اسم الله الرحيم (بين المعنى والمغزى)

محمد سيد حسين عبد الواحد

نحن اليوم على موعد لنتحدث عن اسم ثالث من أسماء الله الحسنى، نتعرف معناه، وندرك مغزاه، ونتعبد إلى ربنا به، ونعيش في رياضه ساعة تسع ببركتها الدنيا والآخرة..

  • التصنيفات: الأسماء والصفات -

العناصر الأساسية: 
العنصر الأول: دلالة اسم الله (الرحيم) 
العنصر الثاني: اسم الله (الرحيم)  في القرآن والسنة. 
العنصر الثالث: الواجب العملي الذي يدعوننا إليه إيماننا باسم الله ( الرحيم). 
                                   الموضوع 
أما بعد فيقول رب العالمين سبحانه وتعالى { ﴿ وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَ ۖ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَآدَّ لِفَضْلِهِۦ ۚ يُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِۦ ۚ وَهُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾}

أيها الإخوة الكرام:  نحن اليوم على موعد لنتحدث عن اسم ثالث من أسماء الله الحسنى، نتعرف معناه، وندرك مغزاه، ونتعبد إلى ربنا به، ونعيش في رياضه ساعة تسع ببركتها الدنيا والآخرة.. 

اليوم نتعايش مع المعنى والمغزى لاسم الله (الرحيم) قال الله تعالى {﴿ نَبِّئْ عِبَادِىٓ أَنِّىٓ أَنَا ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾}

اسم الله (الرحيم) هو أحد أعظم أسماء الله الحسنى، أحد أعظم الصفات العلا لله سبحانه وتعالى، اسم الله (الرحيم) يحمل من الكرم الإلهي، ومن الرأفة الإلهية ، ويحمل من الشفقة، والرأفة، ويحمل من المسامحة الإلهية لعباد الله المؤمنين الشيء الكثير.. 

هو سبحانه الرحيم الذي خلق، هو الرحيم الذي رزق، هو الرحيم الذي هدى، هو الرحيم الذي خلق السموات والأرض، هو الرحيم الذي جعل الظلمات والنور، هو الرحيم الذي سخر الشمس والقمر دائبين، وجعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكورا..

  {﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَآءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ ﴾﴿ قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ ﴿ وَمِن رَّحْمَتِهِۦ جَعَلَ لَكُمُ ٱلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا۟ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِهِۦ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾}

اسم الله ( الرحيم) هو أحد أكثر الأسماء الحسنى حضورا في حياتنا اليومية،  يحضر على ألسنتنا، ويمر كريما على أسماعنا، وفي صلواتنا، وفي دعواتنا، وفي أورادنا، وفي ترتيلنا للآيات البينات آناء الليل وآناء النهار.. 

{﴿ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾﴿ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلْعَٰلَمِينَ ﴾﴿ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾﴿ مَٰلِكِ يَوْمِ ٱلدِّينِ ﴾﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾}

اسم الله ( الرحيم) يحملنا حملا على حسن الظن بالله تعالى، ويحملنا حملا على الثقة في سعة عفوه وعظيم كرمه سبحانه وتعالى، وخذوا على ذلك مثالا: 

ورد اسم الله (الرحيم) في القرآن الكريم مقرونا باسم الله ( الرحمن) كما في قوله تعالى ﴿هُوَ ٱلرَّحْمَٰنُ ٱلرَّحِيمُ ﴾ للدلالة على سعة الرحمة.. 

وهنا نتوقف قليلا لنقول: 
إن بين اسم الله ( الرحمن)  وبين اسم الله ( الرحيم)  تقارب وبينهما تباعد نسبي طفيف .. 

أما التقارب فإن الله تعالى هو (الرحمن) والله تعالى هو( الرحيم) 
ومن التقارب بينهما أن اسم الله (الرحمن)  مشتق من الرحمة، واسم الله (الرحيم) مشتق أيضا من الرحمة.. 

 ومن التقارب بين اسم الله ( الرحمن)  وبين اسم الله (الرحيم) أنهما من صيغ المبالغة وإن كان الرحمن أبلغ من الرحيم لأن زيادة المبنى تفيد زيادة المعنى.. 

أما التباعد النسبي الطفيف بين اسم الله ( الرحمن)  وبين اسم الله ( الرحيم) فسببه أن اسم الله الرحمن أوسع من اسم الله الرحيم، اسم الله الرحمن يستهدف المؤمن ويستهدف غير المؤمن، ويصيب الرحمن برحمته الصالح وغير الصالح.. 

أما الرحيم فهو خاص فقط بالمؤمنين ولا يستهدف غيرهم ولذلك قال الله تعالى عن نفسه {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}

ومن أسباب التباعد النسبي الطفيف بين اسم الله ( الرحمن)  وبين اسم الله ( الرحيم) أن عمل اسم الله الرحمن في الدنيا أوسع من عمله يوم القيامة، أما عمل اسم الله الرحيم فهو يوم القيامة أوسع من عمله في الدنيا.. 

ومن  أسباب التباعد النسبي الطفيف بين اسم الله ( الرحمن)  وبين اسم الله ( الرحيم) أن الله تعالى يأذن أن يتسمى الإنسان ب( الرحيم) قال الله تعالى عن رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم {﴿ لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾}
 أما اسم (الرحمن) فهو اسم على الذات الإلهية لا يشاركه فيه أحد،ولا يتسمى به إلا الله سبحانه وتعالى..

قلت: وكما ورد اسم الله ( الرحيم) مقرونا باسم الله ( الرحمن)  ورد اسم الله ( الرحيم) أيضا مقرونا باسم الله ( التواب) { ﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ﴾} للدلالة على عظيم الكرم، وورد اسم الله (الرحيم) مقرونا باسم الله ( الرؤوف) {﴿إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾} للدلالة على سعة إشفاقه سبحانه وتعالى على عبده، وورد مقرونا باسم الله ( الغفور) {﴿إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا ﴾} للدلالة على حبه سبحانه  وتعالى لأن يرحم ويغفر،  وورد مقرونا اسم الله ( الودود) {﴿ إِنَّ رَبِّى رَحِيمٌ وَدُودٌ ﴾} للدلالة على إقباله سبحانه وتعالى على عبده وعظيم وده، وورد مقرونا باسم الله (العزيز) {﴿وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ ﴾} تأكيدا على أن رحمة الله وكونه سبحانه وتعالى مع رحمانيته توابا ورؤوفا وغفورا وودودا إنما هو من باب الإنعام والإحسان من (الغني) الذي لا يقهر، ومن (القوي) الذي لا يغلب،  وورد اسم الله (الرحيم) في سورة الطور مقرونا باسم الله ( البر)... 

قال الله تعالى {﴿وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ ﴾﴿ وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ ﴾﴿ قَالُوٓا۟ إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِىٓ أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ ﴾﴿ فَمَنَّ ٱللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَىٰنَا عَذَابَ ٱلسَّمُومِ ﴾﴿ إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ ۖ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْبَرُّ ٱلرَّحِيمُ ﴾}

اسم الله (الرحيم) صيغة مبالغة على وزن فعيل فالله تعالى ( رحيم) بمعنى أن رحمته واسعة، لا تحدها حدود، ولا تحيط بها عقول البشر.. 
اسم الله (الرحيم) صيغة مبالغة على وزن فعيل فالله تعالى ( رحيم) بمعنى أن رحمته تسع الأولين وتسع الآخرين، تسع المحسنين، وتسع المذنبين، تسع جميع الخلائق مما نعلم ومما لا نعلم.. 
برحمته يعفو ويصفح، برحمته يغفر الذنب ويستر العيب، وبرحمته يتجاوز.. قال الشافعي عليه رحمة الله (فلما قسى قلبي وضاقت مذاهبي، جعلت الرجا مني لعفوك سلما، تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما) 

أخرج أصحاب السنن من حديث أَبي هُرَيْرَةَ قال: 
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ أَقْصِرْ..

 فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ أَقْصِرْ فَقَالَ خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟! 
فَقَالَ (المجتهد) وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ.. 
قال النبي عليه الصلاة والسلام فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ.. 
فَقَالَ ( الله) لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ أَكُنْتَ بِي عَالِمًا؟!
 أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا؟! 
وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ اذْهَبْ فَادْخُلْ الْجَنَّةَ بِ(رَحْمَتِي) 
وَقَالَ لِلْآخَرِ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ... 

لا تكاد سورة من سور القرآن الكريم إلا وتشتمل على اسم الله ( الرحيم) إن لم يكن في مفتتح السورة﴿ بِسْمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحْمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ ﴾ ففي سياق السورة وبين آياتها.. 

حتى سورة ( التوبة) لم يرد اسم الله الرحيم في بدايتها لحكمة استأثر الحكيم العليم بعلمها، لكن في سياق سورة التوبة وبين آياتها ذكر اسم الله الرحيم (مرتين) منهما قوله سبحانه وتعالى {﴿ وَعَلَى ٱلثَّلَٰثَةِ ٱلَّذِينَ خُلِّفُوا۟ حَتَّىٰٓ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوٓا۟ أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ ٱللَّهِ إِلَّآ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ ﴾}

مع اسم الله (الرحيم) لا يحق لعبد مؤمن أن ييأس من رحمة الله { ﴿ قُلْ يَٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُوا۟ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا۟ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ ﴾}

«قال أبو بكر رضى الله عنه لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ: يا رسول الله: عَلِّمْنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي صَلاَتِي فقَالَﷺ “قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِي مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحَمْنِي إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ» ”

مع اسم الله (الرحيم) املنا في ربنا بحر ليس له شاطئ فلن يعذب الله قلبا آمن به، ولن يعذب الله عبدا أحبه، ولن يعذب الله إنسانا اتقاه، مع اسم الله (الرحيم) نحن لا نخشى الموت، ولا نكره لقاء الله تعالى، بل إننا مع اسم الله (الرحيم) نحب لقاء الله عز وجل، ذلك أننا لم نجد الخير إلا من الله سبحانه وتعالى...

 عَنْ عُمَرَ رضى الله عنه قال : ««قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ سَبْيٌ، فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ تبتغي وليدا لها وتسعى ،حتى إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فأَخَذَتْهُ، فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ» .. 
قال عمر فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا: لاَ، وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لاَ تَطْرَحَهُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلّم: «لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا» »

يرحم الوالد ولده، وتعطف الوحش على مولودها، وترفع الفرس حافرها عن ولدها خشية أن تؤذيه، مرورا برحمة الطير على فرخه.. كل ذلك بجزء واحد من الرحمة التي خلقها الله تعالى وجعلها مائة جزء يرحم الله ب(المآئة جزء) عباده يوم القيامة،حتى ورد أن الشيطان ليتطاول يوم القيامة يظن أن رحمة الله ستسعه في ذلك اليوم ..  

عن أبي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ «"جَعَلَ اللَّهُ الرَّحْمَةَ مِائَةَ جُزْءٍ فَأَمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ جُزْءًا وَأَنْزَلَ فِي الْأَرْضِ جُزْءًا وَاحِدًا فَمِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ يَتَرَاحَمُ الْخَلْقُ حَتَّى تَرْفَعَ الْفَرَسُ حَافِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبَهُ» "
نتعبد إلى الله تعالى باسمه(الرحيم)، نتقرب إلى الله تعالى باسمه ( الرحيم) 
ولذلك لم يكن مجلس من مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلّم يخلو من ذكر الله تعالى، ولم يكن ذكر يخلو من اسم الله ( الرحيم) 
قال عبد الله بن عمر رضى الله عنهما «" إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَجْلِسِ الْوَاحِدِ مِائَةَ مَرَّةٍ: قوله «رَبِّ اغْفِرْ لِي، وَتُبْ عَلَيَّ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ»»

ذلك ان الحياة الدنيا لا يطيب العيش فيها إلا برحمة الله، وإذا قامت الساعة فلا نجاة فيها هى الأخرى إلا برحمة الله قال النبي صلى الله عليه وسلّم « (لَا يُدْخِلُ أَحَدَكُمْ الْجَنَّةَ عَمَلُهُ وَلَا يُنَجِّيهِ عَمَلُهُ مِنْ النَّارِ قِيلَ وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا بِرَحْمَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) »

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير. 

الخطبة الثانية 
بقي لنا في ختام الحديث عن اسم الله (الرحيم) بدلالاته، ومعناه، ومغزاه..  بقى لنا أن نقول: 
وماذا يراد منا؟  
وما الواجب العملي الذي يدعوننا إليه إيماننا باسم الله ( الرحيم)

إيماننا باسم الله (الرحيم) يدعونا إلى أن يرحم بعضنا بعضا، فالأقوياء يرحمون الضعفاء، والأغنياء يرحمون المساكين والفقراء، والأصحاء يرحمون أهل البلاء، والكبار يرحمون الصغار قال النبي ﷺ: « «الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ »»

إيماننا باسم الله (الرحيم) يدعونا إلى أن نجتمع ولا نفترق، إيماننا باسم الله (الرحيم) يدعونا إلى أن نتعاون فيما اتفقنا فيه، و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيع ، إيماننا باسم الله (الرحيم) يدعونا إلى أن نتصالح فيما بيننا ولا نتخاصم ولا يهجر بعضنا بعضا، فلا يحل لمسلم ان يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض ذاك وخيرهما الذي يبدأ بالسلام.. 
قال الله تبارك وتعالى {﴿ إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا۟ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾}

إيماننا باسم الله (الرحيم) يدعونا لأن نتحلى بالتراحم والتسامح  في سائر أمورنا قال النبي عليه الصلاة والسلام « ( رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى)»

إيماننا باسم الله (الرحيم) يدعونا لأن نحسن الظن بربنا سبحانه وتعالى فلا نظن به إلا خيرا..

نحسن العمل: ومع حسن العمل نحسن الظن أنه سبحانه وتعالى سيتقبلنا، نظن أنه سيعفو عنا، نظن أنه سيرحمنا ويشملنا بواسع رحمته..  

يَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ في الحديث القدسي: «( أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ شِبْرًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا، وَإِنْ اقْتَرَبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا اقْتَرَبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) »

نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرحمنا برحمته، وان يصلح أحوالنا  ، وأن يحسن عاقبتنا في الدنيا والآخرة إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير..