خلاصة القول في الأخلاق الإسلامية وأهميتها للحياة الإنسانية
إن العالم اليوم بانتظار الأخلاق من أمة الأخلاق، والفرد هو اللبنة الأولى في هذا البناء، فكل منا مدعو إلى المشاركة في بناء صرح الأمة وفق العقيدة الإسلامية والأخلاق الإسلامية والسلوك الإسلامي
- التصنيفات: مجتمع وإصلاح -
كنا بهذه الجولة في رياض الأخلاق، كما قال الشاعر محمد إقبال: فكان عبير الأزهار هو الذي جذب العندليب إلى الحديقة، ولولا هذا العبير، لما عرف العندليب أصلاً بوجود الحديقة.
لقد تعرفنا في هذه الكلمات السابقة على أساس مكارم الأخلاق، وعلى جوانب من علم الأخلاق، وعرفنا أن الأخلاق هي السجايا وأن علم الأخلاق هو العلم الذي يبحث في السلوك الناتج عن السجايا والغرائز دراسة وتقويماً.
(سعادة الإنسان في دنياه وأخراه لا تكون إلا بسلوك سوي مستقيم راشد يصدر عن صحة الإدراك وزكائه، ولا تكون صحة الإدراك وسلامة السلوك إلا عن عقيدة صحيحة؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (فكل من استقرأ أحوال العالم وجد المسلمين أحدّ وأسدّ عقلاً، وأنهم ينالون في المدة اليسيرة من حقائق العلوم والأعمال أضعاف ما يناله غيرهم من قرون وأجيال)[1].
وكان فيها إضاءات أخلاقية ليصل المسلم إلى نفسه، ويتعرف إليها، ويقوّم سجاياها وطبائعها وغرائزها الفطرية والمكتسبة، وفقاً للأخلاق الإسلامية؛ اعتقاداً وسلوكاً؛ صدقاً وإخلاصاً واستقامة في الباطن، وسلوكاً أخلاقياً عملياً في الحياة قولاً وعملاً.
إن مقارنة بسيطة بين الأخلاق الإسلامية التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم أجمعين، وبين أخلاق البشرية آنذاك، لتدل دلالة واضحة، كم كان المجتمع الإسلامي سعيداً بأخلاقه، وكم كانت المجتمعات البشرية شقية بأخلاقها، وكم أصبحت الإنسانية سعيدة حينما استظلت بظلال الإسلام عقيدة وأخلاقاً!.
والعالم اليوم، ينتابه الشقاء والبلاء، والقهر والجور ونقض العهود والمواثيق، كما تنتابه الأمراض الفتاكة نتيجة تعاطيه المحرمات من المأكول والمشروب، ونتيجة الاتصال المحرم، فانصبت على البشرية أمراض لم تكن في سالف العهود، وكثرت العيادات النفسية، وازدادت أمراض انفصام الشخصية والاضطرابات العقلية، وتضخمت نسبة الجنون والانتحار.
كل ذلك لابتعاد الناس عن الإسلام، وعن أخلاقه الطاهرة المضيئة التي تمنح النفس نفسها، وتحقق في الإنسانية إنسانيتها.
أفيحسب المثقف أن دراسة الأخلاق لازدياد المعرفة دون تطبيقها بربط هذه القيم بالواقع؟.
أو يحسب المعلم الذي يدرِّس هذه الأوراق أنه يقوم بأداء مهمته خير قيام، إذا ألقى هذه المعلومات أمام طلابه دون أن يضع في حسبانه أنه يعلمهم فن الحياة السعيدة؟
أم يحسب الطالب أنه يدرس هذه الأوراق ليقرأها ويستذكرها ويستوعبها، ثم يصبها في قوالب تأتي قريباً من الأصل، ليحوز على أكبر رقم من الدرجات، دون أن يكون له من نور هذه القيم أوفر نصيب؟
إن الأخلاق هي العقيدة والسلوك؛ وحظ الإنسان من هذين الركنين بقدر ما يرسخ في نفسه من قوة العقيدة، وحسن ترجمتها إلى سلوك.
وحسب (المعرفة) إنارة الطريق أمام العقل والروح، لتكون النية خالصة لله سبحانه وتعالى، ولتعبيد السبيل للسالكين لتعم الخيرية في النفس والمجتمع.
إن العالم اليوم بانتظار الأخلاق من أمة الأخلاق، والفرد هو اللبنة الأولى في هذا البناء، فكل منا مدعو إلى المشاركة في بناء صرح الأمة وفق العقيدة الإسلامية والأخلاق الإسلامية والسلوك الإسلامي؛ فالأمة بانتظار هذه الأخلاق العظيمة، وقد قال الله تعالى لنبيه الكريم {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4] والبشرية تنتظر هذه الأخلاق، انتظار الغصن في الصحراء لقطرة الماء، إنها أخلاق محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يهفو لأخلاقه الإنسان في شغف *** كما هفا الغصن في الصحراء للديم
{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
_______________________________________
المصدر: كتاب "الأخلاق الإسلامية وأهميتها للحياة الإنسانية"
د. أحمد الخاني
[1] أثر العقيدة وإتقان العمل في السلوك - السفر الثاني لأبي عبد الرحمن ابن عقيل الظاهري ط1 ص7 .