التوكل مفهومه وأهميته

التوكل على الله دليل صحة إيمان العبد وصلاح قلبه، وهو اعتراف العبد بربوبية الله، وتسليمه كل أموره للخالق الواحد، المتصرف بجميع أموره، والمدبر الوحيد لأحواله، صغيرها وكبيرها.

  • التصنيفات: تزكية النفس - أعمال القلوب -
التوكل مفهومه وأهميته

التوكل مقام عظيم من مقامات العبودية، فما أحوج الناس إليه في ظل التقدم المادي الملموس، وسيطرة ضغوط الحياة على الكثير، وما أحوجهم إلى معرفة ضوابط وحدود التوكل، وما أحوج الدعاة إلى الله تعالى إلى التعبد بهذه العبودية ولزومها في مسيرتهم المباركة في إخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور العلم.


فلو أن العبد حقق التقوى والتوكل، وأخذ بالأسباب في كل شأنه، فإن أمور حياته الدنيا والآخرة تتحقق بسهولة وتيسر له، فكم من عبد فوض أمره لله كفاه الله ما أهمه، قال الله تعالى:{ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه}. [سورة الطلاق: الآيتان 2-3]..
والتوكل على الله دليل صحة إيمان العبد وصلاح قلبه، وهو اعتراف العبد بربوبية الله، وتسليمه كل أموره للخالق الواحد، المتصرف بجميع أموره، والمدبر الوحيد لأحواله، صغيرها وكبيرها.

ماهو التوكل:
التوكل لغة: قال ابن منظور: ( وكل بالله وتوكل عليه، واتّكل: استسلم له، ويقال توكل بالأمر إذا ضمن القيام به، ووكلت أمري إلى فلان: أي ألجأته إليه، واعتمدت فيه عليه، ووكل فلان فلانا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته أو عجزا عن القيام بأمر نفسه). (لسان العرب).
أما اصطلاحا:
1- قال ابن عباس –رضي الله عنهما-:( التوكل هو الثقة بالله، وصدق التوكل أن تثق في الله وفيما عند الله، فإنه أعظم وأبقى مما لديك في دنياك).
2- قال الإمام أحمد بن حنبل –رحمه الله- لما سئل عن التوكل:( هو قطع الاستشراف بالإياس من الخلق).
3- وقال الحافظ ابن رجب –رحمه الله-:( هو صدق اعتماد القلب على الله –عز وجل- في استجلاب المصالح ودفع المضار من أمور الدنيا والآخرة، ولا يكون المؤمن متوكلا على الله حق توكله إلا بالثقة بالله، وحسن الظن به سبحانه، والتسليم لأمره). (جامع العلوم والحكم).
والتوكل ثلاث درجات، وهي: التوكل، ثم التسليم، ثم التفويض، فالمتوكل يسكن إلى وعد ربه، وصاحب التسليم يكتفي بعلمه، وصاحب التفويض يرضى بحكمه.

وعن حقيقة التوكل: قال ابن القيم –رحمه الله-: ( التوكل نصف الدين، والنصف الثاني الإنابة، فإن الدين استعانة وعبادة، فالتوكل هو الاستعانة، والإنابة هي العبادة، والتوكل متعلق بكل أمور العبد الدينية التي لا تتم الواجبات والمستحبات إلا بها، ومنزلته أجمع وأوسع المنازل، ولا تزال معمورة بالنازلين لسعة متعلق التوكل، وكثرة حوائج العالمين).(مدارج السالكين).

والتوكل أجمع أنواع العبادات وأعلى مقامات التوحيد، ولقد جاء الأمر به في كتاب الله على أوجه مختلفة، بل لقد جعله الله سبحانه شرطا للإسلام والإيمان، وكذلك جاء في السنة المطهرة:
أما في كتاب الله:
1- فقال سبحانه: 
{إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين}. [يونس: الآية 84].
2- وفي قوله تعالى: {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين}. ( [المائدة: الآية 23].
3- وفي قول تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت}. ( [الفرقان: الآية 58].
4- وفي قوله سبحانه: {فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين} [آل عمران: الآية 159].. والقرآن مليء بالآيات التي تحث على التوكل وتدعو إليه.

أما في السنة المطهرة:
1- فعن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-:
«لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا» (رواه الترمذي والنسائي).
2- وعن ابن عباس –رضي الله عنهما- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال في بيان صفات السبعين ألفا الذي يدخلون الجنة بغير حساب:
«هم الذين لا يتطيرون ولا يكتوون ولا يسترقون وعلى ربهم يتوكلون»  (صحيح البخاري).

أصناف الناس في التوكل
وأصناف الناس في باب التوكل ثلاثة:

الصنف الأول: المعرضون عن الأسباب بالكلية: وهم صنف اعتمد على الله بقلبه وترك العمل بالأسباب، ولم يبذل جهدا في التحصيل، ولم يفرق بين التواكل والذي هو مسلك مذموم وبين التوكل، وهذا منهج الصوفية الذين تركوا التكسب والعمل والتزود، ويرون ذلك منافيا للتوكل، وهذا النهج مذموم عند السلف.

الصنف الثاني: المعتمدون على الأسباب بالكلية المبالغون فيها، لم يعتمدوا على الله، فتوجهت قلوبهم وجوارحهم إلى الأسباب من غير النظر إلى مسببها، وجعلوها مؤثرة ومستقلة في جلب الخير ودفع الشر، وهذا مسلك مذموم، لأنه مسلك الماديين والعقلانيين، وهذا باطل مخالف للشرع.

الصنف الثالث: الجامعون بين الاعتماد على الله سبحانه وتعاطي الأسباب التي أذن الله بها: حيث تقوم الجوارح بالأسباب والقلب معتمد على مسبب الأسباب، وهذا هو الموافق للشرع، وصريح العقل، ومقتضى الفطرة السليمة، فأثبت للأسباب تأثيرا في مسبباتها لكن لا بذاتها، لأن المؤثر حقيقة والمستقل بالنفع والضر هو الله.

ثمار التوكل:
إن التوكل شجرة عظيمة، ثمارها يانعة، وخيراتها كثيرة:
الأولى: الفوز بمحبة الله تعالى، قال تعال: 
{إن الله يحب المتوكلين} [آل عمران: الآية 159]..

الثانية: التوكل سبب في دخول الجنة، قال تعالى: 
{والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، نعم أجر العاملين، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون} [العنكبوت: الآية59]..

الثالثة: يورث النصر والتمكين، والقوة الروحية، وقوة القلب وشجاعته، ويرد كيد الأعداء، قال تعالى:
{الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم} ( [آل عمران: الآية 174].

الرابعة: الثبات على الحق، قال تعالى:{فتوكل على الله إنك على الحق المبين} [النمل: الآية 79].

الخامسة: تحقيق الإيمان، قال تعالى:{ {وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} [المائدة: الآية 23].

السادسة: كفاية الله المتوكل في جميع شؤونه، قال تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق: الآية 3].

السابعة: التوكل سبب في جلب الرزق، قال النبي –صلى الله عليه وسلم-:
«لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا»  (رواه الترمذي والنسائي).

الثامنة: يقوي العزيمة والثبات على الأمر، قال تعالى:
{فإذا عزمت فتوكل على الله}.[آل عمران: الآية 159].

التاسعة: يقي من تسلط الشيطان، قال تعالى:{إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون}. [النحل: الآية 99].

العاشرة: يدفع السحر والعين والحسد، قال تعالى على لسان يعقوب عليه والسلام:{وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون}.[يوسف: الآية67].