وصية لمن فقد البركة

البركة شأنها شأن الرزق والهداية، يعطيها لمن يشاء، ويسلبها عمن يشاء، وكل ذلك وَفق حكمته وتدبيره، فلا تطلب البركة إلا من الله تعالى وحده

  • التصنيفات: الذكر والدعاء - - آفاق الشريعة -

البركة هي ثبوت الخير الإلهي في الشيء، قال تعالى:  {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ}  [الأعراف: 96]، فهي ملكٌ لله تعالى، شأنها شأن الرزق والهداية، يعطيها لمن يشاء، ويسلبها عمن يشاء، وكل ذلك وَفق حكمته وتدبيره، فلا تطلب البركة إلا من الله تعالى وحده، ويدلُّ على هذا قوله تعالى:  {قِيلَ يَانُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ}  [هود: 48].

 

وفي الحديث عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «...وَالبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ»؛ (رواه البخاري) .

 

يا عباد الله؛ وهذا لا يمنع من الأخذ بالأسباب التي تُستجلَب بها البركة، والابتعاد عن أسباب محقها؛ لذا وصيتي لكل من فقد البركة في حياته، عليه الأخذ بالأسباب التي تجعل أوقاته وأعماله عامرةً بالبركة، ومنها:

إذا دخلت البيت، فسلِّم، فالسلام بركة؛ قال تعالى:  {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}  [النور: 61] معنى مباركة طيبة؛ أي: يُرْجَى فيها الخيرُ والبركة.

 

وفي الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأنس: «يا بُنَيَّ، إذا دخلتَ على أهلِك فَسلِّم، يَكُنْ سلامُك بركةً عليك وعلى أهل بيتك»؛ (رواه الترمذي) .

 

يا عباد الله، ومن أسباب جلب البركة تناوُل الطعام في مجموعة مع الحرص على البسملة، فإن في هذا بركة، فقد روى الإمام أبو داود بسند صحيح أن قومًا اشتكوا للنبي عدم الشِّبَع، فقالوا: يا رسولَ الله، إنَّا نأكُل ولا نشبَع، قال: «فلعلَّكم تَفترِقون»، قالوا: نعَم، قال: «فاجتمِعوا على طعامِكم، واذكُروا اسم الله، يبارك لكم فيه».

 

ومن أسباب البركة: صِلْ رَحِمَك، فإنها من أسباب زيادة البركة، قال -صلى الله عليه وسلم-: «مَن سَرَّه أن يُبسَطَ له في رِزقِه، ويُنسأَ له في أثرِه، فَلْيَصِلْ رَحِمَه»؛ (رواه البخاري) .

 

ومن الأسباب: القناعة والرِّضا بعطاء الله من مال وأولاد وصحة وعمل؛ يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أحمد في مسنده بسند صحيح: «إن الله تبارك وتعالى يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله -عز وجل- له، بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرضَ لم يبارك له فيه».

 

أيها المسلمون، ومن الأسباب التي تجلب البركة: الذهاب مع الأسرة إلى مكة وزيارة بيت الله الحرام، ففيه الأجر والمثوبة، وفيه البركة، قال الله تعالى:  {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ}  [آل عمران: 96].

 

ومنها: قراءة القرآن وتدبُّر معانيه، فهو مبارك على مَن قرأه وسمعه؛ قال الله تعالى:  {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ}  [الأنعام: 92].

 

وقال صلى الله عليه وسلم عن سورة البقرة«اقرؤوا سورةَ البقرةِ، فإنَّ أخْذَها بركةٌ، وترْكُها حسرةٌ، ولا تستطيعُها البطَلَةُ»؛ أي: السحرة؛ (رواه أحمد) .

 

قال الله تعالى:  {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا* يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا}  [نوح: 10- 12]، فإن كثرة الاستغفار يا عباد الله من أسباب البركة.

 

يا عباد الله، من أسباب البركة الدعاء بالخير والبركة عند نزول منزل مع الأسرة، كما علَّمنا ربنا سبحانه:  {وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ}  [المؤمنون: 29].

 

ومنها: تعويد الأولاد على أكلة السَّحور، ففيها الخير والبركة؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: «تسحَّرُوا فإِنَّ في السُّحورِ برَكَةٌ»؛ (رواه البخاري) .

 

ومنها: تحرِّي ليلة القدر؛ قال الله -عز وجل-:  {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ}  [الدخان: 3]، وسُميت مباركة لما فيها من البركة، والمغفرة للمؤمنين.

 

يا عباد الله، أوصيكم وأحذركم من العين، فإذا رأيت ما يعجبك في أسرتك، فادعُ بالبركة، قال صلى الله عليه وسلم: «إذا رأى أحدُكم من نفسِه أو مالِه أو من أخيِه ما يُعجبُه، فلْيدعُ له بالبركةِ، فإنَّ العينَ حقٌّ»؛ (صحَّحه الألباني في الكلم الطيب) .

 

وأخيرًا: شجرة الزيتون، قال تعالى:  {يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ} [النور: 35]؛ أي: من زيت شجرة مباركة.. وأراد بالشجرة المباركة: الزيتونة، وهي كثيرة البركة، وفيها منافع كثيرة.

 

هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم:  {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}  [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.

_______________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش