خذلان المسلم لأخية
خِذْلانُ المُؤمِنِ حرامٌ شديدُ التَّحريمِ؛ دُنيويًّا كان، مِثلَ أن يَقدِرَ على دفعِ عَدُوٍّ يريدُ البَطشَ به
- التصنيفات: الطريق إلى الله -
خِذْلانُ المسلِمِ لأخيه المسلِمِ حرامٌ شَرعًا، وقد عدَّه ابنُ حَجَرٍ الهيتمي من الكبائِرِ .
قال المُناويُّ: (خِذْلانُ المُؤمِنِ حرامٌ شديدُ التَّحريمِ؛ دُنيويًّا كان، مِثلَ أن يَقدِرَ على دفعِ عَدُوٍّ يريدُ البَطشَ به، فلا يَدفَعَه، أو أُخرَويًّا كأن يَقدِرَ على نصحِه مِن غَيِّه بنحوِ وَعظٍ، فيَترُكَ) .
لكِنْ ينبغي تقييدُ وُجوبِ نُصرتِه وتحريمِ خِذْلانِه بما إذا لم يكُنْ هناك عُذرٌ شَرعيٌّ؛ قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: الخَذْلُ: تَركُ الإعانةِ والنَّصرِ، ومعناه: إذا استعان به في دَفعِ ظالمٍ ونحوِه، لزِمَه إعانتُه إذا أمكَنه ولم يكُنْ له عُذرٌ شَرعيٌّ)
معنى الخِذْلانِ لُغةً:
الخِذْلانُ: مَصدَرُ خَذَل يَخذُلُ خَذلًا وخِذْلانًا، وهو تَركُك نُصرةَ أخيك وعونَه، وأصلُ الخِذْلانِ التَّركُ والتَّخليةُ، ويقالُ للبقَرةِ والشَّاةِ إذا تخلَّفَت مع ولَدِها في المرعى وتركَت صواحباتِها: خَذولٌ. والخاذِلُ: ضِدُّ النَّاصِرِ، والتَّخذيلُ: حَملُ الرَّجُلِ على خِذْلانِ صاحِبِه، وتثبيطُه عن نُصرتِه، وأصلُ هذه المادَّةِ يدُلُّ على تركِ الشَّيءِ والقعودِ عنه .
معنى الخِذْلانِ اصطِلاحًا:
قال الرَّاغِبُ: (الخِذْلانُ: تَركُ مَن يُظَنُّ به أن يَنصُرَ نُصرَتَه) .
وقال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: الخَذلُ: تَركُ الإعانةِ والنَّصرِ) .
وقال السَّمينُ الحَلَبيُّ: (الخِذْلانُ: تَركُ النَّصرِ ممَّن يتوقَّعُ منه ذلك) .
وقال الشَّوكانيُّ: (الخِذْلانُ: تَركُ العَونِ) ، وقال أيضًا: (الخَذلُ: تَركُ الإغاثةِ) .
وقال ابنُ عاشورٍ: (الخَذلُ: تَركُ نَصرِ المُستنجِدِ مع القُدرةِ على نَصرِه) .
ذم الخذلان والنهي عنه :
قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا } [الفرقان: 27-29] .
قال الشِّنْقيطيُّ: (والخَذولُ: صيغةُ مبالغةٍ، والعَرَبُ تقولُ: خذَلَه: إذا تَرَك نَصرَه مع كونِه يترقَّبُ النَّصرَ منه، ومنه قولُه تعالى: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ} [آل عمران: 160] ) .
(يقولُ اللَّهُ: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا} [الفرقان: 29] ، يقولُ: مُسلِمًا لِما ينزِلُ به من البلاءِ غيرَ مُنقِذِه ولا مُنجيه) .
فهو (يخذُلُه ولا ينصُرُه وقتَ شِدَّةِ الحاجةِ إلى النُّصرةِ، وهكذا دائمًا شأنُ الشَّيطانِ، فليَحذَرِ الذين يتَّبِعونه ويَسمَعون لمشورتِه!) التفسير الواضح)) لحجازي (2/ 720). " data-original-title="" title=""> .
و(ليس المعنى أنَّ الشَّيطانَ كان خَذولًا للإنسانِ فيما مضى، وأصبح غيرَ خَذولٍ، بل المعنى أن هذا وَصفٌ ملازِمٌ للشَّيطانِ بالنِّسبةِ للإنسانِ؛ فالشَّيطانُ وصْفُه الخِذْلانُ لبني آدَمَ دائمًا، ليس معناه فيما مضى فقط، وإنَّما أخبَرَنا اللَّهُ تبارك وتعالى بأنَّ الشَّيطانَ خَذولٌ للإنسانِ لأجْلِ أن نتَّخِذَه عَدوًّا، وألَّا نغتَرَّ به؛ فإنَّه سوف يخذُلُنا في موطِنٍ نحتاجُ فيه إلى نَصرِه. فنَحذَرُ منه) سورة الفرقان)) (ص: 104). " data-original-title="" title=""> .
- ومن أمثلةِ خِذْلانِه لأتباعِه في الآخرةِ قولُه سُبحانَه وتعالى: {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ} [إبراهيم: 22] .
(يقولُ تعالى ذِكْرُه: وقال إبليسُ لَمَّا قُضِيَ الأمرُ، يعني: لَمَّا أُدخِلَ أهلُ الجنَّةِ الجَنَّةَ وأهلُ النَّارِ النَّارَ، واستقَرَّ بكُلِّ فريقٍ منهم قرارُهم: إنَّ اللَّهَ وعَدَكم -أيُّها الأتباعُ- النَّارَ، ووعَدْتُكم النُّصرةَ فأخلَفْتُكم وعدي، ووفى اللَّهُ لكم بوَعدِه) .
ثمَّ قال: (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ أي: بنافِعِكم ومُنقِذِكم ومخلِّصِكم ممَّا أنتم فيه، وَمَا أَنْتُمْ بِمْصُرْخِيَّ أي: بنافِعيَّ بإنقاذي ممَّا أنا فيه من العذابِ والنَّكالِ) ابن كثير)) (4/ 490). " data-original-title="" title=""> .
- ومن الأمثلةِ لخِذْلانِ الشَّيطانِ لأصحابِه في الدُّنيا ما أخبر اللَّهُ تعالى به في قَولِه: { وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48] .
(ذكَر تعالى في هذه الآيةِ الكريمةِ أنَّ الشَّيطانَ غَرَّ الكُفَّارَ وخدَعَهم، وقال لهم: لا غالِبَ لكم وأنا جارٌ لكم.
وذكَر المفَسِّرون: أنَّه تمثَّل لهم في صورةِ سُراقةَ بنِ مالِكِ بنِ جُعْشُمٍ سَيِّدِ بني مُدلِجِ بنِ بَكرِ بنِ كِنانةَ، وقال لهم ما ذَكَر اللَّهُ عنه، وأنَّه مُجيرُهم من بني كِنانةَ، وكانت بَيْنَهم عداوةٌ، فلمَّا تراءت الفِئتانِ نَكَص على عَقِبَيه عندما رأى الملائكةَ، وقال لهم: إنِّي بريءٌ منكم، إنِّي أرى ما لا تَرَونَ، فكان حاصِلُ أمرِه أنَّه غَرَّهم وخدَعَهم حتى أوردَهم الهلاكَ، ثمَّ تبرَّأَ منهم، وهذه هي عادةُ الشَّيطانِ مع الإنسانِ) .
(ومن المحتَمَلِ أن يكونَ الشَّيطانُ قد سوَّل لهم، ووَسْوَسَ في صدورِهم أنَّه لا غالِبَ لهم اليومَ من النَّاسِ، وأنَّه جارٌ لهم، فلمَّا أوردهم موارِدَهم نَكَص عنهم، وتبَرَّأ منهم) .
- وقال اللَّهُ تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ} [الحشر: 11 - 12] .
(قولُه تعالى: وَلَئِنْ قُوتِلُوا لَا يَنْصُرُونَهُمْ بل يستولي عليهم الجُبنُ، ويَملِكُهم الفَشَلُ، ويَخذُلون إخوانَهم أحوجَ ما كانوا إليهم. وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ على الفَرضِ والتَّقديرِ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ أي: ليَحصُلَ منهم الإدبارُ عن القتالِ والنُّصرةِ، ولا يحصُلَ لهم نَصرٌ من اللَّهِ) .
ثمَّ قال تعالى: {كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ} [الحشر: 16] ، أي: مَثَلُ أولئك المُنافِقين الذين وَعَدوا يهودَ بني النَّضيرِ الخُروجَ معهم إن أُخرِجوا، والنُّصرةَ لهم إن قُوتِلوا، ثمَّ خَذَلوهم، فما من شيءٍ من ذلك فَعَلوا، ومَثَلُ اليهودِ في اغترارِهم بهم- كمَثَلِ الشَّيطانِ حينَ سَوَّل للإنسانِ الكُفرَ بالرَّحمنِ، وزَيَّنَه له، ووعَدَه وعدًا حسَنًا بالنَّصرِ أو نحوِه، فلمَّا كَفَر الإنسانُ باللَّهِ اتِّباعًا للشَّيطانِ، وقَبولًا لتزيينِه، واغترارًا بوَعدِه، تبرَّأ منه الشَّيطانُ وخَذَلَه تفسير ابن كثير)) (8/75)، ((تفسير العليمي)) (7/17، 18)، ((تفسير الشوكاني)) (5/244)، ((تفسير السعدي)) (ص: 853). " data-original-title="" title=""> .
- قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ } [الأنفال: 72 - 73] .
إِلَّا تَفْعَلُوهُ أي: إن لم تفعَلوا ما أُمِرتُم به من النُّصرةِ على الكُفَّارِ والتَّواصُلِ تَكُنْ تحصُلْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ بقوَّةِ الكُفرِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ بضَعفِ الإسلامِ .
وقال الطَّبَريُّ: (إلَّا تفعَلوا ما أمَرْتُكم به من التَّعاوُنِ والنُّصرةِ على الدِّينِ، تكُنْ فِتنةٌ في الأرضِ...)
- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «((المُسلِمُ أخو المسلِمِ، لا يَظلِمُه ولا يَخذُلُه ولا يَحقِرُه))» .
قال النَّوَويُّ: (وأمَّا: "لا يَخذُلُه". فقال العُلَماءُ: الخَذْلُ: تَركُ الإعانةِ والنَّصرِ، ومعناه: إذا استعان به في دفعِ ظالمٍ ونحوِه، لزِمَه إعانتُه إذا أمكنَه ولم يكُنْ له عُذرٌ شَرعيٌّ) .
- وعن أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ( «(انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا. قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، هذا ننصُرُه مظلومًا، فكيف ننصُرُه ظالِمًا؟ قال: تأخُذُ فَوقَ يَدَيه)) » البخاري (2444). " data-original-title="" title=""> .
قولُه: ((انصُرْ أخاك)) أي: ولا تَخذُلْه رياض الصالحين)) لابن علان (3/ 27). " data-original-title="" title=""> .
- وعن عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «((المُؤمِنون تتكافَأُ دِماؤُهم، ويسعى بذِمَّتِهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سِواهم))» عائشةَ وابنِ عبَّاسٍ وعبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، رَضِيَ اللهُ عنهم. " data-original-title="" title=""> .
(قولُه: ((وهم يدٌ على مَن سِواهم)) أي: هم مجتَمِعون على أعدائِهم، لا يسَعُهم التَّخاذُلُ، بل يعاوِنُ بعضُهم بعضًا على جميعِ الأديانِ والمِلَلِ، كأنَّه جَعَل أيديَهم يدًا واحدةً، وفِعلَهم فِعلًا واحدًا) .
وقال الخَطَّابيُّ: (قولُه: ((وهم يدٌ على مَن سِواهم)) فإنَّ معنى اليَدِ المعاوَنةُ والمظاهَرةُ، إذا استُنفِروا وَجَب عليهم النَّفيرُ، وإذا استُنجِدوا أنجَدوا ولم يتخَلَّفوا ولم يتخاذَلوا) .
- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: «(قال المِقدادُ يومَ بَدرٍ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّا لا نقوُل لك كما قالت بنو إسرائيلَ لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24] ، ولكِنِ امضِ ونحن معك! فكأنَّه سُرِّيَ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) » .
وفي روايةٍ: (لا نقولُ كما قال قومُ موسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا، ولكِنَّا نقاتِلُ عن يمينِك وعن شِمالِك وبينَ يَدَيك وخَلْفَك) .
- وعن جابِرٍ رَضِيَ الله عنه قال: « ((لَمَّا رَجَعَتْ إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُهاجِرةُ البَحرِ، قال: ألَا تُحَدِّثوني بأعاجيبِ ما رأيتُم بأرضِ الحَبَشةِ؟ قال فِتيةٌ منهم: بلى يا رَسولَ اللهِ، بَينا نَحنُ جُلوسٌ مَرَّت بنا عَجوزٌ من عَجائِزِ رَهابينِهم، تَحمِلُ على رَأسِها قُلَّةً من ماءٍ، فمَرَّت بفَتًى منهم فجَعَلُ إحدى يَدَيه بينَ كَتِفَيها ثُمَّ دَفَعَها فخرَّت على رُكبَتَيها فانكَسَرَت قُلَّتُها! فلَمَّا ارتَفَعَتِ التفَتتْ إليه فقالت: سَوفَ تَعلمُ يا غُدَرُ إذا وَضَعَ اللهُ الكُرسيَّ وجَمعَ الأوَّلينَ والآخِرينَ وتَكَلَّمتِ الأيدي والأرجُلُ بما كانوا يَكسِبونَ، فسَوفَ تَعَلمُ كيفَ أمري وأمرُك عِندَه غَدًا؟! قال: يَقولُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صَدَقَت صَدَقَت! كيفَ يُقَدِّسُ اللهُ أمَّةً لا يُؤخَذُ لضَعيفِهم من شَديدِهم؟!))» الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4010)، وقوَّاه بشواهِدِه شُعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (5058)، وحسَّن إسنادَه البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/298). " data-original-title="" title=""> .
قوله: ((كيفَ يُقَدِّسُ اللهُ أمَّةً لا يُؤخَذُ لضَعيفِهم من شَديدِهم ؟!)) أي: أخبِروني كيف يُطَهِّرُ اللَّهُ قومًا لا يَنصُرون الضَّعيفَ العاجِزَ على القويِّ الظَّالمِ مع تمكُّنِهم من ذلك؟! أي: لا يُطَهِّرُهم أبَدًا