الغضب وما يترتب عليه من الأضرار
عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر
تأمّل رعاك الله ما يجنيه الغضب على الإنسان من تصرفات هوجاء وأعمال شنيعة وأقوال بذيئة يندم على فعلها غاية الندم لأنه حال غضبه يكون في جنون وبعد غضبه يكون في غاية الندم...
- التصنيفات: تزكية النفس - مساوئ الأخلاق -
معاشر المؤمنين عباد الله اتقوا الله فإن من اتقى الله وقاه وأرشده إلى خير أمور دينه ودنياه معاشر المؤمنين لقد جاء الإسلام بتوجيهاته السمحة وإرشاداته القويمة هاديا لكل فضيلة داعيا إلى كل خير مسدِّدا الناس في الأقوال والأعمال مبعدا نفس الإنسان عن رعونتها وعن التصرفات الهوجاء والأفعال النكراء والأقوال الشنيعة الفضيعة وهذا من كمال هذا الدين وجمال بيانه وحسن دلالته حيث أرشد إلى كمال الأخلاق ومجامع الخير وأصول البر في أحوال الناس كلها وشؤونهم جميعها وفي كل ما يأتون ويذرون.
عباد الله:
وعندما نتأمل وصايا الإسلام في جانب الأخلاق نجد أجمل الأخلاق وأزكاها وأطيب الآداب وأرفعها متمثلة فيما يدعو إليه الإسلام وهذه عباد الله وقفة مع خلق عظيم دعا إليه دين الإسلام هو في الحقيقة من مجامع الخير ومن أصول البر وأسس الفضيلة جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه قال أوصني قال: «لا تغضب» فردّد الرجل عليه ذلك مرارا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تغضب تأمَّل ذلك رعاك الله جاء في مسند الإمام أحمد في رواية لهذا الحديث ثابتة أن الرجل قال تفكرت فيما قال النبي صلى الله عليه وسلم فوجدت أن الغضب جماعُ الشر
تأمّل رعاك الله ما يجنيه الغضب على الإنسان من تصرفات هوجاء وأعمال شنيعة وأقوال بذيئة يندم على فعلها غاية الندم لأنه حال غضبه يكون في جنون وبعد غضبه يكون في غاية الندم ولهذا قيل بل هو من أحسن ما قيل في وصف الغضب قيل أوله جنون ونهايته ندم الغضب عباد الله وهو غليان دم القلب وازدياد خفقانه طلبا لدفع أمر مؤذ يتوقع الإنسان حصوله أو طلب الانتقام ممن حصل منه الأذى يفضي بالإنسان إلى أقوال سيئة وإلى أفعال شنيعة عندما تزداد شدة الغضب ووطأته على القلب ينطلق اللسان عندما لا يملك الإنسان زمام نفسه ينطلق اللسان بالسب والفحش والبذاء وتنطلق الجوارح بالقتل والضرب والعدوان ويأتي الإسلام داعيا المسلم أن يملك نفسه عند الغضب يقول صلى الله عليه وسلم في هذه الوصية الجامعة لا تغضب
قال أهل العلم وهذا يتضمن أمرين عظيمين لابد منهما الأول أن يدرب المسلم نفسه على الأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة من الصبر والحلم والأناة والبعد عن العجلة إلى غير ذلك من الأخلاق فإذا ورد عليه وارد الغضب تلقاه بجميل خلقه وعظيم أدبه وحسن حلمه وطيب صبره والأمر الثاني عباد الله أنه عندما يكون الغضب على الإنسان أن يملك نفسه فلا يندفع وقت غضبه لا يندفع وقت غضبه لا بقول و لا فعل وإنما يملك نفسه في أقواله وأفعاله عند الغضب فلا يقول قولا ولا يفعل فعلا حتى تنطفأ جمرة الغضب وعليه في هذا المقام أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وعليه في هذا المقام أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأن الشيطان له نزغ عجيب ودخول على الإنسان وقت غضبه ووقت فورة الغضب فيدفعه إلى الأفعال الشنيعة والأقوال الفضيعة جاء في الصحيحين من حديث سليمان بن صرد قال استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم ونحن جلوس فغضب أحدهما غضبا شديدا واحمرت وجنتاه وكان يشتم صاحبه ويسبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم» قيل للرجل أوما سمعت ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لست بمجنون
تأملوا تأملوا شدة وطأة الغضب وشدة تأثيره وتأملوا رحمكم الله العاقبة الحميدة عندما يتعوذ المسلم بالله من الشيطان الرجيم ليسلم من وساوسه وليسلم من أزه ودفعه وتحريكه للإنسان تحريكا أهوجا حال غضبه ليقول البذاء ويفعل الشنيع من الأعمال يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن نزغه والله تعالى يقول: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: 200]
ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام وجه إلى أمرين عظيمين جدا على الإنسان أن يتحلى بهما حال غضبه الأمر الأول عباد الله يتعلق باللسان والأمر الثاني يتعلق بالجوارح وتأملوهما جيدا أما الأول عباد الله ففي المسند للإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إذا غضب أحدكم فليسكت» قالها ثلاثا «إذا غضب أحدكم فليسكت» أي ليمنع نفسه من الكلام حال الغضب لأنه إن تكلم وهو غضبان سيتكلم بما لا يحمد عاقبته وقت الغضب عباد الله يحدث أقوال سيئة وكلمات بذيئة ولعن وشتم بل لَربما بعض الناس يلعن نفسه ويلعن ولده بل لَربما بعضهم يلعن دينه عياذا بالله ثم إذا هدأ الغضب ندم أشد الندم على ما كان منه من أقوال سيئة وأفعال بذيئة ثم إنه حال غضبه وهو يهدي بكلماته البذيئة وأقواله السبئة يشبه المجنون فاقد العقل ثم إذا انتهت فورة الغضب ندم على ما قال ولربما أيضا تكلم بأيمان قاسية كأن يقول والله لأقتلنه والله لأضربنه والله لأقطعنه إربا أيمان لا يحل له أن يفعلها ولربما طلق زوجته ولربما ولربما من أقوال كثيرة تكون من الناس حال الغضب فتأمل هذا التوجيه المبارك إذا غضب أحدكم فليسكت أي لا يقل ولا كلمة واحد ليمتنع عن الكلام حال الغضب لأنه حال غضبه لا يدرك ما يقول ولا يعي ما يتكلم به فإذا امتنع عن الكلام حتى تهدأ جمرة الغضب وتطفأ فورته فحينئذ سيكون الكلام سديدا وتكون العاقبة حميدة وأما الأمر الثاني عباد الله فيتعلق بالأفعال جاء في المسند بسند ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليقعد فإذا سكن غضبه وإلا فليرقد أو فليضطجع».
تأمل عندما يكون الإنسان في غاية غضبه وشدة فورة الغضب حال القيام وأمامه من أغضبه فإنه قريب التناول للاعتداء والبطش والظلم فإنه قريب منه لكنه إن ملك نفسه حين الغضب فقد يكون تباعد ممن أغضبه فإن سكن الغضب فبها ونعمت وإن لم يسكن فإنه يضطجع فيكون أبعد وأبعد وهنا يأتي الشيطان الرجيم ويقول له يغضبك وتقعد يغضبك وتضطجع أين الرجولة أين الشهامة أين أين فينفخ فيه نفخا أعوجا ليمنعه من هذه السنة الرشيدة والفعل العظيم المبارك الذي أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رعاك الله عندما تتأمل في هذين التوجيهين العظيمين التوجيه الذي يتعلق بالقول بالامتناع من الكلام والتوجيه المتعلق بالأفعال بالامتناع من الحركة وذلك بالقعود أو الاضطجاع يدلك ذلك أن الإنسان حال الغضب لا ينبغي أن يتصرف لا قولا ولا فعلا حتى تنطفأ جمرته وهذه هي حقيقة الرجولة وهذه هي حقيقة الشدة لهذا يقول عليه الصلاة والسلام «ليس الشديد بالسرعة وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»
عباد الله:
اتقوا الله تعالى واعلموا أن تقوى الله جل وعلا عمل بطاعة الله على نور من الله رجاء ثواب الله وترك معصية الله على نور من الله خيفة عذاب الله عباد الله رأيت قبل خمس عشرة سنة تقريبا في أحد المستشفيات رجلا يحمل ابنه الصغير وكان ابنه عمره خمس سنوات تقريبا وكانت يد هذا الصغير ممنوعة من أصلها منفلتة غير متماسكة العظام وكان واقفا ينتظر دوره عند الطبيب فسألته ما بال ابنك وما أصابه قال لي قاتل الله الغضب كان نائما فأمرته بالقيام ودعوته للقيام فلم يستجب فغضبت غضبا شديدا ـ وتأمل عمره خمس سنوات ـ يقول فغضبت غضبا شديدا فمسكت بيده وشددتها وقرأت في استفتاء وجه لأحد أهل العلم امرأة تستفتي أحد العلماء تقول إن زوجها غضب وضربها بجمع يده فهشم أسنانها وعندما تنظر واقع الناس في تعاملاتهم في البيوت ومع الأسر وفي البيع والشراء تجد أن حال الغضب تسيطر على كثير من الناس بتصرفات هوجاء وأقوال شنيعة وأفعال فضيعة لا تليق بالمسلم وهذا يدلنا عباد الله أن بعدنا عن ديننا الحنيف وعن آدابه الرشيدة وأخلاقه الحميدة يؤدي بنا إلى الهلكة والعياذ بالله وإذا ذهبت إلى المحاكم ورأيت ما يأتي عند القضاة من الآثار التي تكون في البيوت وكثير منها نتيجة الغضب لرأيت عجبا ولو وقفت أيضا على كثير من المسجونين وما حصل منهم من آثار وأفعال سيئة بسبب الغضب من قتل أو عدوان لرأيت عجبا فعلينا عباد الله أن نتقي الله جل وعلا وأن نتحلى بآداب الإسلام الحميدة وأقواله الرشيدة لنُهدى إلى سواء السبيل واعلموا أن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار وعليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة وصلوا وسلموا رعاكم الله على إمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما} [ الأحزاب: ٥٦ ] وقال صلى الله عليه وسلم من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا .