الحرب في غزة.. هل للقانون الإنساني من معنى؟
يُطلق على غزة البالغ عدد سكانها حوالي 2.3 مليون نسمة أكبر سجن مفتوح في العالم، وقد بقيت إسرائيل تحاصرهم جوًا وبرًا وبحرًا منذ أكثر من 17 عامًا.
- التصنيفات: قضايا إسلامية معاصرة - أحداث عالمية وقضايا سياسية -
قرأت قبل أيام خبرًا عن إلقاء القبض على شخصٍ وإحالته للتحقيق؛ بعد انتشار مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعيّ، يظهر فيه، وهو يطلق النار على حيوان. وذكر الخبر عقوبة مخالفي قانون الرفق بالحيوان، وأنّ وزارة البيئة، أعلنت في وقت سابق عن عقوبات لمن يقوم بتعذيب الحيوانات، أو إساءة معاملتها من خلال الضرب، أو التجويع، أو بأي أسلوب آخر يتنافى مع الإنسانية.
إنّ حقوق الحيوان بالطبع، هي قضية نبيلة، ومبدأ أخلاقي، يجب علينا جميعًا احترامُه، حتى إن العديد من البلدان لديها قوانين خاصّة لحماية الحيوانات، وتعزز الوعي العام بأهميّة حقوق الحيوان. وبهذه الطريقة، يمكننا أن نضمن حسن المعاملة والرفق بالحيوان.
لكن ماذا عن الإنسان أعظم خلق الله؟
وأنا أقرأ الخبر، تذكّرت تصريح وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت في الأيام الأولى للحرب على غزة: "لقد أمرت بفرض حصار كامل على غزة. لن يكون هناك كهرباء ولا طعام"، وأضاف: "نحن نقاتل حيوانات بشرية ونتصـرف وفقًا لذلك".
ليس من المقبول بأي حال من الأحوال استخدام لغة قمعية وتصريحات استفزازية من أجل تبرير العنف، على الرغم من أنّ كل المواثيق الدولية في العالم- بما فيها كيانه البغيض- تدعم القوانين المتعلقة بحقوق الحيوانات الأليفة والبرية، وتعتبر القسوة تجاهها جريمة يعاقب عليها القانون، ناهيك عن البشر.
سجن مفتوح:
يُطلق على غزة البالغ عدد سكانها حوالي 2.3 مليون نسمة أكبر سجن مفتوح في العالم، وقد بقيت إسرائيل تحاصرهم جوًا وبرًا وبحرًا منذ أكثر من 17 عامًا. عانى سكان غزة خلال هذه السنوات بشكل كبير، وما زالوا يعانون، لا سيما هذه الأيام مع الحرب التي تشنّها دولة الاحتلال ضد السكان المدنيين؛ بهدف تدمير قطاع غزة بشكل كامل، وتهجير أهله.
مثل هذه الأوضاع لا يمكن أن يتحمّلها أحد، بغض النظر عن جنسه أو لونه أو عرقه. ورغم ذلك تبرر معظم حكومات الدول الغربية، دعمها غير المحدود دولةَ الاحتلال، وتقوم بتبرير جرائمها ضدّ الإنسانية من قتل للمدنيين، وفرض الحصار الشامل على قطاع غزة، وتعرض المنازل والمدارس والمساجد والمستشفيات لهجمات عشوائية وقطع إمدادات المياه والكهرباء والوقود وغيرها من وسائل التدمير.
كما تتجاهل هذه الحكومات تمامًا اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب، والتي تحظر- في المادة الثالثة من الباب الأول الخاص بالأحكام العامة- أيَّ اعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه، والمعاملة القاسية، والتعذيب، وأخذ الرهائن والاعتداء على الكرامة الشخصيّة.
فصل عنصري:
يعتبر البعض إسرائيل "دولة فصل عنصري"، ولكن هذا المصطلح ليس كافيًا لوصف طبيعة الصهاينة؛ لأن "الفصل العنصري" يشير إلى التمييز العنصري الذي يقوم على أساس العِرق أو اللون.
وهذا المصطلح يأتي في الأصل من سياسة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والتي استخدمها المستعمرون البيض ضد غالبية السكان الأصليين أصحاب الأرض السود في البلاد. حيث يعتقدون أن عرقهم متفوق على الأجناس الأخرى، إذ ينبغي ألا يتمتعوا بالحقوق نفسها التي يتمتعون بها.
ومن أجل الحفاظ على سلطتهم منعت هذه الأقليةُ السودَ من شراء الأراضي خارج المناطق التي أُجبروا على العيش فيها، كما تمّ منعهم من استخدام وسائل النقل العام، وارتياد النوادي والمحلات التجارية نفسها. وقد وصل الجنون العنصري إلى حد تقسيم الحدائق العامة والأرصفة والحمامات.
يعتبر الفصل العنصري ظاهرة معادية للإنسانية وقيمها، لكن بالمقارنة مع الصهيونية، فإنَّ معدل الجريمة فيها أقل. علاوة على ذلك فإن النظام القائم على الفصل العنصري لا ينكر إنسانية الأجناس الأخرى، بل يؤكد على تفوق عرقه مقارنة بالأجناس الأخرى، أما الكيان الصهيوني فيؤمن بأنّ الربّ قد اختارهم دون جميع الشعوب على وجه الأرض؛ ليكونوا شعبه الخاص المختار، وبالتالي لا ينظرون إلى الأجناس الأخرى كبشر، بل باعتبارهم مخلوقين لخدمتهم.
قلوب قاسية:
العديد من الأطفال الأبرياء ينزفون حتى الموت في غزة. وبدلًا من أن تشاهد الأمهات أطفالهنّ وهم يلعبون ويكبرون، أمام أعينهنّ، يضطررن إلى نثر التراب على أجسادهم في مشهد من شأنه أن يدمي القلوب، إلا قلوب الصهاينة ومؤيديهم، فهي كالحجارة أو أشد قسوة.
ولعلّ الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل- التي قام بها مواطنون في مختلف دول العالم، بمن في ذلك عدد كبير من اليهود المناهضين للصهيونية؛ لإنهاء الحرب الدموية في غزة- تشهد على ذروة (الرفض) العالمية (لأفعال) النظام الصهيوني ومؤيديه.
لقد رأينا الأمم الواعية في جميع أنحاء العالم تنهض غاضبة مما يحدث لأطفال غزة، وتطالب بوقف هذه المهزلة الدموية. وهذا يعني أن الضمير الواعي لا يتحمّل مثل هذه الجرائم الشنيعة. ولا شك أن البشر المحبين للحرية، سيحاربون حتمًا الطغيان والظلم، ويتمردون على الطغاة.
وسيأتي حتمًا اليوم الذي سيُحاسَب فيه (هؤلاء) الذين دعموا جرائم الحرب- التي ارتكبها هذا النظام الاستعماري، والذين تلطخت أيديهم بدماء نساء وأطفال غزة الأبرياء- على جرائمهم الشنيعة.