منازل الرحلة إلى بيت الله (خطبة مقترحة).

ملفات متنوعة

منازل الرحلة إلى بيت الله (خطبة مقترحة).


كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فالغرض من الخطبة: إثارة الهمم والشوق للسعي إلى بيت الله عز وجل.

مقدمة الخطبة:
- كثرة مواسم الخير في هذه الأمة: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ..} [البقرة: 185]. ينقلنا إلى {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197]. يكثر فيه النداء: "لبيك اللهم لبيك".

- رحلة الهجرة إلى الله تلبية للنداء: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].

- أعظم وأشرف اجتماع في أعظم بقعة: «انْظُرُوا إِلَى عِبَادِي أَتَوْنِي شُعْثًا غُبْرًا» (رواه أحمد والطبراني، وصححه الألباني).

- فما أعظمها من رحلة! يمر فيها الحجيج بمنازل عظيمة حتى يصلوا إلى بيت ربهم، وهي كمعالم الطريق لا بد للسائر من معرفتها قبل القصد والرحلة، وفي كل منزلة تذكرة وعبرة.

المنزلة الأولى: فهم موقع الحج من الدين:

- الحج فريضة الله على عباده: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} [آل عمران: 97]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ» (متفق عليه).

- الحج أفضل الأعمال: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «جِهَادٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» قِيلَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: «حَجٌّ مَبْرُورٌ» (متفق عليه).

- الحج ولادة جديدة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» (متفق عليه).

- الحج جهاد العاجز والمرأة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «جِهَادُ الْكَبِيرِ وَالضَّعِيفِ وَالْمَرْأَةِ: الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ» (رواه أحمد والنسائي، وقال الألباني: حسن لغيره).

- الحج عاقبته الجنة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ» (متفق عليه).

المنزلة الثانية: الشوق إليه:

- ويأتي بعد الفهم لموقع الحج استحضار أن البيت هو بيت الله عز وجل، وقاصده قاصد إلى الله وزائر له، والجزاء من جنس العمل، فجدير بمن زار بيته في الدنيا أن يرزق الزيارة العظمى برؤية وجهه سبحانه يوم القيامة، فعن صهيب الرومي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ اللَّه تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ» ثُمَّ تَلا هَذِهِ الآيَةَ: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (رواه مسلم).

- ولذا جعل البيت في أوعر البقاع: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم: 37].

- وأمر عباده بالسعي إليه: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].

- فتميز الصادقون بحبهم وبذلهم: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} [البقرة: 125]. {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} [إبراهيم: 37].

المنزلة الثالثة: العزم عليه:

- فيعلم بعزمه أنه مفارق للأهل والوطن، مفارق للشهوات والملذات، فيخلص عمله من كل شائبة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ حَجَّةٌ لاَ رِيَاءَ فِيهَا وَلاَ سُمْعَةَ» (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني). وقال شريح: "الحاج قليل، والركبان كثير".

- صدق عاجز خير من سعي كاذب: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ، بَلَّغَهُ اللَّهُ مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ» (رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ؟! قَالَ: «وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ، حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ» (رواه البخاري).

وقال الشاعر:
 

يا راحلين إلى البيت العتيق لقد سرتم جسومًا وسرنا نحن أرواحًا

إنا أقمـنا عـلى عـذر وقد رحلوا ومـن أقـام عــلى عــذر كمن راحا



المنزلة الرابعة: قطع العلائق المانعة منه:

معناه: رد المظالم والتوبة الخالصة لله تعالى قبل السعي، فكل مظلمة مثل غريم متعلق بتلابيبه ينادي عليه: أتقصد بيت ملك الملوك وأنت مضيع أمره؟! ألا تستحي أن تقدم عليه كذلك فيردك ولا يقبلك؟! قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلاَّ طَيِّبًا» (رواه مسلم).

- ومن العلائق: "إمساك المال، التعلق بالولد أو الأهل، ديون مستحقة"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الشَّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإِسْلامِ فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ، فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ، فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ، وَإِنَّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِرِ كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطِّوَلِ، فَعَصَاهُ فَهَاجَر، ثُمَّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: تُجَاهِدُ فَهُوَ جَهْدُ النَّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقَاتِلُ فَتُقْتَلُ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ، فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَمَنْ قُتِلَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، وَإِنْ غَرِقَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ» (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني). وقال صلى الله عليه وسلم: «الْوَلَدُ مَحْزَنَةٌ مَجْبَنَةٌ مَجْهَلَةٌ مَبْخَلَةٌ» (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

المنزلة الخامسة: إعداد الزاد والراحلة للسعي:

- ويقصد به: الأسباب المادية الموصلة للبيت الحرام.

- أما الزاد فهو أنواع: قال تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} [البقرة: 197].

- وليعلم أن زاد الدنيا ينقطع بالموت، أما زاد الآخرة..

- وأما الرحلة فهي أنواع أيضًا: قال تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: 27].

- وليعلم أن ركوبة الدنيا تذكر بركوبة الآخرة (النعش) وركوب الجنازة مقطوع به، وركوبة الدنيا مشكوك فيها.. فكيف يحتاط لهذا أكثر من هذا؟!

المنزلة السادسة: حضور البيت والآيات:

قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ . فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: 96-97].

- بناء الملائكة والأنبياء: قيل: بناه آدم، وقيل: بناه الملائكة، قال تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [البقرة: 127].

- اختار الله مكانه: قال تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [الحج: 26].

- فيه آيات بينات: "الحجر الأسود، زمزم، المقام، الملتزم، الصفا والمروة".

- العبادة فيه لا مثيل لها: قال صلى الله عليه وسلم: «صَلاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» (رواه أحمد، وصححه الألباني).
موقع صوت السلف