الذكاء الصناعي والسياسة الخارجية

عبد المنعم منيب

ما هو الذكاء الصناعي وما هي استخداماته وما هو تأثيره المرتقب على عملية صنع وتنفيذ السياسة الخارجية للدول؟

  • التصنيفات: وسائل التكنولوجيا الحديثة -

قفزت قضية الذكاء الصناعي لواجهة النقاش والاهتمام في المجال العام بالعالم كله بعدما طرحت عدد من الشركات نموذجها للذكاء الصناعي للاستخدام في عام 2023، فما هو الذكاء الصناعي وما هي استخداماته وما هو تأثيره المرتقب على عملية صنع وتنفيذ السياسة الخارجية للدول؟

الذكاء الصناعي " Artificial intelligence" ويعرف اختصارا بـ(AI) هو مجال في علوم الكمبيوتر يهتم بتطوير أنظمة تكنولوجية قادرة على تنفيذ مهام تتطلب ذكاءً بشريًا.

وأصل الفكرة هي محاولة صنع آلة تحاكي عقل الإنسان وتمتلك نفس قدرات العقل البشري في كل المجالات لكنهم عجزوا عن ذلك، فقرروا محاكاة بعض وظائف عقل الإنسان كل منها في برنامج أو تطبيق application منفصل ثم دمج بعضها مع بعض جزئيا أو كليًا، فهناك الـ(AI) الذي يحاكي قدرة العقل البشري على الرؤية وهو الذي يعالج ويتعامل مع الصور والفيديو تحليلاً او تعديلاً أو تحريرًا أو صنعًا، وهناك الـ(AI) الذي يحاكي قدرة العقل البشري على التعامل مع لغة البشر الطبيعية وكلامهم وهو الذي يقوم بمهمة فهم وتحليل اللغة البشرية، مما يتيح له القدرة على التفاعل مع البيانات النصية بشكل فعال..إلخ وهكذا.

ومن هنا نجد أن للذكاء الصناعي الـ(AI) عدة خصائص أبرزها:

التعلم الآلي: القدرة على تحسين أداء الأنظمة مع مرور الوقت من خلال التعلم من الخبرة والبيانات.

معالجة البيانات الكبيرة: التعامل مع كميات ضخمة من البيانات واستخراج المعلومات المفيدة.

التفاعل الذكي: القدرة على التفاعل بشكل ذكي مع البيئة والمستخدمين.

التمييز والتصنيف: التمييز بين أنماط معينة وتصنيف البيانات والمعلومات.

التفكير الإبداعي: قدرة النظم الذكية على إظهار أنماط جديدة وإيجاد حلول لمشكلات معقدة.

 

مع بداية القرن الواحد والعشرين بدأت تتسرب المعلومات عن استخدام دولة الاحتلال "الإسرائيلي" application لاستشراف ردود أفعال حزب الله اللبناني على أي من الأحداث الجارية

وبالتالي فإن الـ(AI) يمكنه القيام بالتالي على سبيل المثال لا الحصر:

تحليل البيانات والتنبؤ: يستخدم الذكاء الصناعي لتحليل كميات كبيرة من البيانات واستخراج أنماط واتجاهات، ويمكن استخدامه للتنبؤ بالأحداث المستقبلية.

التعلم الآلي والتعلم العميق: تقنيات مثل شبكات العصب الاصطناعي والتعلم العميق تسمح للأنظمة بتعلم من البيانات وتحسين أدائها بمرور الوقت.

معالجة اللغة الطبيعية: يمكن للذكاء الصناعي فهم وتحليل اللغة البشرية، مما يتيح له القدرة على التفاعل مع البيانات النصية بشكل فعال.

التواصل مع الجماهير: استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا في تشكيل وتوجيه آراء الجمهور.

الروبوتات والأتمتة: يمكن تطبيق الذكاء الصناعي في تصميم الروبوتات والأنظمة الأتمتة لتنفيذ مهام متنوعة بدون تدخل بشري.

تطبيقات صحية: يستخدم في تشخيص الأمراض وتصميم خطط العلاج الشخصية وتحليل البيانات الطبية.

القيادة الذاتية للسيارات: يلعب الذكاء الصناعي دورًا مهمًا في تطوير تكنولوجيا السيارات الذاتية القيادة.

التحكم في الإنتاج والتصنيع: يمكن استخدام الذكاء الصناعي لتحسين عمليات التصنيع وضمان الكفاءة والجودة.

لمحة عن استخدام التطبيقات في السياسة والاستخبارات

منذ فترة طويلة وفي منتصف الستينات بالاتحاد السوفيتي السابق بدأ تشغيل نظام أتوماتيكي أو آلي للرد النووي، وهذا النظام ظل العمل على تأسيسه وصناعته منذ بداية الخمسينات في القرن العشرين ولكنه لم يدخل الخدمة الفعلية هناك غير حوالي عام 1965 وهو قائم على فرضية أن الاتحاد السوفيتي قد يتعرض لضربة نووية ساحقة وشاملة تعجز أنظمة الإنذار المبكر من رصدها قبل وقوعها ومن ثم تتم إبادة القيادة السوفيتية ومعظم قدراتها النووية، ولكن تفلت من الضربة كمية محدودة من قواعد إطلاق الصواريخ النووية الموجودة في أنفاق برية أو على ظهر مركبات متحركة او على متن غواصات وحينها ينطلق صاروخ محدد ومعد سلفًا من أحد الأنفاق السرية وأثناء انطلاقه يوزع أوامره المشفرة لكافة قواعد الصواريخ التي نجت من الإبادة فتنطلق نحو أهدافها في أراضي الولايات المتحدة تلك الأهداف التي تم تخزين إحداثياتها مسبقًا في كل صاروخ.

وكانت الولايات المتحدة سبقت الاتحاد السوفيتي بصنع نظام للانتقام النووي مشابه ويطلق عليه اسم "نظام اتصالات الصواريخ في حالات الطوارئ".

ورغم أن هذين النظامين لا يقومان على الذكاء الصناعي بل إنهما سبقا مراحل التقدم في مجال علوم الكمبيوتر والبرمجيات إلا أنه فكرته قائمة على الأتمتة التي تعوض غياب العنصر البشري.

كما أنه من الشائع منذ الستينيات أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية وسائر الأجهزة الاستخباراتية الكبرى في العالم لديها عمليات أتمته واسعة بهدف فرز وتصنيف المعلومات او ترجمتها من جميع اللغات، لكن أيضًا فهذا كله كان قبل مراحل التقدم في مجال علوم الكمبيوتر والبرمجيات.

ومع بداية القرن الواحد والعشرين بدأت تتسرب المعلومات عن استخدام دولة الاحتلال "الإسرائيلي" application لاستشراف ردود أفعال حزب الله اللبناني على أي من الأحداث الجارية ثم أخبار أخرى عن تكوينها لمجموعة تختص بمتابعة كل ما يتعلق بسياسات إيران الداخلية والخارجية وتغذية application يختص باستشراف الأحداث المستقبلية بشأن السياسة الإيرانية داخليًا وخارجيًا.

ووجدنا مستشرقة ألمانية تعد بحثها للدكتوراه عن الحركات الإسلامية المسلحة وغير المسلحة في العالم العربي وكيفية استشراف ردود أفعالها عبر application مخصص لهذا الغرض وتم البحث بتمويل سويسري أمريكي، وتم نشر البحث باللغة الإنجليزية عام 2015 بعنوان:

  Whether to Kill: The Cognitive Maps of Violent and Nonviolent Individuals

وهذه كلها مجرد أمثلة ناهيك عن الاستخدام الواسع حاليًا للذكاء الصناعي في المجال العسكري وصناعة أسلحة فتاكة تعمل وتقتل بقرار منفرد منها دون الرجوع للبشر.

ورغم هذا كله فمازالت عملية استخدام التطبيقات applications فضلا عن الـ(AI) في مجال العلوم السياسية في العالم العربي غائبة.

 

 يمكن أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي متحيزة، ويمكن اختراقها، ويمكن استخدامها للتلاعب بالرأي العام، ومن المهم أن نكون على دراية بهذه المخاطر وأن نتخذ خطوات للتخفيف منها.

كيفية استخدام الـ(AI) في السياسة الخارجية

إن السياسة الخارجية هي عملية تحديد أهداف الدولة في البيئة الخارجية وخططها لتحقيق هذه الأهداف وتوفير الجهود والموارد والأدوات اللازمة لتنفيذ هذه الخطط ومواجهة أي مشكلات قد تكتنف كل هذه الخطوات، وكل هذا لا بد من أنه سيشمل جميع العمليات التالية:

-        جمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها.

-        تحديد الاحتمالات والسيناريوهات المتوقعة.

-        تحديد كل الخيارات والبدائل الممكنة.

-        تحديد الفرص والمخاطر الكامنة في كل احتمال أو في كل خيار.

-        اختيار البديل او الخيار المناسب.

-        وضع الخطط لتنفيذ هذا الخيار أو البديل الذي وقع عليه الاختيار.

-        توقع المشكلات التي قد تكتنف تنفيذ هذا البديل أو هذه الخطط ووضع خطط لحلها.

-        تخصيص الجهود والموارد والأدوات اللازمة لتنفيذ هذا كله واستخدامها في التنفيذ.

إن هذه العمليات عددها ثماني والسبع الأول منها هي ذات طبيعة فكرية بينما الثامنة هي تنفيذية ولا يتوقع من الذكاء الصناعي أن ينفذ في مجال السياسة الخارجية.

أما السبع عمليات ذات الطبيعة الفكرية فبعضها هي عمليات تجميع وبعضها يشمل التفكير الرياضي المنطقي مع التجميع وهذا كله يمكن الارتكاز فيه بشكل كبير على تطبيقات applications مخصصة ترتكز على الذكاء الصناعي “AI”، وهذه العمليات عددها خمس من السبع المذكورة وهي:

-        جمع المعلومات وتصنيفها وتحليلها.

-        تحديد الاحتمالات والسيناريوهات المتوقعة.

-        تحديد كل الخيارات والبدائل الممكنة.

-        تحديد الفرص والمخاطر الكامنة في كل احتمال او في كل خيار.

-        توقع المشكلات التي قد تكتنف تنفيذ هذا البديل او هذه الخطط ووضع خطط لحلها.

ويتبقى عمليتان هما:

-        اختيار البديل أو الخيار المناسب.

-        وضع الخطط لتنفيذ هذا الخيار أو البديل الذي وقع عليه الاختيار.

نعم يمكن للذكاء الصناعي “AI” أن يعمل في هاتين العمليتين ولكنه حتى اليوم لا يمكن أن نأمن له في مثل هذه العمليات الإبداعية العالية، وحتى عندما يتطور مستقبلاً فمن وجهة نظرنا سيظل عقل الإنسان هو السيد ولا يمكن أن نأمن الآلة في أمور مهمة أو حساسة من الممكن أن تذهب بالبشرية إلى المجهول.

ومع ذلك كله من المهم ملاحظة أن تأثير الذكاء الاصطناعي على السياسة الخارجية لا يزال غير مؤكد. سيعتمد مقدار هذا التأثير على كيفية تطوير واستخدام الذكاء الاصطناعي في المستقبل.

الانتقادات القانونية والأخلاقية لاستخدام الذكاء الصناعي

يثير استخدام الذكاء الاصطناعي سواء في صنع السياسة الخارجية أو في أي مجال آخر عددًا من المخاوف الأخلاقية والقانونية.

على سبيل المثال، من سيكون مسؤولاً عن القرارات التي تتخذها أنظمة الذكاء الاصطناعي؟ كيف سيتم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لحماية حقوق الإنسان؟ كيف سيتم استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل؟ هذه قضايا معقدة يجب معالجتها مع تزايد استخدام الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في صنع السياسة الخارجية.

كما يمكن أن تكون أنظمة الذكاء الاصطناعي متحيزة، ويمكن اختراقها، ويمكن استخدامها للتلاعب بالرأي العام، ومن المهم أن نكون على دراية بهذه المخاطر وأن نتخذ خطوات للتخفيف منها.

ومن المهم أيضًا التأكد من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي ليست متحيزة وأنها لا تتخذ قرارات تضر بالناس، ويجب التأكد من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي شفافة وأن الناس يفهمون كيفية عملها.

ويمكن تلخيص أبرز الانتقادات التي توجه للذكاء الصناعي في التالي:

 الخوف من انتهاك الخصوصية

الاختراقات الأمنية: يمكن أن يتسبب استخدام الذكاء الصناعي في تهديد الأمان الرقمي والخصوصية الشخصية عندما يتم اختراق الأنظمة الذكية.

تجميع البيانات: قد يؤدي جمع كميات كبيرة من البيانات الشخصية إلى مخاوف بشأن استخدامها بطرق لا أخلاقية أو غير قانونية.

التمييز بناء على البيانات

تمييز البيانات: يمكن أن يؤدي استخدام الذكاء الصناعي في بعض الحالات إلى تمييز البيانات وفرزها بطرق تعتبر غير عادلة أو تمييزية.

تأثير التشغيل وفقدان الوظائف:

من حيث التأثير على سوق العمل إذ قد تؤدي التنمية السريعة لتقنيات الذكاء الصناعي إلى فقدان بعض الوظائف التقليدية، مما يطرح تحديات اقتصادية واجتماعية.

تبعيات القرار الآلي

من حيث الشفافية والمساءلة إذ في الحالات التي يتم اتخاذ القرارات بشكل آلي، يمكن أن يكون من الصعب تحديد كيف ولماذا تم اتخاذ هذه القرارات، مما يطرح تحديات في مجالات مثل المساءلة والشفافية.

القضايا القانونية هل هناك مسؤولية للروبوت؟ فالمسؤولية القانونية في حالة حدوث أخطاء أو أضرار تقع على من؟

العدالة الاجتماعية هناك مخاوف من أن يؤدي استخدام الذكاء الصناعي إلى تفاقم الفجوات بين الفئات والطبقات المجتمعية المختلفة. وعلى الرغم من كل هذه المخاوف، فمن المرجح أن يستمر استخدام الذكاء الاصطناعي في النمو في المستقبل.