من أخلاق الإسلام: النصرة

نعني بالنصرة تلك الغيرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخيه المسلم الضعيف أو لمد يد العون إليه، فنصرة المسلمين واجبة وخذلانهم محرم ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم. ولو أننا تركناهم وشأنهم لقضى عليهم عدوهم

  • التصنيفات: الولاء والبراء -

عباد الله: الأخلاق عماد الأمم وقوام الشعوب ومعيار الحياة الآمنة وشعار المدنية الفاضلة، والأخلاق مرتبطة بالإيمان وجوداً وعدماً وقوة وضعفاً، والله سبحانه وتعالى حينما أرسل رسله إلى الناس جعل تمكين الأخلاق الفاضلة من أصول رسالاتهم حتى تستقيم الحياة وينعم الناس بالحرية والكرامة والأمان، وحيثما يوجد الإيمان مع العمل الصالح - أيها الإخوة - توجد الأخلاق الكريمة والحياة المطمئنة يقول الله تعالى {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97] وفي المقابل حيثما كان الضلال والظلم والطغيان كانت أزمة الأخلاق.. نلاحظ ذلك في واقعنا المعاصر، فالعالم اليوم يعاني أزمة أخلاقية حادة في جوانب الحياة المختلفة بسبب بعده عن منهج الله القويم.

 

إن مفهوم الأخلاق - أيها المسلمون - مفهوم واسع وشامل: من صدق الحديث والوفاء والأمانة والكرم والصفح والعفو والقصد والعفاف وسلامة الصدر من الأحقاد والحياة والإخاء والرحمة والعطف واحترام الرجال وكف الأذى والثبات على المبدأ وغيرها.

ومن الأخلاق الإسلامية - أيضاً - النصرة، وهي موضوعنا اليوم ونعني بالنصرة تلك الغيرة الإيمانية التي تدفع المسلم لرفع الظلم عن أخيه المسلم الضعيف أو لمد يد العون إليه، وبقدر إحساس المسلم بحال أخيه وبقدر المساعدة والعون يكون معيار الأخوة، لأن الأخوة الإيمانية ضريبتها النصرة وعلاماتها النصرة وآثارها النصرة.

 

أيها المؤمنون: القائم بحق النصرة والمتخاذل عنها، كل منهما سيلقى ثمرة ذلك - في الدنيا قبل الآخرة - جزاءً وفاقاً يقول النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك «ما من امرئ يخذل امرأً مسلماً عند مواطن تنتهك فيه حرمته وينتقص فيه من عرضه إلا خذله الله عز وجل في مواطن يحب فيه نصرته، وما من امرئ ينصر امرأً مسلماً عند مواطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله عز وجل في مواطن يحب فيه نصرته» (رواه الإمام أحمد في مسنده).

 

وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع كان منها نصر المظلوم، والله تعالى أوجب نصرة من طلب النصرة من اتباع الدين بقوله جل وعلا {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72]، ويصف ابن الجوزي الظلم بأن المعصية فيه أشد من غيرها معللا ذلك بقوله (لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار).

 

والمسلم - يا أخي المسلم - لا يرضى بأن يظلم أخوه المسلم، أو أن يتخلى عنه وهو قادر على نصرته، ناهيك عن مباشرة الظلم وإيقاع العدوان بالأخ المسلم أو المساهمة فيه أو إقراره والعياذ بالله ففي صحيح البخاري يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة».

 

أيها المسلمون: لقد كان أبناء الجاهلية يتناصرون في الخير والشر وأراد الإسلام لهذا الخلق أن يستمر بوجهه الخير معطياً له معنى جديدا ففي الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم «انصر أخاك ظالماً أو مظلوما»  فقال رجل: يا رسول الله أنصره إذا كان مظلوماً أما رأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال «تحجزه أو تمنعه من الظلم فإن ذلك نصره».

 

والحذر الحذر - يا عباد الله - من العصبيات المقيتة والنعرات الجاهلية التي لا يحكمها الإسلام ولا تتحاكم إلى العدل والميزان، لقد أمرنا بأن ندعها لأنها فتنة، ولقد شبه رسولنا عليه الصلاة والسلام حال صاحب العصبية بالبعير الهالك بقوله «من نصر قومه على غير الحق فهو كالبعير الذي ردي فهو ينزع بذنبه» والحديث (رواه أبو داود وصححه الألباني رحمنا الله وإياه).

 

ونصرة المسلمين ونصرة الأخ في الإسلام - أيها الأحبة - يكون بكل وسيلة مشروعة، يكون بالوقوف معه وبيان الحق للمخالف، والتعريف بقضيته، يكون بالشفاعة الحسنة والكلمة الطيبة، يكون بالمال والنفس والجاه وكل مستطاع، وما أحوج المسلمين اليوم إلى النصرة في بلدان مسلمة كثيرة يتعرض فيها المسلمون للاحتلال والاضطهاد والظلم، وما أحوج بعض أفراد المجتمع إلى النصرة ممن هم في حاجة ماسة إلي مساعدة مالية لسداد دين أو مئونة زواج أو تحسين حال أو رفع فقر أو مساعدة في حل مشكلة نفسية أو اجتماعية، بل إن من نصرة الأخ المسلم مناصحته وأمره بالمعروف والأخذ على يد الظالم، وكل ذلك من باب نصرته والحدب عليه وعلى المجتمع والأمة بأسرها للحديث السابق «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً»، فنصرة المسلمين واجبة وخذلانهم محرم ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم.

 

ولا بأس على المسلم أن يطلب النصرة في حال حاجته فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما كان يعرض دعوته في المواسم بمنى كان يقول «من يؤويني؟ من ينصرني» ؟) وحين بويع بيعة العقبة اشترط النصرة، وحتى ورقة بن نوفل كان يقول له في مطلع الرسالة (وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً) (رواه البخاري في كتاب بدء الوحي).

 

والله عز وجل قادر - وهو القادر جلا وعلا - قادر على أن ينصر رسوله وكتابه ودينه لكنه ترك للمؤمنين حظاً في النصرة يؤدونه ويسألون عنه ويؤجرون عليه قال تعالى {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 62] ووصف الله سبحانه المفلحين بأنهم هم الذين {آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ} [الأعراف: 157] ولقد شرع للمؤمنين أن يدعوا بالنصرة كما في الحديث «(رب أعني ولا تعن على وانصرني ولا تنصر على» واشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجالسين على قارعة الطريق أن يتحملوا ضريبة جلوسهم بقوله لهم «إن أبيتم إلا أن تجلسوا فأهدوا السبيل وردوا السلام وأعينوا المظلوم» (رواه الإمام أحمد في مسنده الصحيح).

 

ولقد أثنى عمرو بن العاص رضي الله عنه على الروم وهم كفار بخصال استحسنها فيهم فقال: إن فيهم لخصالاً أربعاً: إنهم لأحلم الناس عند فتنة وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة وأوشكهم كرة بعد فره وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف وخامس حسنة جميلة وأمنعهم من ظلم الملوك) والحديث رواه مسلم في صحيحه، والمسلمون أحرى وأولى من الكافرين في إقامة العدل ونصرة المظلوم وإعانة المسكين واليتيم والضعيف.

 

ألا فاتقوا الله - أيها المسلمون - وكونوا أنصار الله بنصرتكم للحق ونصرتكم لإخوانكم المسلمين عند ظلمهم وضعفهم وهوانهم على الناس،واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [الأنفال: 74].

 

إن انتماءنا إلى أمة الإسلام والمسلمين هو تفعيل هذه الأخوة تفعيلا عملياً يجعل الأمة جسداً واحداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكي منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (أخرجه مسلم).

 

وإن التارك لأي حق من حقوق أخيه المسلم عرضة للمساءلة عن ذلك التقصير فقد ورد في الحديث القدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: يا ابن آدم مرضت فلم تعدني، قال: يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض فلم تعده، أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني، قال يا رب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت أنه أستطعمك عبدي فلان فلم تطعمه، أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني، قال يا رب وكيف أسقيك وأنت رب العالمين؟ قال: استسقاك عبدي فلان فلم تسقه، أما أنك لو سقيته وجدت ذلك عندي» (أخرجه مسلم في صحيحه). هذا الحديث القدسي تضمن ثلاث صور للتقصير في حق المسلم كانت محلا للعتاب الإلهي ويقاس عليها عدم نصرتهم ومساعدتهم بل إنها في هذه الحالة أولي بالعتاب مما تقدم.

 

أيها المسلمون: إن من أهم وسائل نصرة المسلمين أن نبدأ بإصلاح أنفسنا حتى يصلح الله حالنا {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، إن ما حدث ويحدث من تسلط الأعداء على ديار الإسلام ومقدساته وأعراضه ودمائه إنما هو بسبب ذنوبنا ومعاصينا، ولا يظلم ربك أحد {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].

 

وإن دعمنا لإخواننا المضطهدين والمعوزين في كل مكان يصب في مصلحتهم ومصلحتنا ومصلحة ديننا وأمتنا، فلو أننا تركناهم وشأنهم لقضى عليهم عدوهم، ليتفرغ بعد ذلك لمحاربتنا وانتهاك حرمتنا، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية، وعند ذلك يقول الأخير «أكلت يوم أكل الثور الأبيض» هذا وصلوا وسلموا على نبيكم....

___________________________________________________
الكاتب: فهد بن عبدالله الصالح