التحلي بالقوة والثبات في زمن الملمات

محمد سيد حسين عبد الواحد

إن الصراع بين الحق وبين الباطل صراع قديم ، والمناوشة بين الإيمان وبين الكفر دائمة بدوام السموات والأرض ، والنزال بين قوى الخير وبين قوى الشر معروف

  • التصنيفات: الطريق إلى الله -


أما بعد فيقول العزيز الحكيم جلت قدرته {﴿ يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا لَقِيتُمُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ ٱلْأَدْبَارَ ﴾﴿ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُۥٓ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَىٰهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ ﴾﴿ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ قَتَلَهُمْ ۚ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَٰكِنَّ ٱللَّهَ رَمَىٰ ۚ وَلِيُبْلِىَ ٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلَآءً حَسَنًا ۚ إِنَّ ٱللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ﴿ ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ ٱلْكَٰفِرِينَ ﴾ ﴿ إِن تَسْتَفْتِحُوا۟ فَقَدْ جَآءَكُمُ ٱلْفَتْحُ ۖ وَإِن تَنتَهُوا۟ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَإِن تَعُودُوا۟ نَعُدْ وَلَن تُغْنِىَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْـًٔا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ﴾ }

وفي الصحيحين عن عبد الله بن أبى أوفى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم انتظر في بعض أيامه التي لقى فيها العدو حتى إذا مالت الشمس قام فيهم فقال: «يا أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف. ثم قام وقال: اللهم منزل الكتاب، ومجرى السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم» » .

أيها الإخوة الكرام : إن الصراع بين الحق وبين الباطل صراع قديم ، والمناوشة بين الإيمان وبين الكفر دائمة بدوام السموات والأرض ، والنزال بين قوى الخير وبين قوى الشر معروف من لدن آدم عليه السلام ثم هو باق إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها قال رأس الشر يوما من الأيام لربه { ﴿ قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِىٓ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ ﴿ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ ٱلْمُنظَرِينَ ﴾  ﴿ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْوَقْتِ ٱلْمَعْلُومِ ﴾ ﴿ قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ﴾ ﴿ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ ٱلْمُخْلَصِينَ ﴾}
وفي موقف آخر قال رأس الشر لربه {﴿ قَالَ أَرَءَيْتَكَ هَٰذَا ٱلَّذِى كَرَّمْتَ عَلَىَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَٰمَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ }

صراع يشهد على مدار الزمان ( مداولة ) بين الحق وبين الباطل فأحيانا الحق ينتصر وأحيانا الحق يضعف ، فالباطل في وقت ضعف الحق يظهر ويسيطر وإلى ذلك أشارت الآية ( وتلك الأيام نداولها بين الناس ) لكن في كل الأحوال يبقى الحق حقا ويبقى الباطل باطلا ، الحق يبقى بثباته وقوته وصلاحيته ، والباطل ما زال ولم يزل هشا مزيفا زاهقا .. 

{﴿ قُلْ مَن رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ قُلِ ٱللَّهُ ۚ قُلْ أَفَٱتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِۦٓ أَوْلِيَآءَ لَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلَا ضَرًّا ۚ قُلْ هَلْ يَسْتَوِى ٱلْأَعْمَىٰ وَٱلْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِى ٱلظُّلُمَٰتُ وَٱلنُّورُ ۗ أَمْ جَعَلُوا۟ لِلَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُوا۟ كَخَلْقِهِۦ فَتَشَٰبَهَ ٱلْخَلْقُ عَلَيْهِمْ ۚ قُلِ ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَىْءٍ وَهُوَ ٱلْوَٰحِدُ ٱلْقَهَّٰرُ ، أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌۢ بِقَدَرِهَا فَٱحْتَمَلَ ٱلسَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا ۚ وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِى ٱلنَّارِ ٱبْتِغَآءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَٰعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُۥ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْحَقَّ وَٱلْبَٰطِلَ ۚ فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءً ۖ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِ ۚ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ ٱلْأَمْثَالَ ﴾}

قبل أسبوع كنت أحدثكم عن الإسلام .. دين الأمل في الله عز وجل، دين التفاؤل ،والبشر ، وتوقع الخير مهما كانت الأحوال سيئة ..
وحدثتكم عن تفائل رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحلك الأيام وأصعب الأوقات ، وهو بمكة يعذب ويؤذى في سبيل الله عز وجل ..
يرجع والتراب على رأسه ، وسلى الجزور على ظهره، وهو في كل ذلك متفائل يتوقع زوال هذا الأذى ، ويأمل في انكشاف الغمة، ويستبشر بنصر قريب، يقول لابنته الباكية لا تحزني لا تجزعي إن الله ناصر أباك ..
وفي طريق الهجرة يدركه سراقة بن مالك فيقول له ارجع يا سراقة ولك سواري كسرى ..

إنه اعتزاز المؤمن بإيمانه ، وإنها قوة الحق ، وجرأة أصحاب الحق على الباطل وعلى أهل الباطل ، هذه القوة وهذا الاعتزاز وهذه الجرأة رأيناها رأي العين في سيرة النبي عليه الصلاة والسلام ورأيناها أيضا في سير الصحابة رضوان الله تعالى عليهم   

ونصيحة أنصح بها نفسي وأسديها لمن أحب ويشهد الله أنكم ممن أحب ( إذا سركم أن تذوقوا طعم الإيمان وطعم الاعتزاز بهذا الدين )  فاقرأوا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعرفوا سير الصحابة رضوان الله تعالى عليهم ..

من بين الصحابة الكرام الذين نتعلم منهم الاعتزاز بالدين ونتعلم منهم قوة الإيمان والثبات على الحق والجرأة على أهل الباطل الصحابي الجليل رِبعي بن عامر التميمي رضى الله عنه 

من هو رِبعي بن عامر؟
ربعي بن عامر  رجل من بني تميم ثم هو أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم، وكانت أمه من كبار أهل مكة و ساداتها، و قد أسلم ربعي بن عامر التميمي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فله رضى الله عنه صحبة ، وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام انخرط ربعي بن عامر في صفوف المجاهدين في سبيل الله تعالى في خلافة أبي بكر رضي الله عنه وفي خلافة عمر رضي  ..

ومن أشهر مناقبه رضى الله عنه أنه كان من الجيش الذي شارك في فتح مدينة دمشق في العام الثالث عشر من الهجرة، وشارك رضى الله عنه مشاركة فاعلة مميزة سجلها التاريخ بأحرف من نور في معركة القادسية، فقاتل الفرس في عقر دارهم ( ولعلكم تذكرون حديث رسول الله مع سراقة بن مالك وما وعده به أن يوما سيأتي فيلبس سراقة سواري كسرى ملك الفرس )

شارك ربعي بن عامر في غزو ( الفرس ) في عقر دارهم وكان ذلك في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضى الله عنه وتحديدا في شهر ( شعبان ) من العام الرابع عشر من هجرة النبي عليه الصلاة والسلام  ..

ورد في البداية و النهاية ل ( ابن كثير )
أن معركة القادسية كانت بالقرب من مدينة القادسية في العراق و قد وقعت في شهر شعبان من سنة 14 هجرية، والمؤمنون يومئذ أميرهم عمر الفاروق رضى الله عنه ،وقائد جيوش المسلمين يومئذ الصحابي الجليل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان عدد المسلمين في تلك المعركة ثلاثين ألفا ، والفرس على أرضهم وبين ديارهم مائتي ألف مقاتل ..

وعلى الرغم من كثرة الفرس ، وعلى الرغم من أن الأحداث تجري على ملعبهم إلا أن الفرس كانوا يخشون لقاء المسلمين ، إذ وضع الله تعالى مهابة المسلمين في قلوب عدوهم ، ثم لأن الفرس هزموا على أيدي المسلمين هزائم ساحقة في معارك سابقة ..

وكان للفرس في ذلك الوقت قائد يقال له (رَسْتم) كان متخوفا من لقاء المسلمين ، يخشى من هزيمة جديدة تقصم ظهره وظهر الفرس .. 
فحاول (رَسْتم) ان يغري المسلمين ب( المال ) ولكنهم لم يستجيبوا له ، فأرسل (رَسْتم ) قائد الفرس إلى سعد بن ابي وقاص ( قائد المسلمين ) يطلب التفاوض معه ، فأرسل له سعد بن أبي وقاص صحابيا جليلا من بني تميم يقال له ( ربعي بن عامر ) أرسله سعد على رأس وفد من المسلمين للتفاوض مع الفرس يعرضون عليهم الإسلام فإن قبلوا فبها ونعم وإن أبو فالجزية فإن قبلوا فبها ونعم ، وإن أبو فالقتال بين المسلمين وبين الفرس حتى يحكم الله بينهما ..

في ذلك الوقت كان لربعي بن عامر رأيا وجيها .. قال لسعد إن الفرس قوم متكبرون :يدمنون الزهو ، ويحبون الفخر ، ويحبون التباهي ، فلو ذهبنا إليهم بهذا العدد من المسلمين تعاظموا، انتفخوا ، وأخذتهم العزة بالإثم ، ومن هنا رأيت أن ترسل إليهم من المسلمين رجلا واحدا ليعلموا قوتنا واعتزازنا ، وأننا لا نأبه بهم ..

فقبل سعد (رأي) ربعي بن عامر ورآه رأيا سديدا ، لكنه عاد فقال : ومن ذا الذي سيدخل على (الفرس) وحده  ؟ ويكلمهم وحده؟ ويفاوضهم وحده ؟ فقال ربعي بن عامر ( أنا ) “سَرِّحوني” يا قائد المسلمين أدخل عليهم ..
فأذن سعد بن أبي وقاص له فتقلد ربعي بن عامر سلاحه ولبس درعه ، وبيضته على رأسه ، وركب فرسه وقد كانت قصيرة فدخل بها معسكر الفرس ولم يزل على ظهرها يشق بها صفوف الفرس حتى وقف بها على الخيمة التي فيها قائد الفرس ( رَسْتم) فلما وقف عندها طلب منه الحرس أن ينزع سلاحة ويدخل على القائد أعزل، فقال ربعي بن عامر رضي الله عنه : “لا أنزع سلاحي، أنتم دعوتموني، فإن أردتم أن آتيكم ، آتيكم كما أُحِبُّ، وإلا رَجعتُ من حيث أتيت”، فكلموا القائد في أن يدخل بسلاحه ودرعه ، وبيضته على رأسه ،فأذن له رَسْتم أن يدخل عليه ومعه سلاحه، فدخل ربعي بن عامر بفرسه القصيرة خيمة رَسْتم ثم نزل عنها وربط لجامها بوسادة من الوسائد ، وأقبل يتكئ على رمحه ويدوس على النمارق حتى خرق بعضها ،فلما انتهى إلى رَسْتم ، جلس ربعي على الأرض، فلما تعجب رَسْتم من جلوسه على الأرض وحوله النمارق قال له الربعي: “إنا قوم لا نستحب أن نجلس على زينتكم”.

فقال رَسْتم من أنتم ؟
وما الذي جاء بكم إلى هذه البلاد ؟ 
فقال: ربعي بن عامر رضي الله عنه نحن المسلمين ..
وإن الله تعالى ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، فمن قَبِلَ ذلك منا قبلنا منه، و إن لم يقبل منا قبلنا منه الجزية، و إن أبى كان اللقاء حتى يحكم الله بيننا ..

فقال له رَسْتم قائد الفرس: لكنكم قد تموتون قبل ذلك، فقال ربعي بن عامر: وعدنا الله أن الجنة لمن مات منا على ذلك، و أن الظفر والنصر لمن بقي منا ..

{﴿ قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلَّآ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ ۖ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِۦٓ أَوْ بِأَيْدِينَا ۖ فَتَرَبَّصُوٓا۟ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ﴾﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ ﴾}

هذا الثبات الذي واجه به ربعي بن عامر قائد الفرس ، وهذه القوة التي تكلم بها عملت عملها في قلبه .. أزعجته ، أفزعته ، حطمت معنوياته ..
فقال رَسْتم لربعي بن عامر دعني أياما أرى رأيي فقال ربعي لك من الأيام ثلاثة ترى فيها رأيك ، قال ليست كافية ، فقال ربعي بل كافية ، لك ثلاثة أيام فقط ..

فجعل رَسْتم يستشير قادة ألويته ويقول “أرأيتم إلى مَنطِقِه؟ أرأيتم إلى قوته؟ أرأيتم إلى ثقته؟” و كأنه يقنعهم بالصلح مع المسلمين، و لكنهم رفضوا رفضا قاطعا ، فكانت معركة القادسية ، والتي دارت رحاها في عقر دارهم والتي انتصر المسلمون فيها انتصارا ساحقا ومن يومها لم تقم للفرس قائمة 
قال الله تعالى لرسوله ولكل مسلم {﴿ لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ فِى ٱلْبِلَٰدِ ﴾﴿ مَتَٰعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَىٰهُمْ جَهَنَّمُ ۚ وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ ﴾ وقال  ﴿ وَلَا يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ ۘ إِنَّ ٱلْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ۚ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴾ }

نسأل الله العظيم ، أن يردنا إلى قوتنا وعزتنا وكرامتنا ردا جميلا إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير ..


الخطبة الثانية 
بقى لنا في ختام الحديث عن التحلي بالقوة والجرأة والثبات في زمان الفتن والمحن والملمات بقى لنا أن نقول: 
ونحن نرى ما يحدث الآن بالمسلمين في بلاد المسلمين لا يسعنا إلا (أن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ) نشهد بها لا لأننا ولدنا على الإسلام ولكن لأن ما قاله القرآن الكريم ،وما تكلم عنه النبي صلى الله عليه وسلم قبل أربعة عشر قرنا من الزمان تجري الأحداث به ، ومصدقة له ..
قال الله تعالى : {﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ فِى ٱلْكِتَٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ }
أما هذا الفساد الأول فكان في عهد النبي عليه الصلاة والسلام ( حين غدر يهود بنو قينقاع ويهود بنو النضير ويهود بنو قريظة بالمسلمين ، ونقضوا العهد معهم) فاستحلوا حرمات المسلمين ، وهموا بقتل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأعانوا قريشا بالسلاح والطعام عام الأحزاب سعيا في القضاء على المسلمين .. هذا هو إفسادهم الأول في الأرض ، وقد أتى الله على هذا الإفساد وقضى عليه بسواعد الكرام من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الله تعالى {﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ فِى ٱلْكِتَٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾ ﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ أُو۟لِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا۟ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ﴾}
  
ثم إننا الآن ومن قبل أكثر من ( خمس وسبعين سنة ) ونحن على موعد مع الإفساد الثاني والأخير لبني إسرائيل في الأرض فما نراه اليوم من جبروتهم وتكبرهم وبطشهم ما هو إلا ترجمة حرفية للإفساد الثاني الذي تكلم الله عنه في سورة الإسراء ، ولا ننتظر فيهم إلا وعد الله تعالى نحن بانتظار عباد الله الذين يأتون ويقضون على الإفساد الثاني والأخير  لبني إسرائيل في الأرض ..

 قال الله تعالى {﴿ وَقَضَيْنَآ إِلَىٰ بَنِىٓ إِسْرَٰٓءِيلَ فِى ٱلْكِتَٰبِ لَتُفْسِدُنَّ فِى ٱلْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا ﴾﴿ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَآ أُو۟لِى بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا۟ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا ﴾﴿ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ ٱلْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَٰكُم بِأَمْوَٰلٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَٰكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا ﴾  ﴿ إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَآءَ وَعْدُ ٱلْءَاخِرَةِ لِيَسُۥٓـُٔوا۟ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا۟ ٱلْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا۟ مَا عَلَوْا۟ تَتْبِيرًا ﴾}

ومن المبشرات في ظل هذا الظلام الدامس ما ورد عن الصادق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم 
( لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين , لعدوهم قاهرين , لايضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك , قالوا وأين هم ؟ قال : ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس ). 

نسأل الله العظيم أن ينصرهم وأن يسدد رميهم وأن يحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم عاجلا غير آجل إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.