاب همومنا وغمومنا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.