الأسرة وضغوطات الحياة

هذه العلاقة تعتمد على المشاركة والتعاون في بناء الأسرة، وتربية الأولاد، ومواجهة الحياة والمجتمع، ولا تخلو الحياة الزوجية من مشكلات وضغوطات قد يكون سببها من داخل الأسرة أو من خارجها.

  • التصنيفات: التربية والأسرة المسلمة - قضايا الزواج والعلاقات الأسرية -

الزواج هو علاقة بين امرأة ورجل، لكل منهما حقوق وواجبات، ولهما حاجات متعددة، من أهمها الحاجة إلى الاحترام، والحاجة إلى العاطفة والحب والإشباع الجسدي، وهذه العلاقة تعتمد على المشاركة والتعاون في بناء الأسرة، وتربية الأولاد، ومواجهة الحياة والمجتمع، ولا تخلو الحياة الزوجية من مشكلات وضغوطات قد يكون سببها من داخل الأسرة أو من خارجها.

 

قال الله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} [النساء: 19]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجلُ امرأتَه إلى فِراشِه فلم تأتِهِ فَباتَ غضبان عليها؛ لَعَنَتْها الملائكةُ حتى تُصبِحَ»؛ (متفق عليه).

 

يا عباد الله، تقول فتاة: معاناتي بسبب أسرتي: أبي، وأُمِّي، وإخوتي، بيتنا مليء بالشحن والضغوطات، أخي دائم التعارك وصاحب مشكلات داخل الأسرة وخارجها، وأُمِّي نكدية وعصبية، على أتفه الأسباب تجعلنا نشعر بالتوتُّر والقَلَق والنكد، وأبي غائب عن البيت، مشغول بأعماله ومشاريعه وتجارته.

 

ويقول شاب: كثرة الديون التي عليَّ جعلتني دائم التفكير في عائلتي ومستقبل أولادي، أصبحتُ متوتِّرًا جِدًّا، لا أشعر بالسعادة والمتعة مع زوجتي وأولادي، ذهني مشغول وشارد عن الحياة، الحياةُ أصبحَتْ ثقيلةً على نفسي.

 

يا عباد الله، تُعَدُّ ضغوطات الحياة من أكثر المشكلات التي تُواجه الأسرة؛ بل وتكاد تكون موجودةً في كل بيت، حتى تحوِّل الحياة الأسرية من سيئ إلى أسوأ، والسؤال هنا: كيف نشأت هذه الضغوطات؟ وما مصادرها وأنواعها؟

 

إن مصادر وأنواع الضغوطات كثيرة؛ كالجهل بتربية الأولاد وطريقة التعامل معهم خاصة في مرحلة المراهقة، الروتين اليومي الذي يصل إلى حالة المَلَل في الحياة الزوجية، صعوبة المعيشة وكثرة الديون المتراكمة على الأسرة، سوء خُلُق أحد الزوجين وقِلَّة الاحترام وتجاهُل الشريك الآخر، الانشغال بالعلاقات الاجتماعية ومحاولة التقليد الأعمى على حساب الطرف الآخر، إدمان المواقع الإلكترونية ومتابعة المشاهير والأخبار الدولية التي لا نهاية لها.

 

أيها المسلمون، وللتعامل مع هذه الضغوطات نحتاج إلى الحكمة والصبر والتعاوُن بين أفراد الأسرة؛ لأن السير بالاتجاه الصحيح سيُحدِث نقلةً نوعيةً في الحياة الأسرية، ويُحقِّق نتائجَ إيجابيةً في تجاوُز ضغوطات الحياة، ومن طُرُق التعامل مع الضغوطات ما يلي:

أولًا: العلاقة الإيجابية مع شريك الحياة ومع الآخرين، الإنسان بطبيعته عندما يتعرَّض للضغوط يحتاج إلى الفضفضة واستشارة من يثق بهم؛ لذا كلما كانت العلاقة مع شريك الحياة ومع الأولاد والأصدقاء إيجابية ومصدر أمان لهم خفَّتْ ضغوطات الحياة.

 

ثانيًا: التعامل بحكمة مع مصدر القَلَق والتوتُّر؛ مثل العمل أو شريك الحياة أو المسائل المالية، وهنا يجب حل المشكلة من بدايتها قبل أن تتفاقم وتكبر وتفسد حياتك الزوجية والأسرية والنفسية.

 

ثالثًا: استعن بالله وابتعد عن المعاصي، فإن بعض هذه الضغوطات والمشكلات ناشئة من البُعْد عن الله، قال تعالى في سورة طه: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124].

 

قال صلى الله عليه وسلم: «مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا»؛ (صحيح الترمذي).

 

يا عباد الله، ومن طرق التعامل مع ضغوطات الحياة:

رابعًا: ابتعد عن متابعة الأخبار التي تشعرك بالتشاؤم والقَلَق، وتُفسِد عليك حياتك الأسريَّة والمالية؛ مثل: متابعة الأسهم الاقتصادية أو الأخبار السياسية أو متابعة المشاهير.

 

خامسًا: تعاون مع زوجتك وأولادك لمواجهة الضغوطات معًا؛ الأسرية والمالية، واستشِر من المتخصصين الصالحين حتى يساعدوك على مواجهة ضغوطات الحياة.

 

سادسًا: عوِّد نفسك على العادات والعبادات اليوميَّة الإيجابية والصحيَّة؛ مثل: قراءة حِزْب من كتاب الله، والصلاة مع الجماعة، وممارسة الرياضة، والتنزُّه مع الأسرة، ومجالسة ومتابعة المتفائلين أصحاب الطاقات الإيجابية، وصلة الرَّحِم، وغيرها.

 

سابعًا: القناعة بما قدره الله وما كتب لكم، مع فعل الأسباب على التطوير والتجديد، فإنها تبعث الطُّمَأْنينة والراحة النفسية، وتُعطِي شعورًا أنه لن يصيبَكما إلَّا ما كتَبَه الله لكما.

 

ثامنًا: البُعْد عن اليأس والاستسلام، ومحاولة حل المشكلة ووضع الحلول العملية التي تكون باستطاعتكم تطبيقها، فإن التأفُّف وتأخير الحلول يزيد من الضغوطات.

 

أخيرًا: استفِدْ من تجارب الناجحين في تخطيهم لمثل هذه الضغوطات، وتَوكَّل على الله، وكُنْ متفائلًا، وتذكَّرْ أنَّ هذه ابتلاءات تُؤجَر عليها عند الله.

______________________________________________________
الكاتب: عدنان بن سلمان الدريويش