(14) الله يفرح بعودتك
رضا الجنيدي
لا تيأس وتذكَّرْ أنَّ أباك آدمَ حين نسي أمرَ ربِّه وعصاه، ندم وعاد مسرعًا إلى ربِّه، فتاب الله عليه، وهداه، ثم مَنَّ عليه واجتباه
- التصنيفات: التوبة - تزكية النفس -
توقَّفْ قليلًا
حين تأخُذُكَ دوَّامة الحياة إلى حيث تضيعُ فيها تفاصيلُ ذاتِكَ، وتذوبُ ملامحُ سعادتِكَ، توقَّفْ قليلًا، وابحث عن حبيب ينتظرك؛ ليُعيدَ إليكَ ذاتَكَ التائهة، وينسج من جديد خيوطَ سعادتِكَ الضائعة.
وقتها ستُدرِكُ أنه مهما زادَتْ متاعبُكَ، فثمة راحة تنتظرُكَ، وثمة نوافذ ضوء تُفتَحُ لكَ؛ لتُعيدَ إليكَ الأملَ، وتُجدِّد فيك إحساسَكَ بالحياة، فلا تتركه ينتظر كثيرًا؛ فكتاب الله عزيز، فَعُدْ إلى حبيبك، ليذوب جليد أحزانُكَ، وتسبح في أنهار النعيم.
إسلام عمر:
ذهب عمر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وكله بُغْضٌ له؛ ليقتله، شاهرًا سيفه، فأسلم وصار النبي أحَبَّ إليه من وَلَدِه ونفسِه.
عاصي اليوم قد يُصبح خيرَ التائبين غدًا؛ فلا تفقدْ الأمَلَ فيمن زادَتْ معاصيه، وتضرَّعْ إلى ربِّكَ ليَهْديه.
الله يفرح بعودتك:
غرق في ظلمات المعصية والرجس، وحين عاد إليه رُشْدُه أنهكه اليأسُ واحتقارُ النفس، رأى الحياة بعد الذنب بحرًا مظلِمًا؛ فأصبح في أمواج الحزن والاكتئاب غارقًا، رِفْقًا بنفسِكَ أيُّها التائب، ألم تسمَعْ من قبل عن فرحة الله بالتائب العائد إليه؟!
ألم تعلم أن الله يفرح بكَ حين تعودُ إليه تائبًا وعلى ذنبك نادمًا؟! فهنيئًا لك بفرحة يعقبها خيراتٌ، وهنيئًا لك بتبديل سيئاتك حسنات.
لا تيأس وتذكَّرْ أنَّ أباك آدمَ حين نسي أمرَ ربِّه وعصاه، ندم وعاد مسرعًا إلى ربِّه، فتاب الله عليه، وهداه، ثم مَنَّ عليه واجتباه، فرُبَّ معصيةٍ تبعها انكسارٌ لله كانت سببًا لسيول من الطاعات، وفيض من البركات.
ديننا دين الأمل ورواء النفس، لا مكان فيه للإحباط واليأس؛ فعُدْ إلى ربِّكَ مهما عظمت خطاياك؛ فربُّكَ توَّابٌ رحيمٌ.
الهروب الإيجابي:
الهروب الإيجابي هو أجمل هروب، حين تجمع كل همومك وآلامك وأوجاعك وذكرياتك المفجعة وإحباطاتك وصدماتك التي صُدِمْتَ بها ممَّن حولك، وتطرحها أرضًا في سجدة طويلة وعميقة، تهرب خلالها من كل ما هو مؤلم بين أحضان السجود ودفئه؛ تصفو روحُكَ، ويهدأ وجَعُ قلبِكَ، وتستعيد قوَّتك النفسية، فهنيئًا لمن كان هروبُه من البَشَر إلى ربِّ البَشَر.
هنيئًا لمن هرب من أحزانه بسجدةٍ تجعله يقترب من الرحمن الذي يُزيل الهمومَ وأثرَ الصدمات برحمته.