الاعتداء على الوطن

علي بن عبد العزيز الشبل

إنَّ نعمة الأمن نعمةٌ عظيمة، امتنَّ الله جَلَّ وَعَلَا بها عَلَىٰ الأولين والآخرين، وهي نعمةٌ تلي نعمة الإيمان، فإنَّ أعظم نعمتين منَّ الله بهما عَلَىٰ عباده..

  • التصنيفات: مجتمع وإصلاح -

إنَّ نعمة الأمن نعمةٌ عظيمة، امتنَّ الله جَلَّ وَعَلَا بها عَلَىٰ الأولين والآخرين، وهي نعمةٌ تلي نعمة الإيمان، فإنَّ أعظم نعمتين منَّ الله بهما عَلَىٰ عباده: أن جعلهم مؤمنين أولًا، ثُمَّ أمنهم في أوطانهم وأنفسهم وبلادهم ثانيًا: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} [العنكبوت: 67]، امتنَّ الله بهذه النعمة عَلَىٰ أهل مكة وعَلَىٰ العرب: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ * إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ * فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 1 - 4].

 

والأمن يا عباد الله! لا يعرف قدره ولا يقدِّر قيمته إِلَّا من أحسَّ بفقده، أو أتى ما يناقض هٰذَا الأمن.

 

قَالَ الإمام الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَىٰ:

كل العداوات قد تُرجى مودتها        إِلَّا مودة من عاداك في الدين

 

نعم يا عباد الله! يريدون أن تكون بلادكم كبلاد سوريا، وبلاد الشام، وبلاد اليمن، وغيرها من البلدان المضطربة، حسدوكم عَلَىٰ هٰذَا الأمن، وحسدوكم عَلَىٰ هٰذَا الرغد في العيش، وحقدوا عليكم عَلَىٰ دينكم وعقيدتكم لمَّا قامت بلادكم عَلَىٰ كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ وعَلَىٰ سنة رسوله صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لا، بل وحسدوكم عَلَىٰ دينكم التَّوحِيْد الَّذِي فيه إفراد العبادة لله وحده، دونما شريك، وهم يرتعون في مراتع الشِّرْك في دعاء غير الله، في تقديس المقامات والعتبات الَّتِي زعموها مقدسةً، في اللجوء إِلَىٰ غير الله دعاءً واستغاثةً من عليٍّ وحسينٍ والعباس، وغيرهم تَعَالَىٰ اللهُ عَمَّا يقول الظّالِمون في حقه عُلُوًّا عظيمًا.

 

فالله الله عباد الله! الله الله بتفويت الفرصة عَلَىٰ أعدائكم، ويكون هٰذَا:

أولًا: باللجوء إليه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ، والانطراح بين يديه أن يديم علينا نعمة أمنه وإيمانه، وأن يحفظ هٰذِه البلاد من كيد الأعداء، وشرورهم ومكرهم.

 

وثانيًا: باجتماع الكلمة، وتفويت الفرصة عَلَىٰ عدونا أن يشقوا صفَّنا، باجتماع كلمتنا عَلَىٰ ولاة أمورنا.

 

الحَمْدُ للهِ كما أمر، أحمده سُبْحَانَهُ وقد تأذَّن بالزيادة لمن شكر، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، إقرارًا بألوهيته وربوبيته، ومؤمنًا بأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عاند أو جحد أو كفر، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَىٰ سيد البشر، الشَّافِع المُشَفَّع في المحشر، صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وعَلَىٰ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ السادة الغُرَر خير آلٍ ومعشر، ما طلع ليل وأقبل عليه نهارٌ وأدبر؛ أَمَّا بَعْدُ:

عباد الله! فاتقوا الله جَلَّ وَعَلَا، وأعظموا رجوعكم ولجأكم إليه، أنه سُبْحَانَهُ هو الَّذِي يدبر الأمور، وبيده مقاليدها، فلا تلتفتوا إِلَىٰ شرقٍ ولا إِلَىٰ غرب، وَإِنَّمَا اركنوا إِلَىٰ ربكم جَلَّ وَعَلَا، فَهٰذَا نبيكم صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجد من أعدائه ما وجد، وهموا بقتله، وكان في معركة أحد ما تعلمون من هٰذِه المصائب: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران: 140].

 

أمر النَّبِيّ صَلَّىٰ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابه الَّذِينَ حضروا المعركة بالمسير خلف عدوهم وطردهم، فاستجابوا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُم، حَتَّىٰ بلغوا حمراء الأسد، ولا يبعد الموقع عن أحد إِلَّا بضع كيلو مترات، فأنزل الله جَلَّ وَعَلَا آيةً تقرؤونها، ومنكم من يحفظها، فإنَّ أهل مكة لمَّا سمعوا أن النَّبِيّ يطردهم ومعه الصَّحَابَة قالوا لقومٍ يمتاروا المدينة: أخبروا مُحَمَّدًا وأصحابه لئن رجعنا إليهم لنستأصلن شأفتهم، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لما بلغته رسالة الكفار: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ»، فَقَالَ ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَىٰ عَنْهُمَا بعد ذلك: "«حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» قالها إبراهيم حين أُلقي في النَّار، وقالها مُحَمَّدٌ حين {قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 173، 174][1].

 

نتأسَّى بأنبياء الله ورسله، فنقول لأعدائنا اعتقادًا بقلوبنا أولًا، ونطقًا بها بألسنتنا ثانيًا، وعملًا بمقتضاها بجوارحنا ثالثًا: ﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾، ومعناها: اللجأ إليه جَلَّ وَعَلَا، لا إِلَىٰ شرقٍ ولا إِلَىٰ غربٍ، اللجأ إِلَىٰ الله جَلَّ وَعَلَا، فإن كنا صادقين في ذلك؛ فأبشروا بهذا الوعد الكريم، {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}[آل عمران: 173، 174].

 

فاتبعوا رضوان الله عَزَّوَجَلَّ بالسير عَلَىٰ منهاج دينه، بائتماركم بأمره، وانتهاؤكم عن نواهيه، وخلوصكم العبادة له وحده، واللجأ إليه جَلَّ وَعَلَا وحده، والله ناصرًا عباده؛ لأنه جعله حقًّا عليه جَلَّ وَعَلَا: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم: 47].


[1] أخرجه البخاري (4563).