معارك رمضانية شبه منسية
معركة البويب، ومعركة حطين الثانية، ومعركة دمشق، ثلاث معارك وقعت في رمضان، ربما هي أقل شهرة من مثيلتها الرمضانية، لكنها في الأثر تتشابه
- التصنيفات: التاريخ والقصص -
أحمد الظرافي
رمضان شهر الصيام والقيام وقراءة القرآن، وهو، في الوقت ذاته، شهر الجهاد، وفيه حدثت أهم الانتصارات والفتوحات الإسلامية، كمعركة بدر الكبرى، وفتح مكة، وفتح الأندلس، وفتح عمورية، ومعركة عين جالوت، وغيرها. وهناك معارك وفتوحات أخرى وقعت في رمضان، ولكن قلما يتحدث عنها الكتٌّاب، رغم أنها لا تقل أهمية عن تلك المعارك والفتوحات، ومنها على سبيل المثال، لا الحصر، معركة البويب، ومعركة حطين الثانية، ومعركة دمشق.
معركة البويب
وقعت هذه المعركة في العراق، في رمضان سنة 13هـ، وكانت بعد حوالي شهر ونصف من هزيمة المسلمين في معركة الجسر، تلك الهزيمة الأليمة، التي قتل فيها آلاف المسلمين، وعلى رأسهم قائدهم أبوعبيد الثقفي، وفر بعضهم حتى لحق بالمدينة، فبكوا حتى تقرحت جفون بعضهم، ندمًا على ما فرط منهم، الأمر الذي هز وجدان المسلمين، هزًا عنيفًا، وفي مقدمتهم الخليفة عمر، الذي أخذ يفكر في استرداد هيبة المسلمين في العراق، فأخذ يبعث المجاهدين جماعات جماعات إلى المثنى الشيباني، الذي كان قد أنقذ بقية المسلمين من الإبادة الشاملة، بسيوف المجوس، يوم الجسر، وآلت إليه خلاله قيادة المسلمين عن جدارة وكفاءة، وأبقاه الله كي يثأر لهم، ويستعيد كرامتهم. فاجتمع لدى المثنى جيش كبير، فعسكر على شاطئ الفرات الشرقي، في المكان المعروف باسم "البويب"، وهو مغيض متفرع من نهر الفرات، وأقبل جيش المجوس تحت قيادة مهران، تصحبه الفيلة، وعسكر على الشاطئ الآخر، وكتب مهران للمثنى: إما أن تعبروا إلينا أو نعبر إليكم، فأجابه المثنى: بل اعبروا. فعبروا وكانوا يحسبون أنها ستكون مثل معركة الجسر. وقبل المعركة طلب المثنى من المسلمين أن يفطروا، حتى لا يضعفوا أمام عدوهم بسبب الجوع والعطش، فأفطروا، ومشى المثنى بين صفوفهم يحثهم على القتال والصبر، ولم يلبث الفرس أن هجموا على المسلمين هجمة عنيفة، اختلت منها صفوفهم، ولكنهم سرعان ما اعتدلوا، بفضل حنكة المثنى، وحسن تدبيره، وثبات الذين كانوا قد حضروا يوم الجسر، حرصًا على النصر أو الشهادة، تكفيرًا عما بدر منهم في ذلك اليوم الأغر. وحمي الوطيس، وتراوح النصر حينًا بين الفريقين، وفي غضون ذلك حمل المثنى، ومعه نفرٌ من أشداء الرجال، على مهران قائد المجوس، واجبره على التقهقر، وحمل المسلمون على المجوس حملة صادقة، وشدوا الخناق عليهم، فهزموهم هزيمة نكراء، واعملوا السيوف في الفارين، وقطع المثنى عنهم الجسر لكي لا ينجوا بجلودهم، فمات منهم الكثيرون غرقا في النهر، وقتل المسلمون منهم أضعاف أضعاف ما قتلوا من المسلمين يوم الجسر، وظل فرسان المسلمين يفتكون بهم، إلى الليل، وأمعنوا في مطاردتهم، بتحريض من المثنى، حتى يوقعوا الرعب في قلوب أهل فارس، وشفى الله قلوب المسلمين، مما حدث لهم يوم الجسر، وارتفعت معنوياتهم إلى أقصى حد، وغنموا غنائم كثيرة.
حطين الثانية
في سنة 589هـ، توفي صلاح الدين، تاركًا وراءه دولة شاسعة ممتدة من برقة غربًا إلى الفرات شرقًا، ومن الموصل وحلب شمالاً إلى النوبة واليمن جنوبًا. بيد أن هذه الدولة، لم تلبث أن تفككت، فقد تغلب أبناؤه وأخوته وأبناء أخوته وأقاربه، كل على ما تحت يده، وجعل منها دولة مستقلة. فصارت مصر دولة، ودمشق دولة، وحدث الشيء نفسه في حماة وحمص وحلب وميافارقين وبعلبك. واحتدم التنافس والتنازع بين الأمراء الأيوبيين، حتى بين الأخ وأخيه، والعم وابن أخيه، لشدة تهافتهم على السلطة، وتعلقهم بالدنيا، وهو ما استفاد منه الفرنج، فعملوا على إعادة بناء قوتهم مستفيدين من الدعم المقدم لهم من وطنهم الأم، فيما وراء البحار، واستعادوا كثيرًا من المدن والمعاقل التي كانوا قد فقدوها، بعد هزيمتهم الشنيعة في حطين، وعلى رأسها القدس الشريف. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قام الصالح إسماعيل صاحب دمشق، بالتحالف مع الصليبيين، وتنازل لهم عن صفد وقلعة الشقيف ونصف صيدا، وطبرية وسائر بلاد الساحل الشامي، ثم لم يلبث إسماعيل هذا أن سار على رأس جيشه وجيوش الصليبيين، وجيوش أمراء أيوبيين آخرين، على مصر لغرض انتزاعها من يد ابن أخيه الصالح نجم الدين أيوب، العدو اللدود للصليبيين، ورافع راية الجهاد ضدهم. فخرج لهم جيش الصالح أيوب وحلفاؤه الخوارزمية، الذين لجئوا إلى مصر بعد سقوط دولتهم في الشرق، تحت قيادة ركن الدين بيبرس، والتقى الجمعان بظاهر غزة، وذلك في رمضان سنة 642هـ، واشتد القتال بينهما، فنصر الله قوات الصالح أيوب والخوارزمية، نصرًا عظيمًا، وهزم عدوهم هزيمة ساحقة، ونكب فيها الصليبيون نكبة كبرى، تقارب نكبتهم في حطين، فقد خسروا ألوفًا مؤلفة من القتلى والجرحى والأسرى. ولذلك أطلق عليها اسم "حطين الثانية"، كما أطلق عليها أيضا اسم "معركة الحربية". ولم يتوقف الخوارزمية عن مطاردة فلول الصليبيين وقوات الصالح إسماعيل، إلا بعد تحرير القدس الشريف، هذه الأخيرة، التي خرجت هذه المرة، نهائيًا من تحت سيطرة الصليبيين، وظلت بأيدي المسلمين، إلى أن دخلها القائد البريطاني إلنبي صاحب المقولة الشهيرة: "الآن انتهت الحروب الصليبية"، في عام 1917م. وقد ترتب على هذه المعركة خضوع الشام كله للصالح أيوب، وعودة مركز الثقل من جديد إلى مصر، وانحسار الحدود الصليبية مرة أخرى إلى يافا.
معركة دمشق
وهي إحدى معارك حرب أكتوبر 1973. ولكن الإعلام لا يتحدث عنها، رغم أنها أهم انتصار حققه العرب في تلك الحرب. ففي 10 رمضان 1393هـ، شن الجيشان المصري والسوري هجومًا مباغتًا على الكيان الصهيوني، وحقق كل منهما تقدمًا ملحوظًا في الأيام الأولى. بيد أن الجيش الصهيوني لم يلبث أن استفاق من الصدمة، واستعاد زمام المبادرة، وبخاصة بعد الجسر الجوي الأمريكي، فاستطاع أن يطوق الجيش الثالث المصري في سيناء، وأن يوجه ضربات موجعه للجيش السوري، هذا الأخير الذي أٌمر بالانسحاب من الجولان، دون غطاء جوي، ففقد في اليوم السادس من الحرب حوالي 600 دبابة، ومئات القتلى، وواصل الانسحاب باتجاه سعسع، واستعاد الجيش الصهيوني هضبة الجولان، وتقدم باتجاه دمشق، وتجاوز خط الهدنة خلال حرب عام 1967، وقطع طريق درعا -دمشق، هذه الأخيرة التي باتت، على مرمى المدافع الصهيونية. لدرجة أن الرئيس السوري حافظ الأسد، وكبار رجاله، قرروا الفرار من دمشق، وتحويل مقر القيادة إلى حلب أو اللاذقية في الشمال، تاركين دمشق لقمة سائغة للجيش الصهيوني. وفي غضون ذلك دخل المعركة لواءان من الجيش العراقي، واستطاع الجنود العراقيون، أن يتصدوا للجيش الصهيوني، وأن يحولوا بينه وبين دمشق، ويردوه على أعقابه مهزومًا مدحورًا، رغم كثرة خسائرهم البشرية والآلية، لعدم وجود غطاء جوي يمنع تعرضهم لقصف الطائرات الصهيونية. ولم يتوقف دور الجيش العراقي، عند هذا الحد، فقد كان صدام حسين نائب الرئيس العراقي والحاكم الفعلي للعراق، آنذاك، قد جهز ثلاث ألوية عراقية أخرى على الحدود السورية، وعزم على تصعيد الحرب ضد الصهاينة، وتحرير هضبة الجولان كلها، ولكن وبينما كان الجيش العراقي يتحفز لعبور الأراضي السورية، فوجئ الجميع بإعلان حافظ الأسد للهدنة بينه وبين الصهاينة، ودخوله في مفاوضات مشبوهة مع هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي، رافضًا دخول الجيش العراقي إلى سوريا، وفي الوقت ذاته، عمل جهاز مخابراته على نشر إشاعة في دمشق مفادها أن هدف الجيش العراقي من دخول سوريا ليس تحرير الجولان، وانما احتلال دمشق، وتلقفت آذان الأقليات هذه الإشاعة بسهولة، لخشيتها من عودة السنة لحكم سوريا، كون صدام والجيش العراقي، كان محسوبًا، آنذاك، على السنة، رغم أن دافع العراق كان قوميًا بحتًا، وما كان صدام ممثلاً للسنة في يوم من الأيام.