حديث: لا ضرر ولا ضرار

عبد القادر بن شيبة الحمد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ»؛ (رواه أحمد).

  • التصنيفات: الحديث وعلومه - النهي عن البدع والمنكرات -

عنه رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا ضَرَرَ ولا ضِرَارَ»؛ رواه أحمد، وابن ماجه، وله من حديث أبي سعيد مثله، وهو في الموطأ مرسل.

 

المفردات:

وعنه؛ أي: وعن ابن عباس رضي الله عنهما.

لا ضرر ولا ضرار: قال ابن منظور في لسان العرب: ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا ضرر ولا ضِرار في الإسلام»، قال: ولكل واحد من اللفظين معنى غير الآخر، فمعنى قوله: لا ضرر؛ أي: لا يضرُّ الرجل أخاه، وهو ضد النفع، وقوله: ولا ضِرار؛ أي: لا يضار كل واحد منهما صاحبه؛ فالضِّرار منهما معًا، والضرر فعل واحد.

 

ومعنى قوله: ولا ضرار؛ أي: لا يدخل الضرر على الذي ضرَّه، ولكن يعفو عنه؛ كقوله عز وجل: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فصلت: 34]، قال ابن الأثير: قوله: لا ضرر؛ أي: يضر الرجل أخاه فينقصه شيئًا من حقِّه، والضِّرار فِعَال من الضَّرر؛ أي: لا يجازيه على إضراره بإدخال الضرر عليه، والضرر فعل الواحد، والضرار فعل الاثنين، والضرر ابتداءُ الفعل، والضِّرار الجزاء عليه، وقيل: الضرر ما تضر به صاحبك وتنتفع أنت به، والضرر أن تضرَّه من غير أن تنتفع، وقيل: هما بمعنى، وتكرارها للتأكيد؛ اهـ.

 

وله؛ أي: ولابن ماجه، وسأشير في البحث إلى أن هذا وَهْم، فلم يخرجه ابن ماجه من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.

 

أبو سعيد: هو الخدري رضي الله عنه.

مثله؛ أي: مثل حديث ابن عباس رضي الله عنهما.

وهو؛ أي: حديث لا ضرر ولا ضرار.

 

مرسل؛ أي: من طريق مالك، عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه يحيى، عن عمارة أبي حسن، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ويحيى تابعي.

 

البحث:

أخرج ابن ماجه حديث ابن عباس من طريق جابر الجعفي عن عكرمة، عن ابن عباس، وجابر الجعفي متهم.

 

وقال ابن ماجه: حدثنا عبدربه بن خالد النميري أبو المغلس، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا موسى بن عقبة، ثنا إسحاق بن يحيى بن الوليد، عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى ألا ضرر ولا ضرار.

 

قال في الزوائد: في حديث عبادة هذا إسناد رجاله ثقات إلا أنه منقطع؛ لأن إسحاق بن الوليد قال الترمذي وابن عدي: لم يدرك عبادة بن الصامت، وقال البخاري: لم يلقَ عبادة؛ اهـ.

 

ولم يخرج ابن ماجه هذا الحديث من طريق أبي سعيد رضي الله عنه، فالظاهر أن قول المصنف: "وله من حديث أبي سعيد مثله" وَهْم، وقد تتبعت سننَ ابنِ ماجه فلم أجدْه فيه من طريق أبي سعيد، وقد تبِع الصنعاني في سبل السلام المصنفَ في هذا الوهم، كما تابعَهما على ذلك الشوكاني في نيل الأوطار؛ حيث قال: قال ابن كثير: أمَّا حديث: «لا ضرر ولا ضرار»؛ فرواه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت، وروى من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري، وهو حديث مشهور؛ اهـ.

 

ثم قال الشوكاني: وهو أيضًا عند ابن ماجه، والدارقطني، والحاكم، والبيهقي، من حديث أبي سعيد؛ اهـ.

 

ولا خلاف عن مالك رحمه الله في إرساله هذا الحديث عن عمرو بن يحيى المازني، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال الزيلعي في نصب الراية: قوله صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»؛ روي من حديث عبادة بن الصامت، وابن عباس، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وأبي لبابة، وثعلبة بن مالك، وجابر بن عبدالله، وعائشة رضي الله عنهم.

 

وقال الحافظ زين الدين العراقي في تخريج أحاديث مختصر المنهاج: حديث: «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام»؛ ابن ماجه من حديث ابن عباس وعبادة بن الصامت، دون قوله: في الإسلام، وكذا رواه الحاكم من حديث أبي سعيد، وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم؛ اهـ.

 

وقد أخرج الدارقطني حديث: «لا ضرر ولا ضرار» عن عائشة رضي الله عنها من طريق الواقدي، وأخرجه من حديث ابن عباس، وفي سنده عنده إبراهيم بن إسماعيل، وهو ابن أبي حبيبة، وفيه مقال.

 

وقال الدارقطني: نا إسماعيل بن محمد الصغار، نا عباس بن محمد، نا عثمان بن محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبدالرحمن، نا عبدالعزيز بن محمد، عن عمرو بن يحيى، عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرار»؛ اهـ.

 

وقد رواه الحاكم في المستدرك من حديث عثمان بن محمد بن ربيعة بسند الدارقطني ومتنه، وزاد في آخره: «من ضر ضره الله، ومن شق شق الله عليه»؛ وقال: صحيح الإسناد.

 

وقد أخرجه الدارقطني كذلك من حديث أبي هريرة من طريق أحمد بن محمد بن زياد، نا أبو إسماعيل الترمذي، نا أحمد بن يونس، نا أبو بكر بن عياش قال: أراه قال: عن ابن عطاء، عن أبيه، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا ضرر ولا ضرورة، ولا يمنعن أحدُكم جارَه أن يضع خشبه» على حائطه، وهذا الحديث مع كثرة طرقه لم يخلُ طريقٌ منها مِن مقالٍ، ومع ذلك فإن معناه وهو دفع الأذى والضرر عن النفس والغير، وعدم المضارة - هو من قواعد الأصولية التي أطبق على القول بها علماءُ الإسلام، مستنبطين ذلك من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويحكمون على كثير من الحوادث بها؛ ففي كتاب الله عز وجل: {وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: 6]، وكذلك قوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} [البقرة: 233]، وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ} [النساء: 12]، وقوله تعالى: {وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ} [البقرة: 282]، وكما قرن عز وجل الضرار بأكبر الذنوب؛ حيث قال: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ} [التوبة: 107]، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن إماطة الأذى عن الطريق صدقة، في أخبار كثيرة تقرر أنه لا يحل لمسلم أن يُلحِق ضررًا بنفسه أو بغيره، والله أعلم.