آثار المعاصي والذنوب
محمد جميل زينو
حرمان العلم - حرمان الرزق - حرمان الطاعة - وهن القلب والبدن - قصِّر العمر - هوان العبد على ربه - فساد العقل - ذهاب الحياء -
- التصنيفات: التوبة - نصائح ومواعظ -
1- حرمان العلم، فإن العلم نور يقذفه الله في القلب، والمعصية تُطفئ ذلك النور. قال الشافعي:
شَكوتُ إلى وكيع سوء حفظي ** فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نـــــــــــور ** ونور الله لا يؤتاه عاصـــــي
2- حرمان الرزق، فكما أن التقوى مجلبة للرزق، فترك التقوى مجلبة للفقر. وما أستُجلب رزق بمثل ترك المعاصي.
3- حرمان الطاعة، فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن الطاعة لكانت كافية.
4- إن المعاصي تُوهن القلب والبدن، أما وهنها للقلب فأمر ظاهر. بل لا تزال تُضعفه حتى تزيل حياته بالكلية.
5- إن المعاصي تُقصِّر العمر، وتمحق البركة، فإن البرَّ كما يزيدُ من العمر فالفجور يُقصّر العمر.
6- إن المعاصي تزرع أمثالها، ويولد بعضها بعضًا حتى يعز على العبد مفارقتها والخروج منها.
7- إن الذنوب تضعف القلب عن إرادته، فتقوى إرادة المعصية وتضعف إرادة التوبة شيئًا فشيئًا إلى أن تنسلخ من القلب إرادة التوبة بالكلية.
8- إن كل معصية من المعاصي هي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل، فاللوطية ميراث عن قوم لوط، وأخذ الحق بالزائد ودفعه بالناقص ميراث عن قوم شعيب، والعلو في الأرض بالفساد ميراث عن قوم فرعون، والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود، فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم وهم أعداء الله.
9- إن المعصية سبب لهوان العبد على ربه، قال الحسن البصري رحمه الله: هانوا عليه فعصوه، ولو عَزُّوا عليه لعصمهم، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج 28].
10- إن غير المذنب من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنب المذنب فيحترق هو وغيره، بشؤم الذنوب والظلم.
11- إن العبد لا يزال يرتكب الذنب حتى يهون عليه ويصغر في قلبه وذلك علامة الهلاك. فإن الذنب كلما صغر في عين العبد عَظُم عند الله، قال ابن مسعود رضي الله عنه: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن الفاجر يرى ذنوبه كذباب ودع على أنفه فقال به هكذا، فطار. (رواه البخاري).
12- إن المعصية تورث الذل، فإن العز كل العز في طاعة الله.
قال عبد الله بن المبارك رحمه الله:
رأيت الذنوب تُميت القلوب *** وقد يورث الذُّل إدمانُها
وترك الذنوب حياة القلـوب *** وخير لنفسك عصيانهــا
13- إن المعاصي تُفسد العقل، فإن للعقل نورًا، والمعصية تطفئ نور العقل، وإذا طُفئ نوره ضعف ونقص.
14- إن الذنوب إذا تكاثرت طُبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين، قال تعالى: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [المطففين 14].
15- إن الذنوب تحدث في الأرض أنواعًا من الفساد في المياه والهواء والزروع والثمار والمساكن، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم 41].
16- إن الذنوب تذهب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الحياء خير كله». (رواه البخاري ومسلم).
قال الشاعر:
فما والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء
17- إن الذنوب تُضعف في القلب تعظيم الرب جل جلاله، وتضعف وقاره في قلب العبد شاء أم أبَى ولو تمكن وقار الله وعظمته في قلب العبد لما تجرأ على معاصيه.
18- إن الذنوب تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وشيطانه، وهناك الهلاك الذي لا يُرجى معه نجاة.
19- إن الذنوب تخرج العبد من دائرة الإحسان وتمنعه ثواب المحسنين، فإن الإحسان إذا باشر القلب منعه من المعاصي.
20- إن الذنوب تزيل النعم وتحُل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب ولا حلت به نقمة إلا بذنب، قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (ما نزل بلاء إلا بذنب وما دُفع إلا بتوبة).
قال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30].
وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الأنفال: 53].
ولقد أحسن القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها ** فإن الذنوب تزيل النعم
وحُطها بطاعة ربِّ العبــــــاد ** فرب العباد سريع النقـــــــــــم
وإياك والظلم مهما استطعت ** فظلم العباد شديد الوخـــــــم
وسافر بقلبك بين الــــــــورى ** لتبصر آثار من قد ظلـــــــــــم
فتلك مساكنهم بعدهــــــــــم ** شهود عليهم، ولا تتهــــــــــــم
وما كان شيء عليهم أَضـــــر ** من الظلم وهو الذي قد قصـم
فكم تركوا من جنان ومــــــن ** قصور، وأُخرى عليهم أَطـــــم
صَلُوا بالجحيم وفات النعيـم ** وكان الذي نالهم كالحلـــــــــم
[نظر: الجواب الكافي لابن القيم [ص 60: 110]. بتصرف