السفـاهـــة

حذر الرسول - ﷺ - منها:  «إنها ستأتي على الناس سنون خدَّاعة، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة» ، قيل: وما الرُّوبيضة ؟ قال: «السفيه يتكلم في أمر العامة»

  • التصنيفات: مساوئ الأخلاق -

معنى السفاهة:
السفه نقيض الحلم، وهو سرعة الغضب، والطيش من الأمور اليسيرة، والمسارعة للبطش، في العقوبة، والسب الفاحش.

ومما لا شك والإسراع فيه أن أساس هذا كله هو خفة العقل ونقصانه.
والسفه يكون في الأمور الدينية، والدنيوية.

أما كونه في الأمور الدينية والأخروية فدل عليه قول الله تعالى: 
{وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً}  [الجـن:4].
وقوله عز وجل: 
{سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [البقرة:142].
والمراد بالسفهاء هنا - كما أفاده السُّدِّيُّ - رحمه الله تعالى -: الكفار، والمنافقون، واليهود.

أما الكفار، فقالوا لما حُولت القبلة: رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا، فإنه علم أنا على الحق.

وأما أهل النفاق فقالوا: إن كان أولاً على الحق فالذي انتقل إليه باطل، وكذلك العكس.

وأما اليهود فقالوا: خالف قبلة الأنبياء، ولو كان نبيـًا لما خالف.

ولا شك أن هذه المقولات دالة على سفاهة أصحابها، وقلة عقولهم ؛ إذ غفلوا عن تصريف الله لأمور عباده كيف يشاء، وأن له سبحانه المشرق والمغرب، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

فالسفيه في هذا الجانب هو إنسانٌ رديء الفهم، سريع الذنب، خدعه شيطانه فجعله أسير الطغيان، دائم العصيان، أعاذنا الله من حاله.
ولهذا بيَّن الله تعالى سفاهة هؤلاء حين دعوا إلى الإيمان فقالوا: 
{أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ}، فقال الله عز وجل: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ} [البقرة: 13].

إذ لو كانوا أصحاب عقل راجح، ورأي سديد لعلموا أن ما دُعوا إليه هو الحق.

وأما السفاهة في الأمور الدنيوية فهي قلة التدبير وفساد الرأي والعمل بخلاف مقتضى العقل، ومن ذلك إنفاق السفيه ماله فيما لا ينبغي من وجوه التبذير، وعجزه عن إصلاحه والتصرف فيه بالتدبير.

ولهذا نهى الله تعالى عن إعطاء هذا الصنف الأموال يعبث بها كيف شاء، ويبددها على غير الوجه المقبول شرعـًا وعقلاً.. قال تعالى: 
{وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً} [النساء: 5].
 

الأزمنة الخداعة:

ويوم يتصدر السفهاء ويتكلمون باسم الأمة فقد أتت على الناس الأزمنة التي حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها:  «إنها ستأتي على الناس سنون خدَّاعة، يُصَدَّق فيها الكاذب، ويكذَّب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة» ، قيل: وما الرُّوبيضة ؟ قال: «السفيه يتكلم في أمر العامة»  (رواه ابن ماجة، وأحمد واللفظ له، وقال الشيخ شاكر - رحمه الله -: إسناده صحيح).

كما حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من إمرة السفهاء، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عُجْرَة:  «أعاذك الله من إمارة السفهاء». قال: وما إمارة السفهاء ؟ قال: «أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهدي، ولا يستنون بسنتي، فمن صدَّقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فأولئك ليسوا مني، ولستُ منهم، ولا يَرِدُون عليَّ حوضي، ومن لم يصدقهم بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني، وأنا منهم، وسيردون عليَّ حوضي» (رواه النسائي، والترمذي وقال: حسن غريب).

 

اجتناب السفيه:

إن أفضل السُّبل مع السفيه هو اجتنابه وعدم مخالطته أصلاً، ومن ابتلي بأحدهم فليحلم عليه، قال عمير بن خماشة يوصي بنيه: بَنِيَّ إياكم ومجالسة السفهاء ؛ فإن مجالستهم داء، من يحلم عن السفيه يُسَر، ومن يُجبْه يندمْ، ومن لا يرضى بالقليل مما يأتي به السفيه يرضى بالكثير .

وقال الشافعي - رحمه الله تعالى -:
يخاطبني السفيه بكل قُبْحٍ  **  فأكره أن أكون له مجيبـًا
يَزيد سفاهة فأزيد حِلْمـــــًا  **  كَعُودٍ زاده الإحراقُ طِيبـًا


وقانا الله تعالى شر السفاهة وأهلها.