الاسترخاء.. علاج التوتر والقلق
في ظل نمط الحياة الذي يسود عصرنا يتعرض الإنسان إلى المزيد من القلق والتوتر وإرهاق الأعصاب بدرجة تكون في كثير من الأحيان أقوى من قدراتنا على التحمل.
- التصنيفات: تزكية النفس - تنمية المهارات -
في ظل نمط الحياة الذي يسود عصرنا يتعرض الإنسان إلى المزيد من القلق والتوتر وإرهاق الأعصاب بدرجة تكون في كثير من الأحيان أقوى من قدراتنا على التحمل.
وللتوتر أعراض مرضية متعددة الأشكال بدءاً من صداع بسيط وصولاً إلى حدوث قرحة في المعدة مروراً بكل أنواع الآلام في المفاصل وفقرات العمود الفقري ومختلف درجات الضغط وتصلب الشرايين ؛ إذ يرتبط القلق والتوتر مباشرة بتغيرات في عدد من الوظائف الجسمية الحيوية كدرجة الشد والتوتر العضلي في عضلات الجبهة والرأس أو الكتف أو الظهر أو الساعدين أو غيرها من العضلات، وأيضاً درجة الحرارة المحيطية في أصابع اليدين أو القدمين حيث تزداد برودة اليدين في حالة التوتر والقلق.. وتزداد حرارتها مع الراحة والاسترخاء، إضافة إلى عدد من الوظائف الأخرى مثل دقات القلب والضغط والتعرق.. فكيف نتخلص من التوتر والقلق ونعيد إلى حياتنا الراحة والهدوء؟!
يقول الخبراء والمختصون: الاسترخاء أحد أهم الأساليب المضادة للتوتر والقلق.. وقد عرفته معظم الشعوب منذ وقت طويل. و اكتشف العالَم الغربي أهمية الاسترخاء.. واستطاع تطوير بعض البرامج والأساليب الفردية والجماعية والأجهزة.. والتي تستخدم الآن على نطاق واسع بوصفها بديلاً للعلاج الدوائي في بعض الحالات، أو بوصفها أسلوباً مساعداً في علاج الاضطرابات النفسية والجسمية.
وبوجهٍ عام فإننا في العالم الإسلامي نمتلك أحسن أساليب الاسترخاء في الذكر والصلاة.
أما أساليب الاسترخاء الحديثة فتقوم على جملة من التمارين والتدريبات البسيطة التي تهدف إلى إراحة الجسم والنفس وذلك عن طريق التنفس العميق وتمرين الجسم كله على الارتخاء وزوال الشد العضلي.
وفي التأمل يستخدم الاسترخاء الذهني لتنظيم الوظائف البدنية والنفسية. أما في استرخاء العضلات المتدرج وفي التنفس العميق فإن الاسترخاء البدني يستخدم لتحقيق الهدوء النفسي والذهني.
• متى تلجئين إلى الاسترخاء؟
بمجرد الإحساس بالتعب والتوتر الذي قد يصادفك في المنزل أو في العمل اتجهي على الفور إلى حجرة هادئة ذات أضواء خافتة، اخلعي حذاءك، تمددي على الأرض أو على أي شئ مستوٍ، ويمكنك الاستناد بطرف ساقيك على دعامة عالية تقع في مستوى أعلى قليلاً من مستوى الجسم.
• كيف تتنفسين بطريقة صحيحة؟
العديد ممن يعانون من اضطرابات القلق النفسي يتنفسون نفساً غيرَ عميق، وهذا ما يؤدي إلى زيادة اضطرابات القلق لديهم. حيث يعكس التنفس مستوى التوتر الذي يحمله الجسم مباشرةً تحت التوتر، وفي هذه الحالة يكون التنفس ضحلاً و سريعاً ويحدث في أعلى الصدر، أما عند الاسترخاء فالتنفس يكون أعمق، وبشدة أكثر، ويكون من البطن حيث إنه من الصعب أن تتنفسي من بطنك وأنتِ في حالة توتر.
وحتى تتعلمي الطريقة الصحيحة للتنفس عليك بالتمرين التالي:
• بداية هذا التمرين إما بالاستلقاء على الظهر على الأرض أو الوقوف في وضع استقامة أو الجلوس على كرسي والظهر مستقيم، إذا كان هذا أكثر راحة لك. مع وضع اليدين على منطقة البطن (المعدة).
• يتم التنفس بشكل طبيعي وعادي مع ملاحظة الأيدي أو الصدر وهى ترتفع مع التنفس. وللتأكد من أن التنفس يتم بشكل صحيح، لابد وأن ترتفع منطقة البطن كلما تمدد الحجاب الحاجز.
• لابد من البدء بالتنفس البطيء عن طريق الأنف مع العد حتى خمسة في حين تدفع الأيدي برفق لأعلى مع حركة البطن (المعدة) لأعلى.
• حبس النفس مع العد من: 1 إلى 5.
• إخراج الزفير ببطء من الفم مع العد من: 1 إلى 5 في حين الضغط على البطن برفق للداخل.
• تَكرار نفس الخطوات لمدة خمس دقائق.
إذا داومت على التنفس بهذه الطريقة سوف تقومين بأدائها بشكل طبيعي طَوال اليوم.
• من فوائد هذا التمرين أنه بمجرد الاعتياد عليه، تستطيعين القيام به مع نوبات القلق التي من الممكن أن تنتابك وحينئذ ستشعرين بالاسترخاء التام.
• لا تغضبي أو تستسلمي إذا لم تستطيعي أداءه بطريقة صحيحة لأنه يحتاج إلى ممارسة ووقتاً.
• تمارين للتخلص من التوتر:
(1) استلقي على السرير أو على الأرض متمددةً مع ثَنْىِ الركبتين، ضعي اليدين على القفص الصدري، أغلقي عينيك، استنشقي الهواء بعمق مع ملء أعلى الرئتين أولاً ثم استمري في استنشاق الهواء حتى تمتلىء رئتاك بالكامل، احبسي الهواء داخل الرئتين فترة مناسبة من الزمن، وبعدها اطردي الهواء بقوة من الرئتين.
انتظري مدةً كافيةً أخرى قبل استنشاق دفعة جديدة من الهواء.... يكرر هذا التمرين ثماني مرات على الأكثر.
(2) أخذ وضع الركوع على الأرض بملامسة الركبتين وكف اليدين لها مع الاحتفاظ باستقامة الظهر وعدم خفض الجزء العلوي من الجسم أو الرأس.
- اتجاه أصابع اليدين للداخل في مواجهة الركبتين بحيث تكون أصابع الإبهام للخارج (أي وضع عكسي).
- ملامسة أصابع القدم للأرض.
- إمالة الجسم للخلف مع الإحساس بشد الجزء الأمامي لساعديك.
- البقاء على هذا الوضع لمدة 20 ثانية ثم الاسترخاء وتكرار الإطالة.
- تَكرار التمرين عدة مرات.
• أوضاع النوم والاسترخاء الصحيحة:
** الاستلقاء على الظهر في وضع استقامة.
** الوسادة لابد أن تكون لينة وغير مرتفعة (بحيث تحافظ على استقامة الرقبة مع العمود الفقري وتساعد على الانحناءة الصحيحة للعنق.
** ثني ركبتي الأرجل وملامسة القدمين للفراش.
** الحفاظ على استقامة الظهر للتخلص من أية آلام.
** وضع الذراعين بجانب الجسم في حالة استرخاء.
والنوم بهذا الشكل الصحيح يساعد الجسم على التحرر من أية علاماتٍ للقلق أو الإرهاق أو الآلام.
• فوائد:
لا يحقق الاسترخاءُ النومَ الطبيعيَّ فحسب ولكنه يتعدى هذا المطلب السهل إلى تحقيق فوائد أخرى كثيرة ذات أثرٍ كبيرٍ على استقرار حياة الفرد:
• الاسترخاء وسيلةٌ فعالةٌ لاكتساب القدرة للتغلب على مشاكل الحياة اليومية.
• يعطي الإنسانُ قدرةً على التحكم بنفسه، إضافةً إلى التأثير المباشر والفوري للاسترخاء في الراحة العامة وزوال التوتر.
• يعمل الاسترخاء على إعادة بناء التوازن للعمليات الحيوية عن طريق علاج التوتر العضلي والنفسي كما يعمل على تقليل آثار التوتر العصبي على جميع أعضاء الجسم.
• عن طريق الاسترخاء يمكنك التنفيس عن جميع الطاقات المعاكسة التي تعرقل مجهوداتك وهو خطوة نهائية لتحقيق الصفاء النفسي.
ويضيف أساتذة الطب النفسي والخبراء فوائد أخرى للاسترخاء منها:
** التقليل من حالة القلق بشكل عام، فالكثير من الأشخاص الذين قاموا بممارسة الاسترخاء لاحظوا أن درجات الهلع قد تقلصت وتغيرت عن السابق.
** الاسترخاء يحد من حالات القلق ومن تَكرارها بطريقة فجائية وقوية حيث إن التوتر القويَّ يميل إلى الزيادة طَوال الوقت، وعليكِ أن تدعي جسدَك يُشفى من هذا القلق بإجراء التمارين يومياً حيث إن النومَ نفسَه يمكن أن يفشلَ في كسر دورة التوتر التراكمية.
** الاسترخاء يعمل على زيادة الطاقة والإنتاجية، فالإنتاجية تكون قليلة ومحدودة أثناء شعور الإنسان بالقلق بحيث يبدو الإنسان وكأنه يعمل ضد نفسه.
** الاسترخاء يحسن الذاكرة والتركيز حيث إنه من المعلوم أن الاسترخاء العميق سيزيد من قدرة الشخص على التركيز وبالتالي الإبداع.
** الاسترخاء يقلل الأرق والإجهاد، ويجعلك تنام بشكل أفضل وأعمق.
** زيادة الثقة بالنفس وتقليل لوم الذات حيث إن الكثير من الناس يكثرون من لوم أنفسهم بسبب الضغط والتوتر.
** زيادة القدرة على الإحساس بالمشاعر، حيث إن العضلات المشدودة والمتوترة تعطل عمل الإحساس وتعيق وعي الإنسان التام لمشاعره.
• التغيرات الناتجة عن الاسترخاء:
توصل العالم (هيربرت بينسون) إلى عدد من النتائج الإيجابية بوصفها استجابة للاسترخاء وهي تشمل سلسلة من التغيرات الوظيفية للجسم منها:
** تقليل معدل ضربات القلب.
** تخفيض معدل التنفس.
** تخفيض ضغط الدم.
** التقليل من الشد العضلي الكبير.
** التقليل من استهلاك الأكسجين.
** زيادة نشاط أشعة (ألفا) في الدماغ.
وهناك عدد من الحالات التي تستفيد من تدريبات وتمرينات وجلسات الاسترخاء.. ومنها حالات الشدة والضغط النفسي (stress) وحالات القلق والتوتر العام والمخاوف والآلام العضلية المتنوعة والحالات الوسواسية..
وبالطبع فإن الاسترخاء ليس دواءً شافياً لجميع الأمراض.. ولكنه يمكن أن يكون وسيلة علاجية ناجحة إلى جانب أساليب علاجية أخرى.
لا تقتصر فائدة تمارين الاسترخاء على ما تحصلين عليه في النهاية من صفاء ذهني وراحة جسدية هائلة ولكن الأمر يتعدى هذا بكثير حيث تشعرين بتأكيد الذات والثقة بالنفس للبدء من جديد وأنت خالية الذهن واثقة الخطو صافية النفس.
اعرفي إذاً كيفية الاسترخاء ولا تنتظري أوقات الشدة أو التوتر العصبي حتى تبدئي في أداء تمارين الاسترخاء، بل ابدئي على الفور واجعلي منها عادة يومية حتى تكسبي رفيقاً طيباً يمكنك بمساعدته مواجهة صعاب الحياة اليومية.
ولا تنسي أننا نمتلك أحسن أساليب الاسترخاء في الذكر والصلاة فقد قال الرسول _ صلى الله عليه وسلم_ «جعلت قرة عيني في الصلاة»، وكان إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة، وكان يقول لبلال «أرحنا بها يا بلال»، ولا تنسي قول الله تعالى {ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.