الفئوس القوية في دك الشوفينية
أحمد السعيد
هناك فارق بين الانتماء إلى عرقية محددة والاعتزاز بالجوانب الإيجابية لتراثها وثقافتها من ناحية وبين الاستعلاء على الشعوب الأخرى والنظرة العنصرية لما دونك من الأعراق
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة -
طفت على السطح في الفترة الأخيرة ظاهرة خطيرة خاصةً على منصات التواصل الإجتماعي؛ هي ظاهرة جديدة قديمة؛ قديمة منذ تاريخ سقوط الدولة العثمانية لكنها سرعان ما تتجدد و تشتعل نيرانها مخلفةً بذلك العداوات والأحقاد بين الشعوب والأعراق المختلفة، ألا وهي ظاهرة التعصب الأعمى لشعب أو عرقية محددة واستحضار التراث القديم لنفخ روح العنصرية والاستعلاء في مواجهة الشعوب والعرقيات الأخرى، فالمصريون يروجون لأنفسهم على أنهم فراعنة؛ والعراقيون على أنهم بابليون؛ واللبنانيون على أنهم فينيقيون... إلخ.
وهناك فارق بين الانتماء إلى عرقية محددة والاعتزاز بالجوانب الإيجابية لتراثها وثقافتها من ناحية وبين الاستعلاء على الشعوب الأخرى والنظرة العنصرية لما دونك من الأعراق الأخرى والافتخار بكل ما ينتمى إلى عرقيتك مهما كان سلبياً من ناحية أخرى.
إنها الشوفينية المقيتة والوطنية المتطرفة، فبدعوى أن الحضارة الفلانية هي أقدم حضارة في التاريخ أو أنها أثرت على التراث الحضاري الإنساني بتقديمها العديد من الآثار النافعة تعلو الأنوف وتنتفخ الأوداج وتُزدرى شعوب وحضارات كاملةلا لشيء إلا أنها لا تنتمي إلى نفس حضارتنا وشعبنا، وننسى الإسلام والحضارة الإسلامية التي ربطت فيما بيننا جميعًا، وننسى قول الرسول صلى الله عليه وسلم " «دعوها فإنها منتن» ة" !!.
في الواقع فإن ما تعانيه أمتنا اليوم من دعاوى عنصرية بغيضة لا يصح لا شرعًا ولا عقلًا و علمًا، فمن الناحية الشرعية فهناك الكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو إلى نبذ روح العنصرية والتعصب والتحلي بتقبل الآخر المختلف عرقًا وثقافًة، مثل:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} _ (الحجرات 13).
روى عن الرسوال صلى الله عليه وسلم قوله «(لا فضلَ لعربيٍّ على عجميٍّ ، ولا لعجميٍّ على عربيٍّ ، ولا لأبيضَ على أسودَ ، ولا لأسودَ على أبيضَ - : إلَّا بالتَّقوَى ، النَّاسُ من آدمُ ، وآدمُ من ترابٍ)» .
وفي السيرة النبوية ما يؤكد هذه الروح المتسامحة بين الأعراق والشعوب المختلفة، فكان من بين صحابته صلى الله عليه وسلم بلال الحبشي الذي أمره بالصعود فوق الكعبة يوم فتح مكة ليرفع الآذان؛ وعمار ابن ياسر اليمني وأبيه وأمه سمية بنت خياط أول شهيدة في الإسلام، وسلمان الفارسي صاحب فكرة الخندق يوم الأحزاب و الباحث عن الحقيقة؛ و صهيب الرومي؛ ومارية القبطية أم ولده إبراهيم، وهكذا لم تكن هناك غضاضة في أن يدخل من شاء من أي بلد كان في الإسلام، وأن يكون له فضل بعد ذلك في نصرته للإسلام والدفاع عنه أيًا كان عرقه وثقافته.
أما علميًا فقد أثبتت الدراسات العلمية أن كل البشر يعودون في أصولهم إلى أم واحدة !، فقد أطلق الباحثون أسم (حواء الميتوكوندرية) على المرأة الافتراضية التي تعتبر أم البشر جميعًا، وذلك من خلال تحليل الـ DNA الخاص بميتوكوندرية
أناس من مختلف أنحاء العالم، والميتوكندرية هي عضيات في الخلية الحية تنتقل من خلال بويضة الأم، ومن خلال هذا التحليل تبين أن كل البشر يعودون في أصولهم إلى امرأة واحدة عاشت قبل نحو 130,000 سنة.
كما أن وقائع التاريخ تؤكد على أنه لا يكاد يوجد شعب نقي من الناحية العرقية، فكل الشعوب امتزجت ببعضها فلا تكاد تجد شعباً إلا وفيه نسبة من أعراق وشعوب أخرى قلت تلك النسبة أو كثرت.
ونظرة سريعة على تاريخ الحضارة الإسلامية نستنتج أن كل الأعراق والشعوب شاركت في بناء تلك الحضارة العريقة، فقد بدأ العرب في نصرة الإسلام وإعلاء كلمة الله في فترة صدر الإسلام والدولة الأموية، ثم جائت الدولة العباسية ولعب العنصر الفارسي دورًا كبيرًا في بناء الحضارة الإسلامية، وفي أواخر العصر العباسي لعب السلاجقة دور الحامي لديار الإسلام وأذلوا الإمبراطورية البيزنطية في موقعة ملاذكرد وكانوا من الأتراك الغز، ثم جائت الدولة العثمانية التركية لترفع راية الإسلام في أوربا وتفتح القسطنطينية، وعندما غزا الصليبيون قبل ذلك ديار الإسلام ظهر الزنكيون وهزموهم بقيادة عماد الدين زنكي ونور الدين محمود، وعلى أكتاف الدولة الزنكية قامت الدولة الأيوبية التي كانت من الأكراد، حتى حررت بيت المقدس من أيدي الصليبيين، ثم جاء المماليك القوقازيون وأسسوا دولتهم في مصر وبلاد الشام ثم أتى المماليك الجراكسة ليستلموا الحكم من المماليك القوقازيين، وهكذا فقد لعبت كل الشعوب والأعراق في بناء تلك الحضارة العريقة والدفاع عنها.
إنه الإسلام الذي أشاع روح التسامح بين كل الشعوب والأعراق المختلفة، إنها الحضارة الإسلامية التي ربطت بين مختلف شعوب العالم ووحدتهم ليشيدوا ذلك الصرح العظيم، فهلا رجعنا إلى تراثنا الإسلامي ونسينا أوهام وضلالات الأقدمين؟!.