صاحب المقام المحمود

إن الله سبحانه وتعالى أعلى مكانة النبي ﷺ، وأعطاه من المكارم والفضائل ما أعطاه، ما يدل على عظمته ﷺ، وقدره عند الله عز وجل، فهو أعظم مخلوق، وأشرف مبعوث، وأعظم مذكور،  {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ ‌عَلَيْكَ ‌عَظِيمًا}.

  • التصنيفات: محبة النبي صلى الله عليه وسلم -

إن الله سبحانه وتعالى أعلى مكانة النبي صلى الله عليه وسلم، وأعطاه من المكارم والفضائل ما أعطاه، ما يدل على عظمته عليه الصلاة والسلام، وقدره عند الله عز وجل، فهو أعظم مخلوق، وأشرف مبعوث، وأعظم مذكور،  {وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ ‌عَلَيْكَ ‌عَظِيمًا}  [النساء: 113]،  {إِنَّ فَضْلَهُ كَانَ ‌عَلَيْكَ ‌كَبِيرًا}  [الإسراء: 87]،  {أَلَمْ نَشْرَحْ ‌لَكَ ‌صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ}  [الشرح: 1: 4].

 

ولما كانت منزلته صلى الله عليه وسلم عند الله تعالى في الدنيا عظيمة ومكانته متميزة؛ أعطاه الله عز وجل في الآخرة من الخصائص التي لم يُعْطَ لأحد غيره؛ فهو أول من تنشقُّ عنه الأرض لكرامته عند الله عز وجل، وتقديمه على جميع العالمين، وهو سيد الأولين والآخرين؛ قال صلى الله عليه وسلم: «أنا سيدُ ولدِ آدمَ ولا فخر، وأنا أولُ من تنشقُّ الأرضُ عنه يومَ القيامةِ ولا فخر، وأنا أولُ شافعٍ وأولُ مشفَّعٍ ولا فخر، ولواءُ الحمدِ بيدي يومَ القيامةِ ولا فخرَ» [1]، وقال عليه الصلاة والسلام: «أنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَومَ القِيَامَةِ» [2].

 

وهو الذي قد اتصف بالصفات العلية، والمكارم البهية، والأخلاق السمية، الذي كمله الله عز وجل الكمال البشري، وأعطاه ما أعطاه من الخلال والفضائل، ومن عظيم منزلته عند ربه شهادته وأمته على الأمم {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ ‌أُمَّةً ‌وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}  [البقرة: 143].

 

ومن أعظم خصائصه، وأعظم فضائله، وأبرز ما يكون له يوم القيامة صلى الله عليه وسلم أن يعطيه الله تعالى المقام المحمود يوم المحشر {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ ‌نَافِلَةً ‌لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}  [الإسراء: 79].

 

{مَقَامًا مَحْمُودًا} : لا يكون إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، ولا يحيد عنه، يحمده الناس كلهم عليه.

 

والمقام المحمود كل ما يؤتاه النبي صلى الله عليه وسلم من المكارم والفضائل يوم القيامة، فمن أعظم ذلك الشفاعة العظمى التي لا تكون إلا له، وذلك عندما يشتدُّ على الناس هولُ الموقف، ودنوُّ الشمس منهم، فيهلكهم الحر، ويأخذهم العَرَق.

 

فيأتون الأنبياء ليشفعوا لهم عند ربهم حتى يقضي بين الناس، فيأتون آدم، ثم نوحًا، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، وكلهم يعتذر عنها: نفسي.. نفسي، اذهبوا إلى غيري حتى يذهبوا للنبي المصطفى والرسول المجتبى محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا رأى ربه وقع ساجدًا، فيدعو الله ما شاء، ويُلهَم التحميد ما لا يحصيه ذلك اليوم، فيقال له: يا محمد، ارفع رأسك، وسل تُعطَ، واشفع تشفَّع.

 

قال شيخ الإسلام رحمه الله: اتفق المسلمون على أنه صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق جاهًا عند الله تعالى، ولا جاه لمخلوق عند الله عز وجل أعظم من جاهه، ولا شفاعة أعظم من شفاعته عليه الصلاة والسلام.

 

وقد أعطى الله عز وجل نبينا صلى الله عليه وسلم أعظم حوض، وأحلاه، وأنماه، وأكثره واردًا، غياثًا لأمته، مَن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، قال عليه الصلاة والسلام: «حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ، ماؤُهُ أبْيَضُ مِنَ اللَّبَنِ، ورِيحُهُ أطْيَبُ مِنَ المِسْكِ، وكِيزانُهُ كَنُجُومِ السَّماءِ، مَن شَرِبَ مِنْها فلا يَظْمَأُ أبَدًا» [3].

 

ويعرف النبي صلى الله عليه وسلم أمته بسيماهم، غرًّا مُحجَّلين من آثار الوضوء، ومن عظيم فضله ومكانته ورحمته بأمته عليه الصلاة والسلام أن ادَّخر دعوته المستجابة لأمته يوم القيامة؛ قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لِكُلِّ نَبِيٍّ دَعْوَةٌ مُسْتَجابَةٌ، فَتَعَجَّلَ كُلُّ نَبِيٍّ دَعْوَتَهُ، وإنِّي اخْتَبَأْتُ دَعْوَتي شَفاعَةً لِأُمَّتي يَومَ القِيامَةِ، فَهي نائِلَةٌ إنْ شاءَ اللَّهُ مَن ماتَ مِن أُمَّتي لا يُشْرِكُ باللَّهِ شيئًا» [4].

 

ومن عظيم فضله ومكانته عند الله يوم القيامة أن جعل الله له لواء الحمد بيده؛ ليأوي إلى لوائه الأولون والآخرون من الأنبياء والصدقين والشهداء والصالحين.

 

عباد الله، إذا علمتم ما أعطاه الله عز وجل لنبينا صلى الله عليه وسلم من المكارم والفضائل؛ فلا بد أن تعلموا حقه عليكم من الإيمان به، وتصديق خبره، واتباع أمره، والتمسك بسنته، واتخاذه القدوة الحسنة، والصلاة عليه، ولا سيما عندما يُذكر عليه الصلاة والسلام.

 

ومحبته التي هي أصل من أصول الإيمان، وتقديم محبته على محبة كل مخلوق، وهي من واجبات الإيمان.

 

{قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ ‌إِنِّي ‌رَسُولُ ‌اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}  [الأعراف: 158]،  {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ ‌أُسْوَةٌ ‌حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}  [الأحزاب: 21]،  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ ‌وَسَلِّمُوا ‌تَسْلِيمًا}  [الأحزاب: 56].

 

فالنبي صلى الله عليه وسلم هو المنة الكبرى، والنعمة العظمى، بسنته نعرف الصراط المستقيم، وبسنته طريق الجنة وطريق الجحيم، لولاه لما عُرف دين ولا صراط مستقيم.

 

أصحابه خير الناس بعده، أوحى الله إليه أشرف كتاب، وبعثه إلى خير أمة إلى يوم القيامة، فتمسَّكُوا بسنته، واقتفوا أثره، وادرسوا أثره، واقرأوا حديثه تفلحوا  {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ‌مَا ‌عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}  [التوبة: 128].

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارك، وأنعم وأكرم على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

 

اللهم ارزقنا شفاعته، واجعلنا تحت لوائه، واسقنا من حوضه شربةً لا نظمأ بعدها أبدًا، واحشرنا في زمرته.

 


[1] صحيح ابن ماجه، 3496.

[2] البخاري، 4712.

[3] أخرجه البخاري (6579)، ومسلم (2292).

[4] مسلم، 199.

_______________________________________________________
الكاتب: سعد محسن الشمري