الحقيقة والمؤامرة
خالد سعد النجار
في كتابه الماتع «كارثة فلسطين، الحقيقة والمؤامرة»، يدحض الحاج «محمد أمين الحسيني» مفتي القدس إبان قيام دولة إسرائيل ..
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
بسم الله الرحمن الرحيم
في كتابه الماتع «كارثة فلسطين، الحقيقة والمؤامرة»، يدحض الحاج «محمد أمين الحسيني» مفتي القدس إبان قيام دولة إسرائيل .. يدحض شبهة مفادها «أن بعض الناس يتحدثون عن خصومات حزبية واختلافات محلية وقعت في فلسطين، ويقولون: إنه لولا معارضتكم وإخوانكم للحلول التي عرضتها بريطانيا لحل قضية فلسطين لما وصلت الحال إلى ما وصلت إليه»
ويجيب الشيخ عنهم بشهادة لهم وللتاريخ فيقول:
** أن أكثر الناس لم يعرفوا قضية فلسطين على حقيقتها، ومن كافة نواحيها؛ لأنهم لم يتعمقوا في بحثها، ولم يسبروا غورها، ولم يدرسوا ظروفها وملابساتها، شأنهم في ذلك شأن الطبيب الذي يحاول معالجة المريض دون أن يفحصه فحصًا دقيقا، ودون أن يعرف تاريخ مرضه وتطوراته، فتكون معالجته مرتجلة لا تشفى سقما ولا تضمن برءا، ومنهم من يقيس هذه القضية بغيرها من القضايا العربية والشرقية، وهذا الفارق؛ لأن خطة الخصوم في قضية فلسطين ليست قاصرة على الاستعمار فحسب، بل إن هناك عوامل أخرى خطيرة دينية وقومية وإستراتيجية هدفها استبدال أمة بأمة أخرى، وتقويض كيان هذه الأمة تقويضا كاملاً بالقضاء على قوميتها ودينها وتاريخها، والتعفية على آثارها لتحل محلها تلك الأمة ا
** قال دافيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل: «إذا أردنا خلاصا يهوديا ١٠٠% فلابد لنا من استيطان عبري ١٠٠% ومزرعة عبرية ١٠٠% ومرفأ عبري ١٠٠%».. قاله في ٥ مايو ١٩٣٦م في اجتماع للمجلس القومي اليهودي في فلسطين
** مؤامرة مبيتة بين الاستعمار واليهودية العالمية
وبعبارة أصح إنها مؤامرة مبيتة -منذ عهد بعيد- بين اليهود والاستعمار، -كما صرح بذلك حييم وايزمان " زعيم الصهيونية في مذكراته- ترمي إلى إجلاء العرب، أهل البلاد الأصليين عن وطنهم، وإحلال اليهود المشردين في سائر أنحاء الأرض محلهم، والقضاء المبرم على عروبة هذه البلاد ودينها ومقدساتها ومعابدها، واستئصال شأفة أهلها، لجعلها مركزا دينيا وعسكريا ليهود العالم قاطبة، ولإعادة بناء الهيكل اليهودي المعروف بهيكل سليمان مكان المسجد الأقصى المبارك، ولكون هذا المركز اليهودي العالمي رأس جسر، أو محطة - للوثوب على العالم العربي، كما صرح بذلك دافيد بن جوريون رئيس الوزراء السابق لدولتهم اليهودية
** وحاييم وايزمان (١٨٦٤ - ١٩٥٢م) ولد في روسيا وتعلم الدين والعبرية، ثم نال درجة الدكتوراه في الكيمياء، سافر إلى فلسطين عام ۱۹۰۷م، وساهم في تأسيس كلا من الجامعة العبرية ومعهدًا للأبحاث سُمّى بعد ذلك باسمه، وحين كان يُدرِّس في جامعة مانشستر ترك انطباعا جيدا عند وزير الإمدادات البريطاني «لويد جورج» الذي تولى بعد ذلك رئاسة الوزراء، ولما تقدم وايزمان بمذكرة لإقامة دولة يهودية في فلسطين بعد تقسيم الدولة العثمانية وافق «لويد جورج» ومعه فريق المتحمسين للمشروع الصهيوني: بلفور وسايكس وغيرهما، قضى حياته كلها في جهاد متواصل في سبيل إقامة دولة إسرائيل التي صار أول رئيس لها رغم أنه لم يوقع على قرار الإعلان!!
** أما دافيد بن جوريون ( ۱۸۸٦) - (۱۹۷۳م): ولد في بلدة بولنسك ببولندا، وكان أبوه عضوا في جماعة «أحباء صهيون»، هاجر إلى فلسطين عام ١٩٠٦م وحصل على دكتوراه في القانون من جامعة إسطنبول عام ۱۹۱۲م ثم عاد مرة ثانية إلى فلسطين لكي يحقق أحلامه الصهيونية فنفته السلطات التركية فتابع نشاطه في مصر والولايات المتحدة، وساهم في تكوين الفيلق اليهودي التابع للجيش البريطاني في الحرب العالمية الأولى، وعاد مرة ثالثة وأخيرة إلى فلسطين عام ۱۹۱۸م وأسس من الاشتراكيين نقابة عمال «الهستدروت» التي عملت على تهويد اقتصاد إسرائيل متبنية شعارات: «العمل العبري، السوق اليهودية، مقاطعة المنتجات العربية»، وكان يقول عن حدود إسرائيل: إن الجيش الإسرائيلي وحده هو الذي سيعين الحدود.
** وقد وضعت الخطة الخطيرة لهذه المؤامرة المبيتة بين انجلترا واليهود، قبل الحرب العالمية الأولى، ثم انضمت إليها بعض الدول الاستعمارية الكبرى وصمم المتآمرون على تنفيذ مؤامراتهم دون أن يقيموا وزنا لأي اعتبار من الاعتبارات الإنسانية، أو القيم الأخلاقية أو الحقوق الدولية، وهذه الخطة الغاشمة لم يسجل لها التاريخ نظيرا من قبل، وهي سابقة خطيرة في الاستعمار يجرى تنفيذها للمرة الأولى على هذه الصورة الفظيعة، فإذا نجحت في فلسطين فإنهم سينفذونها في غيرها من الأقطار العربية المجاورة الداخلة في خريطة المطامع اليهودية والاستعمارية.
** يريدون فلسطين يهودية كما أن انجلترا إنجليزية
فمنذ نحو نصف قرن، زعم إسرائيل زانجويل أحد كبار زعماء اليهود [روائی یهودی صهيوني إنجليزي]: (إن فلسطين وطن بلا سكان، فيجب أن يعطى لشعب بلا وطن) أي اليهود. وقال: إن واجب اليهود في المستقبل أن يضيقوا الخناق على عرب فلسطين حتى يضطروهم إلى الخروج منها.
** وعلى إثر فرض الانتداب البريطاني على فلسطين أعلن زعماء الصهيونية من يهود العالم مثل سوكولوف، ووايزمان، وجابو تنکسی، وایدر، وكيش، وروتنبرغ وغيرهم – أنهم يريدون أن تصبح فلسطين بأجمعها لليهود و «أن تكون فلسطين يهودية كما أن انجلترا إنجليزية»، وقد كان البريطانيون على تفاهم تام مع اليهود على هذا، وقد أرسلوا في ظروف متعددة إلى فلسطين رُسلاً من أنصارهم عرضوا على عرب فلسطين الرحيل عن وطنهم مقابل مبالغ من الأموال يدفعها اليهود إليهم.
** وفى عام ١٩٣٤م اتصل رسل من البريطانيين بي شخصيا وبآخرين من الوطنيين الفلسطينيين، وعرضوا أن ينقل عرب فلسطين إلى شرق الأردن على أن يعطوا ضعف مساحة الأراضي التي كانوا يملكونها، وأن يقدم الأموال المطلوبة لتنفيذ ذلك الاقتراح، وكان طبيعيا أن يرفض العرب هذا العرض السخيف .
** وما انفك زعماء اليهود يعملون متعاونين مع البريطانيين على إيجاد الظروف الملائمة لإجلاء عرب فلسطين عن بلادهم وتسليمهم لليهود، وفى مذكرات الدكتور حاييم وايزمان ما يفيد أنه اتفق مع الحكومة البريطانية على تسليم فلسطين لليهود خالية من سكانها العرب!.
** قرار مؤتمر حزب العمال البريطاني بجعل فلسطين دولة يهودية
وفى شهر مارس ١٩٤٢م خطب الزعيم اليهودي بن جوريون في تل أبيب قائلاً: «إن الصهيونية قد انتهت من وضع خطتها النهائية وهى أن تصبح فلسطين دولة يهودية وأن اليهود لا يستغنون عن أي قسم من فلسطين، حتى قمم الجبال وأعماق البحار».
** ولقد أنشأ اليهود الموجودون في يافا سنة ١٨٨٦م حيا خاصا بهم في شمالها بجوار حي المنشية عرف باسم حارة اليهود، وفى ۳۰ مايو ۱۹۰۹م تمكنت ٦٠ أسرة يهودية من شراء قطعة أرض في شمال يافا وبنوا عليها بيوتا ومدرسة ثانوية وأطلقوا عليها «تل أبيب» أي: تل الربيع، وأخذت تنمو مع الزمن، وفى سنة ۱۹۲۱م فصلتها بريطانيا عن يافا، وجعلت لها بلدية مستقلة.
** وفى ديسمبر ١٩٤٤م عقدت اللجنة التنفيذية العامة لحزب العمال البريطاني مؤتمرًا كان من أعظم المؤتمرات وأخطرها في تاريخ هذا الحزب، وبعد بحث قضية فلسطين اتخذ المؤتمر قرارًا بالإجماع بتحويل فلسطين إلى دولة يهودية وإخراج سكانها العرب منها إلى الأقطار المجاورة، ولم تعترض الحكومة البريطانية على ذلك القرار، وهو ما يؤكد اتفاق جميع الأحزاب البريطانية على ذلك المبدأ الأثيم، ورحبت الصحافتان البريطانية والأمريكية بقرار المؤتمر، واعتبرتاه خير حل لقضية فلسطين.
** مطامع اليهود في البلاد العربية
هذا ولم تعد المطامع اليهودية الخطيرة في البلاد العربية المجاورة لفلسطين خافية، فإن زعماء اليهود المسئولين جاهروا ويجاهرون بأن فلسطين لا تكفيهم وأنها ليست إلا «مركز وثوب» لتحقيق أهداف الصهيونية كلها، وهي الاستيلاء على بقية فلسطين والأردن وسورية ولبنان والعراق، وسيناء والدلتا من الأراضي المصرية ومناطق خيبر وبني قريظة وبني النضير وغيرها من الأراضي الحجازية المجاورة للمدينة المنورة بما فيها قسم كبير من المدينة المنورة نفسها! بحجة أنها كانت مواطنهم في القرون الماضية.
** وقدموا طلبا باستعمارها إلى الملك عبد العزيز آل سعود مقابل عشرين مليون جنيه ذهبًا، بواسطة الرئيس روزفلت عندما قابله في فندق الفيوم القائم على بحيرة قارون بمصر عام ١٩٤٥م وبوسائط أخرى أيضا، ولكن الملك عبد العزيز رفض ذلك بكل شدة وإباء، ولا يحاول اليهود إخفاء مطامعهم بل يتحدون الأمة العربية كلها بوقاحة واستخفاف، فهم ينقشون على واجهة مجلس نوابهم العبارة الآتية: «من النيل إلى الفرات» ولا يتسع المجال الآن لتفصيل المطامع اليهودية الخطيرة في الأراضي المصرية ولاسيما في سيناء التي يعتبرونها مقدسة كفلسطين، وفى الدلتا والبحر الأحمر.
** يقول المؤرخ البريطاني (أرنولد توينبي): إن الدولة الغربية التي تتحمل الوزر الأكبر والمسئولية عن الخيبة في فترة ما بين الحربين لإنقاذ الموقف في فلسطين هي «بريطانيا» التي كانت أولاً الدولة المحتلة، وبعد ذلك الدولة المنتدبة، وقد أدارت شئون الانتداب من سنة ١٩١٧م-١٩٤٨م، وفى خلال هذه السنين الثلاثين الحرجة كان موقف الحكومة البريطانية الشامل لجميع الأحزاب -والذي طبقته جميع الحكومات المتتابعة- هو التعامي المقصود الجدير بالإدانة .
** لقد رافقت فكرة إسرائيل الكبرى الحركة الصهيونية منذ مولدها وهى تعمل من خلال آلياتها: المنظمة الصهيونية العالمية وأجهزتها المختلفة من أجل تحقيقها، وتغذي هذه الفكرة وتؤجج نيرانها المعتقدات الدينية اليهودية والحركات الدينية المسيحية المتصهينة إلى جانب الأدب الصهيوني السياسي الممتلئ بالحديث عن «إسرائيل الكبرى» والذي أخذ صورة عملية بالهجرة إلى فلسطين أولاً ثم إعلان قيام إسرائيل فيها، ثم القيام بالعمليات الحربية التوسعية التي لا تنقطع ولن تنقطع منذ حرب ١٩٥٦م حتى الآن.
** ذكرت لكم مطامع اليهود، للتدليل على أن قضية الصهيونية ليست قضية عادية، بل هي قضية من الخطورة بمكان عظيم جدا، ولا ينحصر شرها بفلسطين بل يعم سائر البلاد العربية، ولا يقتصر ضررها على ناحية الاحتلال والاستيلاء فحسب، بل يتجاوزها إلى تهديد الكيان العربي في الشرق الأوسط بأجمعه، في استقلاله وسيادته، وفى مقدساته ومعتقداته، وفى سائر مقومات حياته، فهذه المعركة الناشبة بيننا وبين اليهودية العالمية التي يعضدها الاستعمار بكل قواه، هي معركة فاصلة وخطيرة جدا، وعلينا أن نوقن بأنها معركة حياة أو موت، معركة بين عقيدتين متناقضتين لا تستطيع إحداهما أن تعيش إلا على أنقاض الأخرى، وأن خصومنا جادون مصممون على تقويض كياننا وتدمير بنياننا، وطي صفحة تاريخنا، غير آبهين بحق أو عدل أو رحمة، فكيف نجابهها هازلین مترددين خائرين؟! على ضوء هذه الحقيقة الواضحة، الأليمة المريرة، يجب علينا أن نعالج قضية فلسطين.
** وقد سبق أن رفض خليفة المسلمين السلطان عبد الحميد إغراءات هرتزل المالية وترغيبهم وترهيبهم حتى تأمروا عليه وأحدثوا انقلابهم المعروف في تركيا، وتناثرت دولة الخلافة أشلاء ممزقة بعد سقوطها في قبضة الأخطبوط الصهيوني
جمع وترتيب
د/ خالد سعد النجار