خواطر حول مقتل طاغية

ملفات متنوعة

  • التصنيفات: قضايا إسلامية -

خواطر حول مقتل طاغية


لماذا يتألم البعض حين القصاص من المجرمين؟

تأملت في ردود أفعال بعض الناس على مقتل القذافي ولمست تعاطفا خفيا عند بعضهم معه ومع من على شاكلته حين تدور الدائرة عليهم ويأتي وقت القصاص منهم فسطرت هذه السطور.

قال تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا} [الشورى: ٤٠] فسمى القصاص "العادل" من السيئة بـأنه "سيئة" وهي كلمة غير محببة إلى النفس، ومما يلفت الانتباه أنك لو نظرت إلى القصاص وحده قد لا تشعر بعدالته إلا إذا وضعته في سياق الصورة الكلية من أنه رد فعل على السيئة الأولى فحينئذ فقط تؤمن بعدالته، لعل هذا يفسر إحساس البعض بنوع من الشفقة تجاه المجرمين عند الاقتصاص منهم في حين لا تشعر أسر الضحايا أي نوع من الشفقة تجاههم لاستحضار أسر الضحايا الصورة الكلية الغير مجتزأة من أن السيئة الثانية هي جزاء وفاق على السيئة الأولى.

ودائما الصورة المجتزأة المبتسرة هي صورة مزيفة مخالفة للواقع فمن يركزعلى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم مثلا ويترك باقي جوانب شخصيته ينشأ لديه تصور غيرصحيح عن شخصية النبي صلى الله عليه وسلم ومن يركز على جانب واحد من الإسلام ولو كان هذا الجانب هو جانب الحث على العفو والمغفرة ويترك الجوانب الأخرى ينشأ لديه فهم مشوه عن دين الله تعالى فيظن أن المسلم شخص هزيل ضعيف ليس له حول ولا قوة وهكذا.

وأرى أن منشأ أزمة الفهم الموجودة حاليا على الساحة هي هذا الفهم المبتسرالغير شامل للإسلام وهو نتاج تربية إسلامية حصرت الدين في جوانب معينة جعلته غريبا بالنسبة لأتباعه وهم يظنون أنهم يعرفون الكثير عن دينهم وغالبهم في الحقيقة لا يدرك أن فهمه للدين قاصر.

ولهذا نشأ من أبناء المسلمين من يتعجب من إدخال الدين في السياسة لأنه علم قول محمد عبده: "لعن الله ساس يسوس"، ولم يعلم قول الله تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلهِ}، ونشأ منهم من يتعجب من زجر العصاة والمبتدعة والأخذ على أيديهم لأنه علم عفو النبي عن المشركين في فتح مكة ولم يعلم أمر النبي بقتل بعض الكفار وإن تعلقوا بأستار الكعبة، ونشأ منهم من ظن النصارى من الناجين لأنه تعلق بآيات فهمها على غير وجهها ولم ينظرإلى الصورة الكلية لضعفه العلمي أو الأهواء التي تعمي البصر والبصيرة.

ونشا من أبناء المسلمين من يظن أن كثرة العلم الشرعي من موانع الترشح للعمل السياسي، ونشأ من أبناء المسلمين من ينكر قلبه قبل لسانه مصطلحات شرعية مثل الجزية والخلافة ومفاهيم شرعية مثل تعدد الزوجات وقوامة الرجل على المرأة وعلو الإسلام على ما عداه من الأديان وخلود الكافرين والمشركين في النار.

ونشأ من أبناء المسلمين من يظن أن الإسلام لم يأت بأي شيء يقدمه في مجال الاقتصاد إلا تحريم الربا، ولم يأت بأي شيء في مجال السياسة إلا منع تولى الكافرين الولايات العامة، ولم يأت بجديد في مجال السياحة إلا منع العرايا من السباحة على شواطيء البحار.

وفات هذا المسكين أن الإسلام دين قد انتشر في ربوع الأرض في سنوات معدودة تحول فيها المسلمون من أناس يخشون من أن يقضوا حاجتهم في الخلاء حتى لا يؤذيهم الكفار إذا علموا أماكن تواجدهم، تحولوا في سنوات معدودات إلى أناس يئس الذين كفروا من دينهم ودانت لهم مشارق الأرض ومغاربها وعمت حضارتهم ربوع الأرض.

فالخلاصة أن آفة الفهم الجزئي للإسلام هي التي تسببت في حالات التشوه الفكري التي تعاني منها الأمة الآن في طوائف استاءت من مسمى الإسلام فذهبت تبحث في قواميس الغرب والشرق عن مصطلحات بديلة كالعلمانية وغيرها.

واختلط جهل مركب بهوى متبع فأنتج أناسا يصلون في المساجد ويرضون بحكم علماني على غير كتاب الله.
وأنتج نساء يصلين التراويح ويخلعن الحجاب بعد التراويح.
وأنتج أجيالا نشأت منزوعة الصلة عن دينها وكتابها ورسولها وعلمائها.

وأختم بقول الله تعالى محذرا من صنيع من اجتزأ من دينه فأخذ منه وترك: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُ‌ونَ بِبَعْضٍ} [البقرة: ٨٥].

أسأل الله تعالى أن يهدينا أجمعين سواء الصراط.

-----------
د. حسام عاشور