ماذا تعرف عن الأقصى؟
كان لزاما بيان أهمية الأقصى في العقيدة الإسلامية، والتعريف به؛ حتى تبقى الأجيال واعية ومدركة لقيمة وتاريخ هذا المكان المبارك، وحتى تظل جماهير أمتنا وفية لقضية الأقصى متمسكة بحق الأمة فيه مهما طال زمن الاحتلال.
- التصنيفات: - آفاق الشريعة -
يتعرض المسجد الأقصى منذ احتلاله عام 1967 لاعتداءات متواصلة، أبرزها اقتحامات وزراء ونواب بالكنيست وأفراد الشرطة والمستوطنين، ومحاولتهم أداء طقوس دينية، منها تقديم القرابين داخل الحرم القدسي، وإقامة الصلوات التلمودية، والاحتفالات الدينية اليهودية، فضلا عن الإعلان عن الرغبة في تقسيمه زمانيا ومكانيا، وانتهاء بالإعلان عن العزم على إقامة الهيكل المزعوم.
من هنا كان لزاما بيان أهمية الأقصى في العقيدة الإسلامية، والتعريف به؛ حتى تبقى الأجيال واعية ومدركة لقيمة وتاريخ هذا المكان المبارك، وحتى تظل جماهير أمتنا وفية لقضية الأقصى متمسكة بحق الأمة فيه مهما طال زمن الاحتلال.
الأهمية الدينية للمسجد الأقصى:
إن الأقصى هو المسجد الذي أسري بالنبي محمد عليه الصلاة والسلام إليه، وقد خلَّد القرآن قصة الإسراء، إذ قال الله تعالى في بداية سورة الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء: 1].
وهو أيضا أولى القبلتين، حيث صلى إليه المسلمون طوال الفترة المكية، إضافة إلى سبعة عشر شهرا بعد الهجرة، قبل أن يؤمروا بالتحول شطر المسجد الحرام، كما أنه ثالث المساجد التي تشد إليه الرحال بعد المسجد الحرام بمكة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى» (متفق عليه).
ولما سألت أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسولَ اللهِ أَفْتِنَا في بيتِ المقدسِ. فقال: «إِيتوهُ فصلُّوا فيهِ، فإن لم تأتوهُ وتُصلُّوا فيهِ فابعثوا بزيتٍ يُسْرَجُ في قناديلِه» (رواه أبو داود).
وبالإضافة إلى ذلك، فقد ظل المسجد الأقصى على مدى قرون طويلة مركزا مهما لتدريس العلوم ومعارف الحضارة الإسلامية، ومركزاً للاحتفالات الدينية الكبرى، ومكانا لإعلان المراسيم السلطانية وتعيين كبار الموظفين.
متى بُني المسجد الأقصى؟
بُني المسجد الأقصى قبل الميلاد بأكثر من ألفي سنة، فهو ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، ودليل ذلك ما رواه البخاري رحمه الله عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه، قال: قلت يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول؟ قال: «المسجد الحرام» ، قال: قلت ثم أي؟ قال: «المسجد الأقصى» ، قلت: كم كان بينهما؟ قال: «أربعون سنة، ثم أينما أدركتك الصلاة فصل، فإن الفضل فيه».
من أول مَن بنى المسجد الأقصى؟
اختلف المؤرخون فيما بينهم على من وضع اللبنة الأولى لبناء المسجد، فمنهم من قال إن النبي آدم أبا البشر هو من بناه، والبعض يقول: إنه سام بن نوح، وآخرون ذهبوا إلى أن النبي إبراهيم هو من عمد إلى بناء المسجد الأقصى.
وترجح بعض الأحاديث أن أول من بناه هو آدم عليه السلام، اختط حدوده بعد 40 سنة من إرسائه قواعد البيت الحرام بأمر من الله تعالى، دون أن يكون قبلهما كنيس ولا كنيسة ولا هيكل ولا معبد.
الاهتمام بعمارة المسجد الأقصى:
كما تتابعت عمليات البناء والتعمير على المسجد الحرام، تتابعت على الأقصى المبارك، فقد عمره سيدنا إبراهيم حوالي العام 2000 قبل الميلاد، ثم تولى المهمة ابناه إسحاق ويعقوب عليهما السلام من بعده، كما جدد سيدنا سليمان عليه السلام بناءه حوالي عام 1000 قبل الميلاد.
وفي واحدة من أشهر الفتوحات الإسلامية عام 15 للهجرة (636 للميلاد)، جاء الخليفة عمر بن الخطاب من المدينة المنورة إلى القدس وتسلمها من سكانها في اتفاق مشهور بـالعهدة العمرية، وقام بنفسه بتنظيف الصخرة المشرفة وساحة الأقصى، ثم بنى مسجدا صغيرا أقصى جنوبي المسجد الأقصى.
وقد وفد مع عمر العديد من الصحابة، منهم أبو عبيدة عامر بن الجراح وسعد بن أبي وقاص وخالد بن الوليد وأبو ذر الغفاري.
يطلق اسم المسجد الأقصى المبارك على كامل المساحة شبه المستطيلة التي تبلغ 144 دونماً، وما فيه من منشآت أهمها قبة الصخرة التي بناها عبد الملك بن مروان عام 72 للهجرة (691 للميلاد) مع الجامع القبلي، والتي تعد واحدة من أروع الآثار الإسلامية، ثم أتم الخليفة الوليد بن عبد الملك بناء الجامع القبلي في فترة حكمه، التي امتدت من عام 86 إلى 96 للهجرة (705 – 714 للميلاد).
وبقيت قبة الصخرة إلى اليوم على شكلها الأصلي، أما الجامع القبلي فإن بناءه الحالي يختلف عن بناء الأمويين، حيث بُني المسجد عدة مرات في أعقاب زلازل تعرض لها على مدى القرون الماضية، بدءًا من الزلزال الذي تعرض له أواخر حكم الأمويين عام 130 للهجرة (747 للميلاد) ومروراً بالزلزال الذي حدث في عهد الفاطميين عام 425 للهجرة (1033 للميلاد).
من أبرز معالم المسجد الأقصى:
يتكون المسجد الأقصى من عدة أبنية، ويحتوي على عدة معالم يصل عددها إلى 200 مَعلم، منها مساجد وقباب وأروقة ومحاريب ومنابر ومآذن وآبار، وغيرها من المعالم.
ويشمل المسجد الأقصى كلا من قبة الصخرة المشرفة (القبة الذهبية) الموجودة في موقع القلب منه، والجامع القِبْلِي (ذي القبة الرصاصية) الواقع أقصى جنوبه ناحية القِبلة.
يضم الجامع القبلي 7 أروقة (رواق أوسط وثلاثة أروقة من جهة الشرق وثلاثة من جهة الغرب) وترتفع هذه الأروقة على 53 عموداً من الرخام و49 سارية من الحجارة.
يوجد في ساحة الأقصى الشريف 25 بئراً للمياه العذبة، 8 منها في صحن الصخرة المشرفة و17 في الساحات السفلى، كما توجد مواقع للوضوء.
وأما أسبلة شرب المياه فأهمها سبيل قايتباي المسقف بقبة حجرية رائعة لفتت أنظار الرحالة العرب والأجانب الذين زاروا المسجد، إلى جانب سبيل البديري وسبيل قاسم باشا.
كما توجد عدة مصاطب يصل عددها إلى أربعين، ترتفع عن الأرض بدرجة أو درجتين، وتستخدم للجلوس والصلاة وتدريس العلم الشرعي (الحديث الشريف والسيرة النبوية والتفسير والثقافة الإسلامية والفقه بالإضافة اللغة العربية والرسم)، وتستوعب كل الأعمار وكلا الجنسين، ويبلغ عددها 35 مصطبة، بني بعضها في العصر المملوكي، ومعظمها في العصر العثماني.
المسجد الأقصى.. المساحة والشكل وعدد الأبواب:
تبلغ مساحة المسجد الأقصى حوالي 144 دونما (الدونم ألف متر مربع)، ويحتل نحو سدس مساحة البلدة القديمة في القدس.
شكله مضلع أو شبه مستطيل، وطول ضلعه الغربي 491 مترا، والشرقي 462 مترا، والشمالي 310 أمتار، والجنوبي 281 مترا.
وفي صدر الجامع قبة، كما أن له 11 باباً، 7 منها في الشمال وباب في الشرق واثنان في الغرب وواحد في الجنوب.
مآذن المسجد الأقصى
للمسجد الأقصى 4 مآذن، والعديد من القباب والمساطب التي كانت مخصصة لأهل العلم والمتصوفة والغرباء، ومن أشهر هذه القباب قبة السلسلة، وقبة المعراج، وقبة النبي.
أما بالنسبة للأروقة فأهمها الرواق الشمالي المحاذي لباب شرف الأنبياء، والرواق الممتد غرباً من باب السلسلة إلى باب المغاربة، كما يوجد به مزولتان شمسيتان لمعرفة الوقت.
أجر الصلاة في المسجد الأقصى:
الصلاة في المسجد الأقصى مُضاعفة الأجر، وقد تعددت الروايات والأحاديث حول كم تعدل هذه الصلاة من الأجر، فقد ورد أنها تعدل 500 صلاة، كما ورد أنَّها تعدل 250 صلاة، فقد روى الطبراني والحاكم عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في بيت المقدس أفضل أو في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه، ولنعم المصلى، هو أرض المحشر والمنشر، وليأتين على الناس زمان ولقيد سوط أو قال: قوس الرجل حيث يرى منه بيت المقدس خير له، أو أحب إليه من الدنيا جميعا» (رواه الحاكم وصححه الألباني).
ارتباط الأقصى بالحج والعمرة:
لقد ارتبط الأقصى بنسك الحج والعمرة عند المسلمين في عصور متعددة، ولعل أصل هذه العادة اعتمد على الحديث الذي رواه أبو داود رحمه الله عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أنها سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: «من أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ».
ورغم أن إسناد الحديث لا يخلو من مقال، فإن أبا داود عضده بالعمل فقال: يَرْحَمُ اللَّهُ وَكِيعًا، أَحْرَمَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، يَعْنِي إِلَى مَكَّة. كما قال الإمام البَغَوي (ت 516هـ/1122م) -في شرح السنّة- إن الإحرام للحج من الأقصى قد فعله غير واحد من الصحابة. فيبدو أن هذه العادة متأصلة منذ زمن الصحابة رضي الله عنهم، وقد بقيت شائعة في أجيال المسلمين حتى احتلال المسجد الأقصى من الصهاينة.
ومن أجمل قصص الإحرام من الأقصى قصة جماعة من المجاهدين جاؤوا إلى القدس من مختلف بلاد المسلمين وشاركوا في تحريربيت المقدس من الصليبيين سنة 583هـ/1187م.
فقد ذكر الفتح بن علي الأصفهاني في مختصر سنا البرق الشامي: إنه لمّا وقع الفراغ من فتح القدس دنا الحج..، وقالوا (المجاهدون): نُحْرِمُ من المسجد الأقصى إلى البيت الحرام، ونفوز مع إدراك فضيلة استعادة القدس -في هذا العام- بأداء فريضة الجهاد والحج ركنيْ الإسلام.
أما زيارة بيت المقدس في ختام رحلة الحجّ فظلت عادةً أكثر انتشارًا من سابقتها، فكان كثيرٌ من المسلمين يحجّون ثم يقصدون المسجد النبوي بالمدينة المنورة للزيارة والصلاة فيه، ثم لا يرون أتمّ ولا أجمل لحجّهم من أن يقوموا بزيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى.
وقد نسب بعض الباحثين هذه العادة إلى عهود الدولة العثمانية، والحق أنها عادةٌ متأصلة في تاريخ المسلمين، معروفة قبل نشأة الدولة العثمانية؛ لكونها مبنيّة في الأصل على الحديث المشهور: «لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلا إلى ثلاثة مساجد». فكأنه لما جمع الحديثُ ذكْرَ المساجد الثلاثة في سياق واحد أحبَّ المسلمون الجمع بين زيارتها جميعا في رحلة الحج.