العمل التطوعي سعادة
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن في قضاء حوائج الناس لذَّة لا يعرفها إلا من جرَّبها، فافعل الخير مهما استصغرتَه؛ فإنك لا تدري أي حسنة تدخلك الجنة".
- التصنيفات: تزكية النفس - مجتمع وإصلاح -
يقصد بالسعادة ذلك الشعور الداخلي بالبهجة والسرور؛ مما ينعكس على الحالة النفسية والمزاجية للشخص، ويجعله ينظر بشكل إيجابي للحياة وللأشياء، بعيدًا كل البعد عن التشاؤم والمشاعر والطاقات السلبية، يقول الحق - سبحانه -: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل: 97].
إن المتطوع في أثناء قيامه بعمله التطوعي يجد مشاعرَ من الرضا عن النفس، والراحة النفسية بما قدَّمه من مساعدة للآخرين، وهذه السعادة والطمأنينة هي مطلب جميع البشر؛ فهم يبحثون عن كل ما يزيل عنهم الغم والهم، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتحب أن يلين قلبك، وتُدرِك حاجتك؟ ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطْعِمْه من طعامك يَلِنْ قلبُك، وتُدرِك حاجتك»؛ (صحيح الجامع).
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن في قضاء حوائج الناس لذَّة لا يعرفها إلا من جرَّبها، فافعل الخير مهما استصغرتَه؛ فإنك لا تدري أي حسنة تدخلك الجنة".
يقول أحد المتطوعين: أدركتُ أنَّ السعادة تكمن في ابتسامة الأيتام، ودعاء الفقراء، وإسعاد المحتاجين، ومسح دموع البائسين، ومؤازرة من يحتاج إلى المعاونة والمناصرة ممن لا ترجو منهم شيئًا، وأنَّ لقضاء حوائج الناس لذَّة لا يعرفها إلا مَنْ جرَّبها، وأن المعروفَ أبقى الأعمال أثرًا، وأكثرها نبلًا، وأحمدها عاقبة.
إنَّ حصول المتطوع على سعادته ليست كافية لاستمراريتها؛ بل إنَّ هناك العديد من العوامل التي إذا استطاع المتطوع تحقيقها والوصول إليها، تحقَّقت السعادة بإذن الله، ومن أبرز هذه العوامل ما يلي: إخلاص العمل لله، واستشعار الأجر والثواب من الله، والثقة بالنفس وتقدير الذات، وإمكانية السيطرة والتحكم في حالته النفسية، والإنجاز والقيام بالأعمال الجيدة والمفيدة باستمرار، والاهتمام بالجانب الترفيهي الذي يُدخِل البهجة والسرور على النفس البشرية، والاهتمام بالعلاقات الاجتماعية الودودة والدافئة.
أيها المتطوع، إن السعادة تتعدد نظرًا لتعدد الأسباب والعوامل التي تحققها التي تختلف باختلاف نظرة كل فرد لحياته، وأبرز أنواع السعادة هي:
• السعادة الجسدية، وتعني شعور الإنسان بأنَّه بصحة جيدة من راحة وتغذية ونوم كافٍ.
• السعادة العاطفية، وهي ترتبط باستقرار علاقات الفرد مع الآخرين وشعوره بالأمان والتقبُّل من قبلهم.
• السعادة المهنية، وتكون عند حصول الفرد على وظيفة تشعره بالراحة والرضا عن عمله، وتدفعه لممارستها بحب، وتُحفِّزه على الإبداع والتطور.
• السعادة الروحية، وهي تتعلق بإيمان الفرد بقضاء الله وقدره الذي يشعره بالرضا عن حياته ليصل إلى السلام الداخلي.
• السعادة الاجتماعية، وهي سعادة الفرد في الوطن والمجتمع الذي ينتمي إليه، فيستطيع التفاعل معه إيجابًا، وخدمته والمساهمة في تطوره وازدهاره.
إن الراحة النفسية لا تُضاهى بأي ثمن، ودعوات الآخرين لها بالنجاح والتوفيق أكبرُ مكسب يحصل عليه المتطوع، فلو تمكَّن حب التطوع من الإنسان، سيصبح شخصًا آخر يبني وطنه ومجتمعه بكل حب، ويتعامل مع الجميع بطريقة مختلفة فيها الكثير من الرقي والسمو، وعطاء الشخص للآخرين ومنفعتهم سواء في العمل أو غيره على ألَّا يكون ذلك على حساب القيم أو تجاوز الأنظمة، أو الإضرار بأناس آخرين لهو قمة العطاء، وهذا ما يمنح الإنسان السعادة والشعور بصحة أفضل، فالأعمال الخيرة تنعكس على الشخص بالإيجاب.
أخيرًا أيها المتطوع، انتبه من فعل هذه الأشياء التي قد تحرمك من السعادة، وهي:
• الاستمرار في لوم الذات وتحقيرها، وتحميلها سبب كل المشاكل والصعاب التي تعيشها.
• سجن النفس في ذكريات الماضي الحزين، يحرم الشخص من راحة البال، ويمنعه من الالتفات لحاضره ومستقبله، فيعيش عمره ببؤس وألم؛ مما يحرمه من طعم السعادة إلى الأبد.
• الحسد والحقد، فالشخص الذي يملأ قلبه بالحقد والكراهية ويحسد الناس على ما لديهم هو أكثر من يفتقد لطعم الراحة والسعادة.
• كثرة الشكوى، فإذا كنت تظن أنَّ كثرة الشكوى سيغيران واقعك فأنت مخطئ، إنَّ الشكوى تزيد من مشاعر الإحباط والحزن بداخلك؛ ما يجعلك تفتقد لمشاعر الرضا والسعادة.
• مخالطة الأشخاص السلبيين، الذين يحبون أن ينشروا التعاسة والتشاؤم أينما حلُّوا؛ لذا تجنَّب الاختلاط بهم قدر الإمكان، ولا تسمح لنقدهم أن يؤثر في معنوياتك.
أسأل الله العظيم أن يستعملنا في طاعته، وأن يجعلنا من رواد العمل التطوعي، المخلصة أعمالهم لله، وعلى الصراط المستقيم، وصلى الله على سيدنا محمد.
___________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش