غزوة الأحزاب: أحداث وعبر

أحسنوا الظن بالله، وتعلقوا بالأسباب الشرعية للنصر من الإيمان، والعمل الصالح، وترك المعاصي والذنوب، وادعوا لإخوانكم في غزة دعاء صدق.

  • التصنيفات: غزوات ومعارك -

فمن عظيم الغزوات في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم التي أنزل الله تعالى فيها آيات بينات يتجلى فيها عظمة الإسلام، ويتجلى فيها أبطال الإسلام ممن أبلوا بلاءً حسنًا، فما كان منهم إلا الثبات والإقدام، ويظهر فيها خبث المنافقين الذين بثوا الأراجيف في نفوس الناس، وأرادوا تعطيل الجهاد في سبيل الله، ويتجلى فيها حقد يهود وغدرهم وخياناتهم، ويبرز فيها عداوة المشركين للإسلام وأهله؛ ألا وهي غزوة الأحزاب -غزوة الخندق- في السنة الخامسة من الهجرة؛ حيث ذهب يهود بني النضير بعد أن أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى قريش وغطفان، وحرضوهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ للثأر منه صلى الله عليه وسلم وحقدًا عليه، فتحزَّب الأحزاب لقتال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان مجموع مقاتليهم من قبائل شتى عشرة آلاف مقاتل، وقد استقر أمر الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين أن يبقوا في المدينة، وأن يحفروا خندقًا يحول بينهم وبين تلك الأحزاب، وقد بلغ الأمر شدةً على المسلمين، ولحقهم الجهد والجوع، وحوصروا حصارًا شديدًا، ومما زاد الأمر شدة وبلاء ما قام به يهود بني قريظة من نقض العهد {إِذْ جَاءُوكُمْ ‌مِنْ ‌فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 10-11].

 

أمر شديد وبلاء عظيم.

 

أما أهل الإيمان: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا ‌مَا ‌وَعَدَنَا ‌اللَّهُ ‌وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا *مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 22- 23].

 

قلوب خاشعة، وأعمال صالحة، وألسنة صادقة، ويقين ثابت، وتوكل على الحي الذي لا يموت.

 

أما المنافقون الذين في قلوبهم مرض فقالوا:  {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ‌مَا ‌وَعَدَنَا ‌اللَّهُ ‌وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَاأَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} [الأحزاب: 12-13]، وقد كشفهم الله بقوله: {إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَارًا} ؛ أي: هربًا من الجهاد.

 

وكشف الله تعالى المنافقين ممن يصرفون الناس عن القتال في سبيل الله؛ يخفضون العزائم، ويحبطون المعنويات {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ ‌الْمُعَوِّقِينَ ‌مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا * أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} [الأحزاب: 18-19].

 

{فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ}: صاروا آمنين.

 

{حِدَادٍ}: بكلام شديد، ولسان سليط.

 

وقد ذكر الله عز وجل ذلك من هؤلاء المنافقين من صفات الجبن والخور، ومرض القلب ما يبديه الكثير في هذه الأيام، وفي هذه الأحداث. والله المستعان.

 

ومكث الأحزاب محاصرين المدينة ما يقارب شهرًا والنبي صلى الله عليه وسلم ومن معه من المؤمنين ثابتون صابرون يقاتلون لله وبالله، لا يقاتلون رياء ولا سمعة ولا عصبية، يريدون إعلاء كلمة الله، وإحقاقًا للحق، وإذلالًا للباطل وأهله، وصيانة حرمة الإسلام وأهله.

 

ودعا النبي صلى الله عليه وسلم على الأحزاب: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ، وانْصُرْنَا عليهم»، فاستجاب الله عز وجل لدعاء نبيه؛ فأرسل على الأحزاب ريحًا شديدةً أسقطت خيامهم، وأطفأت نيرانهم، وزلزلت بهم الأرض {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ ‌رِيحًا ‌وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا} [الأحزاب: 9].

 

إن أحداث غزوة الأحزاب -غزوة الخندق- لأحداث عظيمة، فبعد أن هزم الله عز وجل الأحزاب توجَّه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة الذين نقضوا العهد، وغدروا بالمسلمين، فحاصرهم النبي خمسًا وعشرين ليلة حتى طال عليهم الحصار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن ينزلوا على حكم سيد الأوس سعد بن معاذ، وهو الذي قد أصيب بسهم يوم الخندق في أكحله، فدعا الله تعالى ألا يميته حتى يقرَّ عينه من بني قريظة الذين نقضوا العهد فحكم عليهم أن يُقتلَ مقاتلُهم، وتُسبى ذرارِيهم، وتؤخذ أموالهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حكمتَ فيهم بحكمِ اللهِ من فوقِ سبعةِ أرقِعةٍ»؛ أي: سبع سموات.

 

{وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ‌بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا * وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا * وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا} [الأحزاب: 25-27].

 

هذه سُنَّة الله في عباده: النصر للإسلام وأهله، والعاقبة للمتقين {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ ‌يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128].

 

أحسنوا الظن بالله، وتعلقوا بالأسباب الشرعية للنصر من الإيمان، والعمل الصالح، وترك المعاصي والذنوب، وادعوا لإخوانكم في غزة دعاء صدق.

 

إخوانكم في غزة يحتاجون منكم أن تدعو لهم الله تعالى، هذه الدعوات لا تيأسوا منها، ولا تملوا منها؛ بل ادعوا الله تعالى راغبين فيما عنده من إنزال النصر، ودحر اليهود وأعوانهم، وكف أذى أهل النفاق.

 

سيظهر الله أمره، ويعلي كلمته، ويعز دينه، وينصر عباده المؤمنين.

 

والله المستعان، وعليه التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله القوي العزيز الحكيم.

________________________________________________________
الكاتب: سعد محسن الشمري