أحداث في غزوة خيبر
- التصنيفات: غزوات ومعارك -
كان عامرُ بن الأكوع ذا صوت حسن في الحداء، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «احد لنا»، فقال:
واللهِ لولا اللهُ ما اهتدينا *** ولا تصدَّقْنا ولا صلَّينـــا
فأنزِلَنْ سكينة علينــــــــا *** وثبِّتِ الأقدامَ إن لاقينا
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحمك الله»!، فقال له عمر: هلا أمتعتنا به يا رسول الله؟! وكان إذا قالها لرجل قُتل، فلما نازلوا خيبر، بارز عامرَ بن الأكوع مرحبٌ، وكان قد بدأ يلاعب سيفه فارتد عليه فجرحه جرحًا بليغًا، فمات منه، فقال الناس: قتل نفسه، فأتى سلمة النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بما قالوا، فقال: «كذبوا، بل له أجره مرتين».
• كان مِن عادة النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم على قرية يريد أن يفتحها يقول: «اللهم رب السموات وما أظللن، ورب الأرَضين وما أقللن، ورب الشياطين وما أضللن، ورب الرياح وما أذرين، نسألك خير هذه القرية وخير أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا بسم الله».
• الإحسان لا يضيع مع المسلمين؛ فقد منَّ الزبير بن باطا اليهودي على ثابت بن قيس يوم بعاث فأطلقه، فأراد أن يكافئه على معروفه القديم وقد نزل بهم ما نزل من الحصار والإجلاء، فأتاه ثابت فقال له: أتعرفني؟ فقال ابن باطا: وهل يجهل مثلي مثلك؟ قال: أريد أن أجزيك بيدك عندي، قال: إن الكريم يجزي الكريم، فأتى ثابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان للزبير بن باطا عندي يد أريد أن أجزيه بها، فهَبْه لي، فوهبه له، فأتاه فقال له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد وهب دمك لي، فهو لك، قال: شيخ كبير لا أهل له ولا ولد، فاستوهب ثابت من رسول الله صلى الله عليه وسلم أهله وولده فوهبهم له، فمنَّ عليه بالجميع، ثم بدأ ابن باطا يتذكر فلانًا وفلانًا، وكلهم قتلوا، فقال: فوالله ما في العيش بعدهم خير، وطلب من ثابت بما له عنده من يد أن يقتله ويلحقه بالقوم، فقتله.
• وبعد مقتل عامر بن الأكوع اشتط مرحب في صلفه، وطلب آخرين للمبارزة، فبرز له علي بن أبي طالب، فخرج إليه والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «اللهم أعِنْه عليه»، فقتله، ثم خرج أخوه ياسر، فبرز إليه الزبير بن العوام فقتله.
• أخذت النبي صلى الله عليه وسلم الشقيقة، فمكث يومين لا يخرج، وفي أثناء ذلك أخذ الراية أبو بكر فقاتل نهاره فلم يفتح الله على يديه، ثم أخذها عمر فلم يفتح الله على يديه، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم الثالث فقال: «لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله»، فتشوَّف لها الناس، ثم دعا عليًّا وكان قد أصابه الرمد، فتفل في عينيه، فبرأ، ثم أعطاه الراية ففتح الله على يديه، وقتل مرحبًا، ثم تقدم نحو الحصن، قال أبو رافع: فخرج إليه أهل الحصن فقاتلهم وسقطت الترس من يده، فتناول بابًا كان عند الحصن وتترس به، فقاتلهم حتى غلبهم وفتح الحصن.
• لَما فُتحت خيبر مرَّ بلال على قتلى من اليهود، وكان معه صفية بنت حيي وامرأة أخرى، فلما رأت تلك المرأة القتلى صرخت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: «أنُزعت منك الرحمة، جئت بهما على قتلاهما»، ثم اصطفى لنفسه صفية، وأبعد الأخرى، وقال: «إنها شيطانة لصراخها»، وكانت صفية قد رأت حُلمًا أن قمرًا وقع في حجرها، فقصت رؤياها على زوجها، فلطمها على وجهها، وقال: ما أراك إلا تتمنين محمدًا، وقد اخضرت عينها من اللطمة، فما هو إلا زمن يسير قد مضى، ثم تحققت رؤيا صفية، فقد أسلمت وانضمت إلى زوجات النبي القانتات العابدات.
• لما أيقن ساكنو حصني الوطيح والسلالم بالهلكة، وقذف الله في قلوبهم الرعب، سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يسلموه ما بأيديهم، ويحقن دماءهم ويسيرهم، فقبل منهم ذلك، وكذلك فعل جيرانهم أهل قرية فدك، ثم إنهم طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يبقوا في خيبر على النصف مما تخرج الأرض، فقبل ذلك على أن يخرجهم منها متى شاء، ومثل ذلك فعل أهل فدك، فكانت خيبر فيئًا للمسلمين، وفدك فيئًا خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يجلب عليهم بخيل ولا ركاب، واستقر الأمر على هذه الحال.
• أهدت امرأةُ سلام بن مشكم اليهودية، واسمها زينب بنت الحارث، شاة مَصْليَّة - مشوية - للنبي صلى الله عليه وسلم، فلما تناول الذراع وأخذ منها مضغة لم يسغها، وقال: «إن هذه الشاة تخبرني أنها مسومة»، وأكل منها معه بشر بن البراء، فأثر السم فيه ومات، فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم زينب وقال لها: «ما حملكِ على ذلك» ؟ قالت: بلغت من قومي ما لم يخفَ عليك، فقلت: إن كان نبيًّا فسيخبر، وإن كان ملكًا استرحنا منه، فتجاوز عنها، وقيل: استقاد منها لموت بشر بسبب السم، وورد أنه صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي مات فيه: «هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من أكلة خيبر»، فجمع الله له الشهادة مع كرامة النبوة.
• وفي هذه الغزوة حُرِّمت لحوم الحمر الأهلية، فكفئت القدور التي كانت تطبخ فيها، كما منع وطء الحبالى من السبايا حتى يضعن، وألا توطأ السبية إلا بعد أن يستبرأ رحمها بحيضة، ونودي بتحريم نكاح المتعة.
• نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الغُلول - أخذ شيء من الغنائم قبل قسمتها - فقد أصيب أحد المسلمين بسهم قاتل، فقال الصحابة: هنيئًا له الجنة، فقال عليه الصلاة والسلام: «كلا، والذي نفسي بيده، إن الشملةَ التي أخذها يوم خيبر -لم تصبها المقاسم- لتشتعل عليه نارًا»، وورد أن اسمه مدعم، وورد أن رجلًا من أشجع توفي يوم خيبر، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «صلوا على صاحبكم»، فتغيَّرت وجوه الناس من ذلك، فقال: «إن صاحبكم غَلَّ في سبيل الله»، قالوا: ففتشنا متاعه فوجدنا خرزًا من خرز اليهود ما يساوي درهمين.
• وفي هذه السنة - أي فتح خيبر - عاد مسلمو الحبشة بقيادة جعفر بن أبي طالب، ولاقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر، ووافق قدومهم قدوم أبي موسى الأشعري مع الأشعريين، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم جعفرًا قبَّل بين عينيه والتزمه وقال: «ما أدري بأيهما أنا أسر، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر».
• وذكر أن عدد مَن استشهد في خيبر من المسلمين كان عشرين مقاتلًا.
_________________________________________________________
الكاتب: د. محمد منير الجنباز