مختصر كتيب: الأصول التي خالف فيها الشيعة الاثني عشرية أهلَ السنة والجماعة
سالم محمد
مختصر لكتيب صغير في حجمه، عظيم في موضوعه، في زمن ظن البعض أو كاد أن الخلاف بين المسلمين والشيعة الاثنا عشرية خلاف في أمور ليست من أصول الملة وهذا خطأ فادح
- التصنيفات: الملل والنحل والفرق والمذاهب -
الحمد لله منزل الكتاب، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى الآل والأصحاب، أما بعد:
فهذا مختصر لكتيب صغير في حجمه، عظيم في موضوعه، في زمن ظن البعض أو كاد أن الخلاف بين المسلمين والشيعة الاثنا عشرية خلاف في أمور ليست من أصول الملة وهذا خطأ فادح، والمختصر دليل للكتيب ولا يغني عنه، فمن رجع للأصل وجد الكثير من الأدلة والنقولات والتوسع أكثر، والكتيب المقصود بالاختصار للشيخ سعد بن عبد الله البريك حفظه الله تعالى.
------------------------------
الأصل الأول: التوحيد.
الأصل الثاني: القرآن.
الأصل الثالث: السنة النبوية.
الأصل الرابع: علم الغيب وعقيدة البداء.
الأصل الخامس: مسألة عصمة الأئمة.
الأصل السادس: عدالة الصحابة.
------------------------------
الأصل الأول: التوحيد:
أرسل الله الرسل، وأنزل الكتب؛ ليعبد وحده لا شريك له، وترك كل ما يعبد من دونه، وترك عبادة الأوثان والأصنام والأنداد، قال سبحانه: {[وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ]} (النحل: ٣٦)، وقال تبارك وتعالى: {[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] } (الذاريات: ٥٦)، قال ابن عباس: أي يوحدون.
فالتوحيد هو أول ما يدخل به المرء في الإسلام، وآخر ما يخرج به من الدنيا، وهو أول واجب وآخر واجب، لكن روايات الاثني عشرية جعلت لـ علي رضي الله عنه ولأهل بيته من بعده من العبادات كالدعاء، والخوف، والرجاء، والاستغاثة، والاستعانة، والحلف، والذبح، والنذر وغيرها ما ينبغي أن يكون لله وحده، وجُعلت للأئمة مكانة لا تنبغي إلا لله تبارك وتعالى وحده، وأُوّلت جميع نصوص القرآن التي تأمر بعبادة الله وحده إلى الإيمان بالولاية، وصُرفت النصوص التي تنهى عن الشرك بالله إلى النهي عن الشرك بالولاية.؛ فقوله سبحانه: { [وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ]} ، فسروه بالشرك في ولاية علي[1]، وفي موضع آخر جعلوا معناها: "لئن أمرت بولاية أحد مع ولاية علي عليه السلام من بعدك ليحبطن عملك"[2].
ومعنى الإله أي الإمام. ففي قوله سبحانه: {[أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ]} ، قال أبو عبد الله عليه السلام: "أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد"[3].
عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: { [وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ]} (النحل: ٥١)، يعني بذلك ولا تتخذوا إمامين، إنما هو إمام واحد. [4]
وأولوا معنى كلمة "الرب" إلى "الإمام" ، قال الخميني عن تأويل قول الله تبارك وتعالى: { [يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ]} أي: ربكم الذي هو الإمام[5].
ولنقرأ عناوين الأبواب التالية من كتابي بحار الأنوار للمجلسي والكافي للكليني؛ لبيان درجة غلوهم في أهل البيت عليهم السلام، ومن ذلك: (باب أنهم أعلم من الأنبياء عليهم السلام)، (باب تفضيلهم على الأنبياء وعلى جميع الخلق)، (باب أنهم يقدرون على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وجميع معجزات الأنبياء) ، (باب أن الأئمة يعلمون متى يموتون وأنهم لا يموتون إلا باختيار منهم)[6].
------------------------------
الأصل الثاني: القرآن:
لمّا لم تجد الإمامية في كتاب الله ما يثبت ويؤكد معتقدها في الأئمة، وأحقيتهم بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ولما عجزت عن إثبات ما يبرر غلوها فيهم، وبعد أن تذمَّر عامة الشيعة عندما لم يجدوا في كتاب الله ما يزعمه الملالي والمراجع من ذِكر أئمتهم وعقائدهم، اضطروا إلى الزعم بأن كتاب الله تعالى قد غُيَّر وحُذف منه، وأن الصحابة قد تلاعبوا به، وأنهم لم يبلغوه للأمة كما أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم!!
يقول المفيد في كتابه أوائل المقالات (٥٤) : "إن الأخبار قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وسلم باختلاف القرآن، وما أحدثه بعض الطاعنين فيه من الحذف والنقصان". وقال: "واتفقوا - أي الإمامية - على أن أئمة الضلال - أي الصحابة رضي الله عنهم - خالفوا في كثير من تأليف القرآن، وعدلوا فيه عن موجب التنزيل وسنة النبي صلى الله عليه وسلم" [7]، وفي مرآة العقول للمجلسي [8] رواية تزعم: "أن القرآن الذي جاء به جبرائيل - عليه السلام - إلى محمد صلى الله عليه وسلم وآله وسلم سبعة عشر ألف آية".
وتزعم الشيعة أن علياً رضي الله عنه أخفى القرآن؛ لأن الصحابة ظلموه حقه، ولو أنصفوه لأخرج المصحف الحقيقي! جاء في بحار الأنوار[9] أيضاً أن علياً رضي الله عنه قال: "لو ثني لي الوسادة، وعرف لي حقي؛ لأخرجتُ لهم مصحفاً كتبته وأملاه عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم"، ولماذا يتستر على خيانة الخائن وتحريف المحرف، ومن أقر خائناً على خيانته كان كفاعلها؟
وقد ألف الطبرسي هذا كتاباً جمع فيه كل روايات التحريف المفتراة وسماه: "فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الأرباب"، جمع فيه رواياتهم المتفرقة وأقوال شيوخهم المتناثرة؛ لإثبات أن الشيعة برواياتها وأقوال المحققين من شيوخها تقول بالتحريف، وقد ألف كتابه هذا لإقناع من يقولون من الشيعة بعدم وقوع التحريف[10].
------------------------------
الأصل الثالث: موقفهم سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم:
حصرت الاثني عشرية العمل بالسنة بما ينقل عن بعض أهل البيت من روايات، وبسبب ذلك فقد حُرمت من مصدر عظيم من مصادر العلم والهدى، وهو السنة الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي رواها الصحابة رضي الله عنهم.
يقول محمد حسين آل كاشف الغطا - أحد مراجع الشيعة في هذا العصر - في تقرير مذهب الشيعة في ذلك: "إن الشيعة لا يعتبرون من السنة (أي الأحاديث النبوية) إلا ما صح لهم من طرق أهل البيت، أما ما يرويه مثل أبي هريرة، وسمرة بن جندب، وعمرو بن العاص ونظائرهم فليس لهم عند الإمامية مقدار بعوضة". [11]
إن سبب رد روايات الصحابة رضي الله عنهم يعود إلى زعم الاثني عشرية أن الصحابة خرجوا من دين الإسلام، ولا يستثنون من ذلك إلا عدداً لا يساوي أصابع اليد - كما مر معنا- ولم يشفع للصحابة عند هؤلاء ثناء الله ورسوله عليهم، ولا صحبتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا جهادهم في سبيل الله، وتضحياتهم، وسابقتهم، وبذلهم الأرواح والمهج، ومفارقتهم للأهل والوطن، ونشرهم للإسلام في أصقاع الأرض.
وتذهب الشيعة إلى أن قول الإمام هو كقول الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن السنة هي: "كل ما يصدر عن المعصوم من قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ"[12].
بل إن المازندراني أبعد في الغلو حين قال: "يجوز لمن سمع حديثاً عن أبي عبد الله رضي الله عنه أن يرويه عن أبيه أو عن أحد من أجداده، بل يجوز أن يقول: قال الله تعالى"[13].
والإمامية تصر على جرح الصحابة وعدم تعديلهم رغم وجود شهادات من أئمتهم على صدق الصحابة رضي الله عنهم وعدالتهم، ففي أصول الكافي[14]، وبحار الأنوار[15]: "عن ابن حازم قال: قلت لأبي عبد الله.. فأخبرني عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقوا على محمد صلى الله عليه وسلم أم كذبوا؟ قال: بل صدقوا".
------------------------------
الأصل الرابع: علم الغيب وعقيدة البداء:
الغيب هو ما قابَلَ الشَّهادة، أيْ ما يُغيب على الإنسان العِلْمُ به، ولا يعلمه إلا الله تعالى، قال سبحانه: [وعِنْدَهُ مَفَاتِحَ الغَيْبَ لا يَعْلَمُهَا إلاّ هُوَ] (الأنعام: ٥٩)، وقوله تعالى: { [قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِىَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ]} (الأعراف: ١٨٨).
لكن الشيعة يخالفون ما نطق به صريح القرآن وصحيح السنة، فزعموا أن علم الأئمة غيبي مطلق، وأن الأئمة "يعلمون ما في السماوات وما في الأرض، ويعلمون ما في الجنة والنار، ويعلمون ما كان وما يكون"[16].
وخلاصة هذا المعتقد (البداء): أن الله تعالى قد يقدر أمراً من الأمور، ثم يبدوا له أن يغيره بعد ذلك، وقد جعلت الرافضة هذا المعتقد من أصول مذهبها، فعقد الكليني باباً أسماه "البداء" ضمنه عدداً من الأحاديث المختلقة، من ذلك: حديث: (ما عُبد الله بشيء مثل البداء)، وحديث: (ما بعث الله نبياً قط إلا بتحريم الخمر، وأن يقر لله بالبداء)، وحديث: (ولو علم الناس ما في القول بالبداء من الأجر ما فتروا عن الكلام فيه) [17]، وهذا المعتقد يعني في حقيقة نسبته الجهل والنسيان إلى الله تعالى، فهو كفر بواح.
ولعل سائل يسأل عن سبب قول الشيعة بعقيدة البداء واهتمامهم البالغ بها؟
والجواب: أن سبب ذلك هو زعمهم أن أئمتهم يعلمون الغيب! حتى عقد صاحب كتاب الكافي باباً يقول بأن الأئمة يعلمون ما كان وما يكون وأنه لا يخفى عليهم شيء. فكان القول بالبداء هو المخرج إذا حدّث الأئمة بشيء ثم ثبت في الواقع خلافه، فيحتجون بأن يقولوا (بدا لله في ذلك)، أي: أن ما قاله الأئمة حق، لكن الله نشأ له رأي جديد! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!!
فاستساغوا أن يدعوا أن الأئمة يعلمون الغيب مطلقاً، لكن لا يجوز عندهم أن يوصف الله بالعلم المطلق؛ بل يجوز عليه البداء.
------------------------------
الأصل الخامس: عصمة الأئمة:
إن دعوى عصمة الأئمّة تضاهي النّبوّة، فإنّ المعصوم يجب اتّباعه في كلّ ما يقول، ولا تجوز مخالفته في شيء، وهذه خاصّة بالأنبياء. قال سبحانه: {[وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ]} (النساء: ٥٩)، فلم يأمرنا بالرد عند التنازع إلا إلى الله والرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان للناس معصوم غير الرسول صلى الله عليه وسلم لأمرهم بالرد إليه؛ فدل القرآن على أن لا معصوم إلا الرسول صلى الله عليه وسلم[18]، واتفق أهل العلم على أن كل شخص سوى الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنه يؤخذ من قوله ويترك[19].
لكن الإمامية الاثني عشرية تذهب إلى القول بأن الأئمة معصومين لا يخطئون، وجعلت ذلك من أصول عقيدتها، يقول المجلسي: "اعلم أنّ الإماميّة اتّفقوا على عصمة الأئمّة عليهم السّلام من الذّنوب صغيرها وكبيرها فلا يقع منهم ذنب أصلاً لا عمدًا ولا نسيانًا ولا الخطأ في التّأويل ولا الإسهاء من الله سبحانه"[20].
------------------------------
الأصل السادس: عدالة الصحابة:
ثبت في كتب الشيعة المعتبرة روايات تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن ما كان بين الصحابة وأهل بيت النبوة هو علاقة عنوانها الود والمحبة والولاء والرحمة، تحقيقاً لقوله تعالى: {[أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ]} (الفتح: ٢٩)، وقوله تعالى: {[وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ]} (التوبة: ٧١)، لكنهم تجاهلوا هذه الروايات، فحكموا على الصحابة بالكفر، حتى قال قائلهم: إن الناس كلهم ارتدوا بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) غير أربعة. وذهب الكليني إلى أبعد من ذلك فقال: "كان الناس أهل ردة بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة: المقداد بن الأسود، وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي" [21]، ومثل هذا ما ذكره المجلسي بقوله: "هلك الناس كلهم بعد وفاة الرسول إلا ثلاثة: أبو ذر والمقداد وسلمان"[22].
وخصوا بالعداوة الخلفاء الثلاثة ومعاوية، فقد ذكر العياشي في تفسيره في سورة البراءة عن أبي حمزة الثمالي أنه قال: قلت للإمام: ومن أعداء الله؟ قال: الأوثان الأربعة، قال: قلت: من هم؟ قال: أبو الفصيل يعني أبا بكر، ورمع أي عمر، ونعثل أي عثمان، ومعاوية، ومن دان بدينهم، فمن عادى هؤلاء فقد عادى أعداء الله "[23].
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
[1] (الكافي١/٤٢٧ وبحار الأنوار٢٣/٣٨٠)
[2] (بحار الأنوار١٧/٨٤)
[3] (بحار الأنوار٢٣/٣٦١)
[4] (تفسير العياشي٢/٢٦١)
[5] (مصباح الهداية إلى الخلافة والولاية ١٤٥)
[6] (البحار للمجلسي ٢٦/١٩٤-٣١٩ والكافي للكليني ١/٢٦٠)
[7] أوائل المقالات ١٣
[8] (٢/٥٣٦)
[9] (٩٢/٥٢)
[10] (فصل الخطاب ٣٦٠)
[11] (أصل الشيعة وأصولها ٧٩)
[12] (الأصول العامة للفقه المقارن لمحمد تقي الحكيم ١٢٢)
[13] (المازندراني شرح جامع على الكافي ٢/٢٧٢)
[14] (١/٦٥)
[15] (٢/٢٢٨)
[16] (الكافي ١/٢٠٤)
[17] الكافي (١/١٤٦)
[18] منهاج السنة ٢/١٠٥ بتصرف يسير
[19] منهاج السنة ٣/١٧٥ بتصرف يسير
[20] في بحار الأنوار (٢٥/٢١١
[21] (الكافي ٨/٢٤٥)
[23] (تفسير العياشي ٢/ ١١٦، وبحار الأنوار للمجلسي ٧/ ٣٧)