هَمَسات .. في كلمات ... (22)

سالم محمد

بفضل الله وتوفيقه لا زلنا في سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) وقد وصلت هذه الباقات إلى الباقة الحادية والعشرين:

  • التصنيفات: الطريق إلى الله -

بفضل الله وتوفيقه لا زلنا في سلسلة (هَمَسات .. في كلمات) وقد وصلت هذه الباقات إلى الباقة الحادية والعشرين:

الدعوة إلى الله من أشرف الأعمال وأنفعها للفرد والمجتمع ويتعدى نفعا الدنيا لتنفع صاحبها في الآخرة أيضًا، ووسائل الدعوة كثيرة ومتعددة، ولا زالت في ازدياد مع التقدم العلمي والصناعي والثورة العارمة في عالم الاتصالات، بحث أصبح حتى العامي بل والأمي يستطيع المساهمة في الدعوة إلى الله وبوسائل عديدة، مثل أعادة نشر المواد النافعة والدلالة عليها وغيرها، والكتابة كانت ولا زالت من الوسائل المهمة جدًا في الدعوة إلى دين الحق سبحانه، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، كما أنها وسيلة فعالة للرد على الحرب المستعرة على الإسلام والمسلمين، وكذلك الرد على الشبهات وتفنيدها وإبطالها والتحذير منها ومحاربتها، وكثير من أبناء المسلمين عنده مهارة الكتابة ولو بالقدر اليسير، لكن ما إن تبحث عن الكتابة في عالم النت حتى تجد سيل من المواد المكتوبة والمرئية وقبل ذلك الأسئلة الكثيرة حول قضية واحدة ألا وهي كيفية الربح المادي من الكتابة وكم دولارا ستحصل عليه مقابل المقالة الواحدة، أخي الشاب، يا أمة الله الكتابة ابتغاء وجه الله والجهاد في سبيله عن طريقها كل ذلك ربحه مضمون وعائدة لا يقدر بالدولات ولا الذهب، فأفيقوا يا شباب المسلمين، واكتبوا لتربحوا رضا الله والفوز بجنته، فأي ربح أعظم من ذلك.

---------------

جميع النفوس السوية والعقول السليمة، تشمئز وتنفر من الظلم، المشكلة أن المتبادر إلى أذهان الكثير عندما يذكر الظلم، هو القتل والاغتصاب خصوصًا للأطفال، والسرقة، وانتهاك الحرية وغيرها، لكن هناك نوعين من أنواع الظلم لا يكاد يُلفت إليها: أولها ظلم النفس، فمن جماليات ومحاسن وشمول الشريعة، أنها  تمنعك حتى من ظلم نفسك، وقبل ذلك تبين لك ما هي مجالات ظلم النفس، وما عواقبها، فظلم النفس يكون بترك الأوامر والوقوع في المعاصي، وهذا النوع من أنواع الظلم يغفل عنه كثيرا، لا سيما عند من يسمون أنفسهم الحقوقيون، وهو في الحقيقة شهوانيون والله المستعان، أما عن أعظم أنواع الظلم على الإطلاق فهو الشرك بالله تعالى: {{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }} (ووجه كونه عظيما، أنه لا أفظع وأبشع ممن سَوَّى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك من الأمر شيئا، بمن له الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالرب الكامل الغني من جميع الوجوه)[1] وللأسف فإن الأنظمة الوضعية الوضيعة كالديمقراطية مثلًا إن لم تدعو للشرك فإنها توفر البيئة الخصبة له وتشجع عليه.

---------------

جاء في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: (ورجل تصدق بصدقه بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله) ونحن اليوم في عالم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينشر الناس أعمالهم فتبلغ الآفاق، فترى من يحرم بالحج أو العمرة، ثم يصور نفسه بلباس الإحرام، وينشر صورته، ثم إذا انتهى صوَّر للناس صلعته إيذانا بانتها مراسم العمرة وهذا مثال فقط، لكن فضاء الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي مجال خصب لنشر الأعمال الصالحة بدون أن يعلم أحد، فتكون وسيلة رائعة لإخفاء الأعمال الصالحات بما في ذلك الصدقة ونشر العلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كل ذلك وأكثر يمكن عمله بدون أن يعلم بك أحد، حتى أقرب الناس إليك بل وحتى زوجتك التي تشاركك نفس الغرفة ونفس الفراش، فالذين حولك بما فيهم المقربين لا يدرون هل أنت تطلب علما أم تشاهد ملخص مباراة، ولا يشعرون هل أنت ترد على شبهة أم تعلب لعبة جماعية، ونفس الأمر في الجهاد بالمال حيث يكون  ببضع لمسات بيمينك لا تعلم عنها شمالك تتصدق وتنشر الخير وتجاهد وتفرج كربات وتقضي ديون وتعلم الناس وتساهم في علاجهم وغيرها كثير، فسبحان الله الذي يسر طرق الخير وفتح أبواب الجنة لعباده الصالحين.

---------------

بعث الله الأنبياء إلى الناس بالبينات والزبر (الكتب) فجاءوهم بالهداية والحق مقرون بالدليل مع إعلامهم بمآل من أعرض عن الحق وتوعُّدهم بالعذاب الأليم عند المخالفة: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) ، وكذلك حذروهم من الباطل وفضحوا تناقضه وفساده وعاقبة من أصر عليه، لكن لم يستجب كل المدعويين لهذا الحق الواضح، والبينات والحجج الساطعات والسبب ليس في ضعف الحجة أو عدم وضوحها، أو في قوة الباطل ووجاهة أدلته، هناك أسباب من أهمها: التكبر على الحق والتعالي على حملته وربما احتقارهم، كما قال الله:(فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ) فالمعرض عن الحق والمتكبر على طريق الهداية لا يقتنع ولو جئت له بعدد شعر رأسه أدلة ، لأنه جاحد للحق وليس باحثًا عنه {(وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)} بالمقابل طالب الحق يكفيه دليل واحد على طريق الهداية فيسلكها مباشرة ويتشبث بها وكأنه ضمآن في صحراء وقع في يديه ماء باردا، فتأمل في حال حبر اليهود عبدالله بن سلام رضي الله عنه «(أَوَّلُ ما قَدِمَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ انْجَفَلَ الناسُ إليه ، فكُنْتُ فِيمَن جاءَهُ ، فلما تَأَمَّلْتُ وجهَه واسْتَثْبَتُّهُ عَلِمْتُ أنَّ وَجْهَهُ ليس بوَجْهِ كَذَّابٍ) » الله أكبر مجرد تأمله في وجهه النبي صلى الله عليه وسلم علِمَ « (أنَّ وَجْهَهُ ليس بوَجْهِ كَذَّابٍ)» ومعرفة كثير من أهل الكتاب للحق مع الإعراض عنه لم تنفعهم «(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) » فنسأل الله الهداية للحق والثبات عليه.

---------------

الحمد لله من أعظم الميزان فـ «(الحمد لله تملأ الميزان) » كما أخبرنا الصادق المصدوق، كما أن:(أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، لا يضرك بأيهنَّ بدأت) فعلى المسلم أن يحمد الله في كل أحيانه، وأعظم هذه النعم الهداية إلى الإسلام فعليها مدار سعادة الإنسان وشقاؤه في الدنيا والآخرة، وإذا نظرنا في حال كثير من الناس الذين غلبت عليهم المادية والإغراق في الترفيه التافه وربما المحرم، ترى العجب العجاب، فمن شدة تعلقهم بهذه الأمور يحمدون الله على حصولها، ويحوقلون ويسترجعون عند فواتها، ويدعون الله بدعوات من صميم قلوبهم أن يوفقهم إليها، خذ مثلا على ذلك الفور في مباراة، تسمع بعدها الكثير يقول: (الحمد لله على الثلاث النقاط) والمهزومين يقولون: (الحمد لله على كل حال) وهذا ينسحب أيضا على الغناء والتمثيل والله المستعان، فترى الكثير من هؤلاء مقصر في كثير من الواجبات ومنغمس في الشهوات ولا يحرك لذلك ساكنًا، ويدعو الله ويرجوه أن ييسر له تفاهات مضرة، ويغفل عن أمر دنياه وأخراه والموت والحساب والجنة والنار.

---------------

والحمد لله الواحد الأحد، والصلاة والسلام على أشرف الخلق، وإلى اللقاء في الباقة الثالثة والعشرين بعون الله.

[email protected]

 

 

[1] تفسير السعدي